أثار قرار قيادة جيش النظام السوري، الذي يخوض منذ أكثر من خمس سنوات حرب استنزاف مع فصائل المعارضة السورية، بإضافة فيلق خامس إلى تشكيله المكون أصلاً من أربعة فيالق عسكرية، تساؤلات حول المغزى من هذه الخطوة التي تأتي في الوقت الذي تعاني فيه المعارضة السورية من حالة انعدام وزن شبه كلي مع استمرار هجمات النظام السوري وروسيا على حلب، دون تمكن المعارضة من تحريك ساكن بانتظار انجلاء الضباب الذي يغطي حالياً مواقف الإدارة الأميركية الجديدة التي يعمل على تشكيلها الرئيس المنتخب، دونالد ترامب.
ويبدو أن قيادة نظام الرئيس بشار الأسد قررت أن تستفيد من هذه الظروف لتعيد تطبيق ما فعله نظام الرئيس حافظ الأسد مطلع سبعينيات القرن الماضي، وما فعله النظام الإيراني في نهاية السبعينيات، حين اتجه الاثنان لإنشاء تشكيلات عسكرية، تتبع نظريا للجيوش الوطنية، لكنها في الواقع تتمتع بتفوق عليها، بحيث تقود هذه التشكيلات الجيوش لخدمة النظام الحاكم وتحميه من أي محاولات جديّة لإسقاطه.
أطلق النظام السوري على الفيلق الجديد اسم "الفيلق الخامس – اقتحام". ويبدو أنه يراد منه أن يأخذ شكلاً من أشكال القوات الخاصة، التي تتسلح بأسلحة خفيفة وتتمرس بتكتيكات حروب الشوارع والمدن؛ تكتيكات تعد الأكثر إلحاحاً بالنسبة للنظام السوري، كون قواته تقاتل فصائل المعارضة في شوارع المدن والبلدات السورية.
ويبدو أن الأسد الابن قرر أن يعيد تكرار السيناريو الذي نفذه والده، إلى واقع السوريين مجدداً، حيث شكل الأسد الأب بعد توليه للسلطة في سورية عام 1971 ما عرف وقتها بـ"سرايا الدفاع"، وهي قوة شبه عسكرية قادها رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، لتحمي النظام السوري لمدة أربعة عشر عاماً، من خلال قمعها للانتفاضة الشعبية في عدة مدن سورية، على رأسها حلب ودوما، في نهاية سبعينيات القرن الماضي. كما نفذت مع فرق مدرعة بالجيش السوري حصار حلب عام 1980 قبل أن تقتحم المدينة وتنفذ بها عدة مجازر. وقمعت سرايا الدفاع بعدها بعامين انتفاضة "الإخوان المسلمين" في حماة، ونفذ قائدها رفعت الأسد مجزرة سجن تدمر الشهيرة، قبل أن يتم حلها ودمج تشكيلاتها في الجيش السوري باسم الفرقة الرابعة التي يقودها حالياً شقيق الأسد الابن ماهر الأسد.
وعلى غرار "سرايا الدفاع"، أسست إيران في نهاية السبعينات ما بات يعرف بحرس الثورة الإسلامية، أو الحرس الثوري الإيراني، ليكون التشكيل الأكثر ولاء للنظام الحاكم في طهران، بين التشكيلات المسلحة الإيرانية. ونجح هذا التشكيل في لعب دور ريادي بالتصدي للجيش العراقي الذي توغلت قواته داخل الأراضي الإيرانية إبان الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. قبل أن تنجح قوات التعبئة العامة المعروفة باسم "الباسيج"، وهي التي تنضوي داخل الحرس الثوري، بقمع ما عرف باسم الثورة الخضراء في إيران عام 2009، والتي شهدت نزول مئات آلاف الايرانيين إلى الشوارع للاحتجاج على ما وصفوه بتزوير الانتخابات الرئاسية لصالح محمود أحمدي نجاد الذي كان مرشح المرشد الأعلى، في مقابل مرشح التيار الإصلاحي، مير حسين موسوي، الذي نزل الإيرانيون للشوارع للمطالبة بإعلان فوزه بالانتخابات.
وأعلن جيش النظام السوري، عبر بيان نقلته وكالة سانا الرسمية السورية التي يديرها النظام، عن "فتح باب التطوع لمن يرغب" في الفيلق الجديد، وبشروط بسيطة، أهمها أن يكون الراغب بالتطوع ذكراً وغير مكلف بخدمة إلزامية في الجيش السوري أو فاراً من الخدمة، وأن يكون بلغ الثامنة عشرة من عمره ولائقاً صحياً.
ويرجح ألا يكون عدد المتطوعين من الأفراد قليلاً، خصوصا مع المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر إعلامية مقربة من النظام والتي تفيد بأن رواتب المتطوعين ستناهز عشرة أضعاف رواتب المجندين العاديين في الجيش السوري، حيث سيعادل راتب المجند المتطوع نحو 160 ألف ليرة سورية، أي ما يساوي 300 دولار أميركي، بالإضافة لاحتفاظه براتبه في حال كان موظفاً بالدولة، خصوصاً مع استمرار حالة الشلل التي يعاني منها المجتمع السوري على جميع الصعد الاقتصادية والاجتماعية في مقابل استمرار المواجهات المسلحة وتصاعدها.
