دخل الصليب الأحمر الدنماركي في جدال، قلما يحدث مع السياسيين المحليين، حول إصرار السلطات الدنماركية على إسكان طالبي اللجوء في خيام. ويأتي الإصرار خصوصاً من وزيرة الدمج، المتشددة في مواقفها، انغا ستويبرغ التي باتت تتجاوز حتى سياسات يمين الوسط الليبرالي الحاكم. تستغرب منظمة الصليب الأحمر هذا الأمر الذي يأتي بالرغم من الجو الإسكندنافي البارد جداً في هذه الفترة بالذات.
من جانبها، أشارت إدارة مخيم "تيستد" للاجئين، التابعة لوزارة الدمج، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الخيام تستوفي الشروط المطلوبة من كل النواحي الإنسانية، وهناك تحسن في الاهتمام الطبي لطالبي اللجوء". مع ذلك، يقول رئيس منظمة الصليب الأحمر أندرس لادركارل، في تعقيبه على الانتقادات التي باتت تبرز منذ أيام من المنظمات الدولية تجاه سياسة كوبنهاغن: "الآن بدأوا بالفعل باستخدام مخيم آخر في منطقة نسيتفد حيث نقل 37 طالب لجوء إلى تلك الخيام في جو صقيعي ومثلج، بالرغم من أننا قلنا إنّ هناك أماكن شاغرة في معسكرات الإيواء". وتقول المنظمة أيضاً إنّ لديها 200 مكان شاغر، لكنّ هناك إصراراً على نقل طالبي اللجوء إلى الخيام.
يؤكد لادركارل عدم وجود أي سبب لذلك الإصرار، بل يعتبره "إشارة سياسية ليس إلاّ، من دون حاجة ماسة أو ضاغطة لوضع الناس في تلك الخيام. وهذا أمر غير عادل مع طالبي اللجوء". ما يغضب رئيس منظمة الصليب الأحمر الدنماركي أيضاً أنّ تلك الأماكن الشاغرة "جرى تغطية تكاليفها".
ويعتبر بعض القاطنين في الخيام من اللاجئين الذين تتواصل "العربي الجديد" معهم أنّ ستويبرغ تعمل على إفراغ جيوب طالبي اللجوء من الأموال والحلي ليتحملوا بأنفسهم تكاليف إقامتهم في الخيام. كما أنّ ما تقوم به السلطات الدنماركية وبأوامر مباشرة من وزيرة الدمج ودعم كامل من حزب الشعب اليميني المتطرف من نصب للخيام في أراض تتبع لبعض الثكنات العسكرية المسيجة بسياج حديدي شبكي، هو في الواقع "أمر محبط"، بحسبهم. يقول طالب اللجوء مصطفى الذي يتحدث بالنيابة عن عدد من المقيمين في خيام محاطة الآن بالثلوج: "نشعر أنّنا في سجن مفتوح ومحاط بسياج، كأنّنا غير مرغوب بنا".
اقرأ أيضاً: شنغن في خطر.. مواجهة اللجوء تهدد الحدود المفتوحة
ترفض "دائرة الأجانب" المسؤولة عن قضايا اللجوء أيّ انتقادات موجهة من هؤلاء اللاجئين والمنظمات المحلية والدولية كالصليب الأحمر. وترد الدائرة على الصليب الأحمر بالذات: "لا يوجد في مراكز الإيواء العادية ما يكفي من طاقات لإيواء طالبي اللجوء. لذلك فإنّ الدائرة مضطرة إلى استخدام الخيام". وهو الأمر الذي يشدد عليه مدير مكتب الدائرة توماس مورتنسن.
وبالرغم من كل الانتقادات لسياساتها المتشددة، التي يقرأها المراقبون وخبراء الشأن الحزبي في الدنمارك على أنها استجابة لضغوط حزب "الشعب" المتطرف (وهو الحزب الثاني في البرلمان اليوم ويدعم حكومة أقلية يمين الوسط)، فإنّ الوزيرة ستويبرغ دائماً ما تجيب بشكل مباشر. وهو ما يجعلها وفق هؤلاء الخبراء صاحبة شعبية كبيرة اليوم.
في هذا الإطار، أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تقريراً ينتقد سياسة اللجوء التي تتبعها ستويبرغ خصوصاً لجهة سلب حلي اللاجئين وتأخير لمّ الشمل. فردّت ستويبرغ على الانتقادات بالقول: "نحن لا نعرف كم سيحضر من اللاجئين في الفترة المقبلة. وطالبو اللجوء السبعة والثلاثون الذين افتتحت الخيام بهم، هم المقدمة فقط. أنوي استخدام الأماكن الأخرى في مبان عادية مسقوفة، من أجل بعض العائلات الآتية. لكن ما الذي يمنع الرجال والشباب الذين ليس من بينهم أطفال من الإقامة في الخيام؟".
كذلك، تقول ستويبرغ: "أنا متمسكة بالخيام حتى النهاية. وبالمناسبة فإنّ جنودنا -جنود الجيش الدنماركي- يقيمون أيضاً في خيام شبيهة بالتي نصبناها للاجئين، عندما يرسلون في مهمات خارجية. الخيام الآن موجودة في معسكر تيستد. وهي نفسها التي كانت منصوبة على الحدود الباكستانية- الهندية حيث سماكة الثلوج 10 سنتيمترات. وكان يقيم فيها أطباء ومبعوثون من الأمم المتحدة".
من جهتهم، يقول منتقدو سياسة ستويبرغ بهذا الشأن بالذات: "هناك فرق كبير ما بين أن تكون مبعوثاً كجندي أو طبيب، أو أن تكون لاجئاً تطلب الحماية، فيقال لك: ستبقى في هذه الخيام حتى نقرر ما إذا كنت ستبقى عندنا أم سنرحّلك. وهذه العملية تأخذ زمناً طويلاً يفوق العام". وهي انتقادات يوجهها خصوصاً سياسيون ومسؤولون في حزب اللائحة الموحدة اليساري في البرلمان الدنماركي.
اقرأ أيضاً: مخيّمات الدنمارك.. "العربي الجديد" تنقل مأساة طالبي اللجوء