أكمل فْليكس فارس (1882- 1939) ترجمة "هكذا تكلّم زرادشت" وأنهى مقدمته في 20 أيلول/ سبتمبر 1938 في الإسكندرية. المدينة التي انتهى ترجماناً في بلديتها بعد حياة محمومة بالمعرفة والسفر وفكرة القومية، توزّعت مسارحها بلادُ الشام وتركيا وأميركا.
رحل بعد أقل من سنة (27 حزيران/ يونيو 1939)، وبعد قرابة أسبوعين وصل جثمانه إلى لبنان، حسب وصيته، ليدفن في قريته "المريجات"، ولتختتم رحلة نفس كبيرة عاشت في زمن ضيّق هو عصر الخروج من الهيمنة العثمانية إلى الاستعمار الأوروبي، عصر تأسيس التوق للفكرة العربية. جملته الشهيرة "ويل لأمّة لا ينبت فيها رأس إلاَّ وهو مشدود بناصيته إلى أذيال الغريب" يمكننا أن نستبدل الغريب بالغرب فيها دون مساس بالمعنى.
ترك فارس -إلى جانب حياته العاصفة كنهضوي عروبي حالم- قرابة 18 كتاباً بين موضوع ومترجم، بعضها بالفرنسية، وهي اللغة التي ترجم عبرها كتاب نيتشه، والذي إن لم يكن أول ترجمة عربية عن الفيلسوف الألماني؛ فهو بالتأكيد أول حضور كبير له في العربية وكل حضور لاحق مدينٌ لترجمة فارس.
سيشعر القارئ، في بعض صفحات مقدمة "هكذا تكلّم زرادشت" بشيء من الوعظ في ثنايا هذه المقدمة؛ في حين أنها -وبعد قراءة متبصّرة- نقد دقيق لفهم نيتشه أو لا فهمه للحضارة التي يمثّلها المترجم، وهو هنا محاوِر وندّ لا مجرّد ناقل.
في الصفحة الأخيرة، يكتب فارس: "للعالم الأوروبي تأويله ولنا تأويلنا، وللصحراء في بلاد العرب رموزها، فلندع للأزمان تأويلها، ولنكرر ما جاء في نشيد الجاحد الطامح إلى الخلود: "إن الصحراء تتّسع وتمتد فويلٌ لمن يطمح إلى الاستيلاء عليها".