لا يكاد يمرّ أسبوع إلا وتشهد باكستان حوادث انتحار أبطالها نساء. ولكثرتها، أصبحت قضايا انتحار النساء أمراً روتينياً لا يلقى الاهتمام اللازم، في ظل تدخل القوى السياسية والمحاكم. ثم يطلق المسؤولون الوعود التي تبقى حبراً على ورق.
أخيراً، تناولت وسائل الإعلام والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي قضية انتحار الطبيبة ماها علي في مدينة كراتشي، وقضية انتحار طالبة الدكتوراه في جامعة كراتشي، نادية أشرف شودري. وتبحث الحكومة المحلية في إقليم السند، جنوبي البلاد، قضية زيادة نسبة الانتحار في منطقة تهر باركر النائية والفقيرة، إذ إن معظم اللواتي يُقدمن على الانتحار، من نساء الأقلية الهندوسية، وقد شكلت الحكومة لجنة، في محاولة لمعرفة الأسباب.
قضية انتحار الطبيبة علي تزداد تعقيداً مع مرور الأيام. ومع أنه ثبت طبياً وقضائياً أنها أنهت حياتها بنفسها، إلا أن والدها بير سيد علي شاه يقول إنها أقدمت على الانتحار بسبب كيفية تعامل شاب معها يدعى محمد جنيد، الذي كان صديقها. ونشر الوالد مقطعاً صوتياً لابنته سجلته قبل إقدامها على الانتحار، أعربت فيه عن الضغوط النفسية الكبيرة التي تعانيها بسبب تعامل صديقها جنيد معها. وقالت إن الشاب جعل حياتها جحيماً، ولم تعد تنام من دون تناول مهدئات. وأكدت أنها قطعت علاقتها معه، لكنه ظل يلاحقها ويتجادل معها بين الحين والآخر. من جهته، ادعى جنيد في أثناء مثوله أمام المحكمة في كراتشي، أن والد الفتاة هو السبب في إقدام الفتاة على الانتحار، وأنه تشاجر معها قبل وفاتها، مشيراً إلى أن علاقته كانت جيدة معها، وقد قدمت له الهدايا قبل وفاتها بأيام.
ومنذ انتحارها في 19 أغسطس/ آب الماضي، وحتى اليوم، تحولت قضية علي إلى واحدة من أبرز القضايا على الصعيدين الحكومي والشعبي. وما زالت المحكمة تنظر فيها باستمرار، وقد رفضت طلب الفريق الطبي المخول بالتحقيق في القضية، تشريح جثمانها مرة أخرى.
وبالانتقال إلى قضية انتحار طالبة الدكتوراه نادية أشرف، تداولت الأخبار أن سبب انتحارها هو التحرش الجنسي الذي تعرضت له من قبل أحد أساتذتها. إلا أن والدة الضحية، وتدعى ممتاز بيكم، وشقيقها شهزاد، رفضا الاتهام الموجه إلى الأستاذ، لكنهما ما زالا في حيرة من أمرهما، خصوصاً أن أشرف كانت متفوقة وتُعدّ رسالة الدكتوراه في العلوم البيولوجية.
في هذا السياق، تقول الناشطة رباب ياسمين لـ"العربي الجديد" إن المشاكل التي تواجهها النساء في باكستان كثيرة، وأسبابها مختلفة، ومعظمها يرتبط بالأعراف المتجذرة في البلاد، إضافة إلى الاضطرابات النفسية. وتؤكد أن الطالبة نادية كانت ذكية، لكنها تعاني في الوقت نفسه من مشاكل نفسية، وكانت تتلقى العلاج. تضيف أن الأعراف السائدة تسبب مشاكل نفسية للكثير من النساء في المدن. أما في الأرياف، فالأسباب الرئيسية هي الفقر والعنف الأسري، إضافة إلى الأعراف والتقاليد المتبعة.
وترى ياسمين أن هناك حاجة ملحّة للعمل، ولتكون الحكومة هي الرائدة في هذا المجال، وتلعب كل شريحة دورها، على غرار علماء الدين والآباء والأمهات وأساتذة الجامعات والمدارس وآخرين. وما لم يحدث هذا التدخل، يمكن أن تشهد البلاد ارتفاعاً في أعداد المنتحرات.
وما تقوله ياسمين يتوافق مع موقف الحكومة المحلية في إقليم السند جنوبي البلاد، التي أعلنت أخيراً تشكيل لجنة لمعرفة أسباب ارتفاع أعداد حوادث الانتحار في منطقة تهر باركر النائية في الإقليم، التي دائماً ما تتصدر وسائل الإعلام نتيجة للجفاف الحاد والفقر المدقع. ومع إعلان اللجنة، أكدت الحكومة أن الأمر (حوادث الانتحار) مؤسف للغاية، لكنه موجود، ولا بد من تقصي الحقائق ومعرفة الأسباب.
ويقول رئيس اللجنة، وهو عضو في مجلس الشيوخ الباكستاني كريم خواجة، لوسائل إعلامية محلية، إن معظم النساء اللواتي أقدمن على الانتحار في منطقة تهر باركر هنّ من الأقلية الهندوسية، عازياً الأسباب إلى الفقر والعنف الأسري والديون المتراكمة والعادات الاجتماعية. ويؤكد أن عمل اللجنة سيمتد إلى كل مناطق الإقليم بعد الانتهاء من منطقة تهر باركر، لأن ظاهرة انتحار النساء متفشية بشكل خطير. "نريد أن نضع آلية شاملة من أجل التعامل مع القضية، والوقوف في وجه تفشي هذه الظاهرة الخطيرة".
يشار إلى أن هيئة الاتصالات الباكستانية (بي تي ايه) أعلنت منع لعبة "بلاير أنونز باتل جراوندز" (بابجي) الشهيرة عبر الإنترنت بعد تسجيل تقارير عن حالات انتحار ومشاكل تتعلق بالصحة النفسية بين الشباب الصغار.