تتناول الصحافة الروسية، اليوم الخميس، الدلالات والتداعيات المحتملة لإعلان برلين عن تأكد رواية تسميم المعارض الروسي مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، بغاز أعصاب من مجموعة "نوفيتشوك"، وهو نفس نوع الغاز المرجح استخدامه لتسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبري البريطانية عام 2018.
وفي مقال بعنوان "نوفيتشوك مرة أخرى. تسميم نافالني وتصفير روسيا"، اعتبرت صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية أن إعلان الحكومة الألمانية يصعب وصفه بـ"المفاجئ"، ولكن له "مفعول انفجار قنبلة"، مذكرة بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد توعدا بفرض عقوبات جديدة على روسيا في حال إثبات تسميم نافالني.
ولفتت الصحيفة إلى مجموعة من الخصائص تميز قضية نافالني عن غيرها، ومن بينها وقوعها داخل روسيا أثناء سفر نافالني من مدينة تومسك إلى موسكو، مما يزيد من صعوبة وضع المسؤولية على عاتق أي طرف آخر، واستخدام غاز عسكري نادر طُور بمؤسسة حكومية للمرة الثانية على الأقل في ظرف ثلاث سنوات بعد حادثة سكريبال، وكون نافالني أبرز وجوه المعارضة "غير النظامية" الروسية، مما لا يترك للغرب أي طريق للتراجع.
صحيفة "ريبابليك": إعلان الحكومة الألمانية يصعب وصفه بـ"المفاجئ"، ولكن له "مفعول انفجار قنبلة"
ورجح كاتب المقال أن المبررات الروسية، من قبيل "فقد سلمنا لكم نافالني من دون سم" و"قدموا لنا أدلتكم"، قد ترضي قسما من الجمهور الداخلي، ولكن "الكرملين لم تعد له أي سمعة في الغرب"، حيث سيصدق الجميع الأطباء الألمان لا الروس.
وتوقعت صحيفة "كوميرسانت" هي الأخرى أن التحول الدراماتيكي في قضية نافالني ينذر بأزمة منهجية جديدة في العلاقات بين موسكو والغرب، قد تبدو الأزمات السابقة "ورودا" مقارنة بها، متسائلة عمّا إذا كانت هناك سبل للحد من التداعيات السلبية لهذه القصة حتى لا تشكل نقطة اللاعودة لموسكو وشركائها الغربيين السابقين.
وفي مقال بعنوان "الكرملين ليس نوفيتشوك"، اعتبر كاتبه، سيرغي ستروكان، أن حزم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عند الإعلان عن تسميم نافالني بالغاز من مجموعة "نوفيتشوك" يدل على أن وجهة النظر هذه ستصبح سائدة لدى "الغرب الجماعي"، شأنها في ذلك شأن جزمها بأن "أليكسي نافالني سقط ضحية لجريمة وكانوا يريدون إسكاته".
وحول الخيارات المتاحة أمام روسيا للحد من تداعيات الواقعة، ذكر ستروكان أنه يتعين على موسكو تفكيك هذه القصة الغامضة إلى أدق التفاصيل و"الإظهار بصورة موضوعية أن التسميم، إن حدث، لم يتم بأمر من الأعلى في الكرملين، وإنما جاء اعتداء جنائيا لا يمت إلى الدولة الروسية بصلة"، بالإضافة إلى المهمة الإعلامية للفصل بين قضيتي نافالني وسكريبال، خصوصا وأن مجموعة "نوفيتشوك" تضم عددا كبيرا من مواد سامة ليست حكرا على روسيا.
من جانب آخر، اعتبرت صحيفة "فزغلياد" الموالية للكرملين أن إصرار الغرب على رواية تسميم "المدون" نافالني بمادة عسكرية له أهداف براغماتية، لافتة إلى أن الأطباء الروس في مستشفى مدينة أومسك التي هبطت طائرة نافالني فيها اضطراريا بعد إصابته بوعكة صحية، لم يكتشفوا أي مواد سامة في جسمه.
وفي مقال بعنوان "سد السيل الشمالي-2" بنافالني"، أشارت الصحيفة إلى أن موسكو تشكك في صحة تصريحات السياسيين والخبراء الألمان، ولكنها مستعدة للتعاون مع برلين للتحقق من ملابسات الواقعة.
و"سد السيل الشمالي-2" يقصد به مشروع خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا.
من جهته، أعرب المحلل السياسي، مارات بشيروف، عن قناعته بأن روسيا ما كان لها أن تسلم نافالني لأي بلد غربي في حال كان سمم حقا بـ"نوفيتشوك". وقال بشيروف، في حديث لـ"فزغلياد": "حتى إذا افترضنا هذه الرواية، لكان إرساله إلى الخارج جنونا تاما. ليس هناك مجانين في السلطة أو في الأجهزة الخاصة في أي بلد في العالم".
وبدوره، قال المسؤول بنادي "فالداي" الدولي للنقاشات تيموفيه بورداتشوف: "يمكن توقع أي شيء الآن، وسيتم الضغط على روسيا. ربما سيقترحون: "توبوا عن تسميم نافالني، فسنبقي على السيل الشمالي-2". ستجد روسيا نفسها أمام هذا الخيار. لكن يجب التذكر أن الحكم بإدانة بلادنا قد صدر. لن يقبل نظراؤنا الغربيون إلا باستسلام روسيا ومنظوماتها السياسية".
يذكر أن نافالني، البالغ من العمر 44 عاما، أصيب بوعكة صحية أثناء رحلة جوية من مدينة تومسك الواقعة في سيبيريا إلى موسكو يوم 20 أغسطس/آب الماضي، مما أدى إلى هبوط الطائرة اضطراريا في أومسك وإيداع المعارض السياسي في مستشفى محلي بحالة حرجة ووضعه على جهاز التنفس الاصطناعي، قبل أن يتم نقله إلى برلين لتلقي العلاج، كيث تأكدت رواية تسميمه في نهاية المطاف.