ولن يقتصر الانضمام للتشكيل الجديد على المتطوعين الأفراد، بل سيشمل، بلا شك، انضمام مليشيات بأكملها إليه، ذلك أن النظام السوري أسس خلال السنوات الخمس الماضية، وتحت ضغط جر المعارضة الجيش السوري لحرب شوارع تتفوق بها، عدة مليشيات تشبه في تشكيلها وتسليحها قوات فصائل المعارضة والتنظيمات المتطرفة، وذلك لتكون هذه المليشيات السورية التابعة للنظام سنداً للجيش السوري في قتال فصائل المعارضة والمتطرفين، قبل أن تتحول إلى رأس حربة النظام في مواجهة أعدائه مع الاستنزاف الكبير الذي تعرض له الجيش السوري.
وكانت قيادة النظام السوري قد كلفت ضباطاً كبار في الجيش وأجهزة الاستخبارات العسكرية، منذ مطلع عام 2012، بتشكيل مليشيات من مزيج يجمع متطوعين موالين بشدة للنظام مع عناصر عسكرية من القوات الخاصة والحرس الجمهوري وأجهزة الاستخبارات الأكثر ولاء للنظام ليناط بهم تدريب المتطوعين.
وكانت مليشيا "قوات النمر"، التي يقودها العقيد سهيل الحسن، أشهر مليشيات النظام السوري المحلية التي عرفت بكفاءتها القتالية العالية ضد فصائل المعارضة السورية. وعلى هذا الأساس، بات الحسن أشهر ضباط الجيش السوري، وهو في الأصل ضابط في فرع الاستخبارات الجوية بدمشق ويتحدّر من قرية بيت عانة، في ريف مدينة جبلة، في الساحل السوري، وقد تم تكليفه في صيف 2013 بتشكيل مليشيا موالية بشدة للنظام، كي يتم الاعتماد عليها في استعادة أي منطقة تسيطر عليها قوات النظام. وبالفعل، قام الحسن باختيار نحو 500 عسكري وضابط من مختلف تشكيلات جيش النظام السوري من الموالين بشدة للنظام، وجمعهم في مليشيا خاصة به، بعدما حصل على تفويض بالحصول على الأسلحة والذخائر التي يريدها من قيادة النظام، مع الإيعاز لسلاح الجو باتباع أوامره حين يخوض عمليات عسكرية، لتحرز المليشيا التابعة له انتصارات عسكرية كبيرة، ويذيع صيتها وتتوسع بشكل كبير.
أمر مماثل قام به العميد عصام زهر الدين، الذي يتحدر من محافظة السويداء، والذي شكل مليشيا باسم "نافذ أسد الله"، قاتلت طويلاً كرأس حربة لقوات النظام في مدينة دير الزور ضد قوات المعارضة السورية، ومن ثم ضد قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وعلى هذا الأساس، يمكن ترجيح سيناريو تحول "الفيلق الخامس ــ اقتحام" الذي أعلن النظام عن تشكيله، إلى تشكيل عسكري موازي للجيش السوري، وليس تابعاً له كما يفترض، بحيث يضم عشرات المليشيات المحلية التي شُكلت خلال السنوات الأخيرة، لينطبع هذا التشكيل الجديد بطابع تشكيلات مماثلة في دول حليفة لنظام بشار الأسد، كحال تشكيل "الحشد الشعبي" في العراق وتشكيل الحرس الثوري الإيراني؛ وهما تشكيلان يتمتعان باستقلال عن الجيوش الوطنية في كل من العراق وإيران.
وتدعم هذا السيناريو حقيقة أن جيش النظام السوري تعرض لاستنزاف كبير. ويتكون هذا الجيش في الأصل من أربعة فيالق وثماني فرق مدرعة، وثلاث فرق مؤللة (منقولة على آليات)، وأربعة ألوية مشاة مستقلة، وثلاث فرق قوات خاصة مدرعة، وفرقة حرس جمهوري، وعدد كبير من الألوية والكتائب المدفعية والصاروخية والدفاع الجوي والبحري المستقلة، بالإضافة لعشرات الكليات والمدارس العسكرية. غير أن الكثير من كتائبه وألويته العسكرية باتت موجودة فقط على الورق؛ ذلك أن النظام السوري لم يلغ أياً منها، إلا أن بعضها ألغي من الوجود بشكل كلي عبر سيطرة قوات المعارضة او تنظيم "داعش" عليها.
إذ خسر الجيش السوري فرقة عسكرية كاملة هي الفرقة السابعة عشرة، والتي كانت تتمركز شمال الرقة. وسيطر عليها "داعش" صيف العام الماضي. كما خسر بشكل متزامن اللواء 93، وهو لواء مدرعات كان يتمركز في ريف الرقة. بالإضافة إلى ذلك، خسر الجيش السوري عدداً كبيراً من الألوية العسكرية التابعة له؛ فمن اللواء 80 بريف حلب، الذي سيطرت عليه قوات المعارضة قبل أكثر من عامين، إلى اللواء 82 قرب مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا، مروراً باللواء 122 قرب مدينة الضمير بريف دمشق واللواء 34 واللواء 49 بريف درعا وغيرها. وتتنوع هذه الألوية التي تمكنت قوات المعارضة من القضاء عليها بين ألوية المدرعات والدفاع الجوي والمشاة.