نظام السيسي يعلن حالة طوارئ قصوى للتصدي لدعوات التظاهر

20 سبتمبر 2019
يعود النظام لتشديد الخناق الأمني في الشوارع(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تسيطر حالةً من الرعب على دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأجهزة السيادية والأمنية، خوفاً من استجابة واسعة لدعوات التظاهر اليوم الجمعة ضد النظام الحاكم، ينبئ بها التفاعل الواسع مع مقاطع الفيديو الأخيرة التي نشرها المقاول والممثل محمد علي، والمشاركة القياسية في وسم (هاشتاغ) #كفاية_بقى_ياسيسي، فضلاً عن إطلاق العشرات من النشطاء، ومنهم من يزعمون أنهم كانوا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، مقاطع فيديو تضامنية مع محمد علي ودعوته.

وكان الوسم المذكور قد بلغ هذا الأسبوع أكثر من مليون و400 ألف مشاركة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فقط، قبل أن يختفي، وسط اتهامات من النشطاء لإدارة الموقع بالتواطؤ مع السيسي. ورصدت "العربي الجديد" كذلك ظهور العديد من دعوات التظاهر داخل مجموعات مغلقة على موقع التواصل "فيسبوك" تضم نشطاء من خلفيات سياسية واجتماعية وشرائح عمرية مختلفة، لا سيما بعد الظهور الاستثنائي لوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، وبدء عقده سلسلة من اللقاءات بمختلف أفرع وتشكيلات ووحدات القوات المسلحة، بعد أيام من اندلاع حالة من التململ والغضب واللغط في صفوف الجيش.

 

وتعددت تفسيرات لقاءات زكي، بين أنه محاولة من السيسي لاحتواء هذا الغضب المتنامي في صفوف الجيش بالتوازي مع تشكيل لجان تحقيق داخلية بقرار من وزير الدفاع لمراجعة موقف بعض المشاريع وتجاوزات الضباط والمجندين المشرفين عليها، وكذلك مراجعة ملفات المقاولين المتعاقدين مع الهيئة الهندسية للجيش، ومجموعة من القادة السابقين الذين يملكون مع أبنائهم شركات تتعامل مع القوات المسلحة، وبين تفسير آخر أكثر تفاؤلاً، مفاده أن قيادة الجيش بدأت في التحرك بشكل مستقل عن توجهات السيسي.

على الأرض، بدأت دوريات مكثفة للأمن المركزي تجوب شوارع القاهرة والجيزة والقليوبية منذ مساء أول من أمس الأربعاء، تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" عن صدور تعليمات من وزير الداخلية لقيادات الوزارة في مختلف المحافظات والأمن العام والأمن الوطني والمرور والخدمات، بتشديد الخناق على المواطنين خلال الفترة المقبلة، والحرص على "إشعارهم بالتواجد الكثيف والثقيل لقوات الأمن في كل أنحاء الجمهورية بهدف التخويف من القيام بأي تحركات أو فعاليات معارضة للسيسي".

ولاحظ المواطنون تكثيف دوريات التفتيش الأمني في المناطق الحيوية بالمراكز والمدن الكبرى، وزيادة عدد الكمائن المرورية للتضييق على مستقلي السيارات الملاكي والأجرة وتفتيش السيارات من دون مبررات بغية إرهاب المواطنين وإشعارهم بأنهم تحت الرقابة دائماً. إلى ذلك، رصد شنّ حملات أمنية لاعتقال وتصفية عدد من العناصر التي تصفها الشرطة بأنها "تنتمي لجماعة الإخوان الإرهابية"، كما حدث خلال اليومين الماضيين في مدينتي العبور و15 مايو وضاحيتي عين شمس والمطرية، وهي خطوة فسرها مراقبون بأنها مقصودة، وغير مرتبطة بأي تخطيط لعمل إرهابي أو خطر داهم، بل فقط برغبة الشرطة في تخويف الأهالي في تلك المناطق تحديداً وإثبات سيطرتها أمام الرأي العام.

وقالت مصادر شرطية في الأمن العام، إن على رأس المناطق التي تم تكثيف التواجد الأمني بها منذ صباح أمس الخميس، جزيرة الوراق ومنطقة عين الصيرة ونزلة السمان، والتي شهدت خلال الشهور الماضية اضطرابات أهلية بسبب غضب المواطنين البسطاء من مساعي الحكومة لانتزاع أراض مملوكة أو مشغولة بالمساكن بحجة تطوير تلك المناطق وإعادة تخطيطها. ولا يزال بعض أهالي تلك المناطق الثلاث مقبوضا عليهم على ذمة قضايا شغب وتحريض، وآخرهم أكثر من 15 شاباً من عين الصيرة كانوا على رأس المعارضين لقرار هدم مقابر عين الصيرة وإزالة بعض المحال والمنازل بحجة التطوير، وذلك باعتبار أن تلك المناطق بها مبررات موضوعية تكفي للإسراع في تلبية دعوة التظاهر اليوم.

وأضافت المصادر أنه تم تسيير حملة أمنية أيضاً لضبط الإشغالات السكنية المخالفة من دون عقود إيجارية في منطقة وسط البلد ومحيط ميدان التحرير، منذ مساء أول من أمس، لتخويف الشباب والنشطاء السياسيين، فضلاً عن نشر عربات الأمن المركزي والتدخل السريع في الميدان لمنع أي تجمعات منذ صباح أمس، مرجحة أن يتم نشر عدد كثيف من المجندين منذ صباح اليوم في الشوارع المؤدية للميدان.

كما أعلنت وزارة الداخلية عن إغلاق مؤقت يومي الجمعة والسبت على مدى الأسابيع الأربعة المقبلة لعدد من أنفاق مصر الجديدة القريبة من قصر الاتحادية الرئاسي بحجة البدء في ترميمها. وفسرت المصادر هذا القرار بأنه يأتي في إطار السيطرة على محيط القصر وتقليص مساحات التحرك حوله، وكذلك في منطقة الخليفة المأمون التي تقع بها الأمانة العامة لوزارة الدفاع وقيادة الشرطة العسكرية والحرس الجمهوري.

وكشفت المصادر أن جهاز الأمن الوطني يستمر في استدعاء واحتجاز عدد من الشباب في العاصمة ومحافظات مختلفة بسبب مشاركتهم مقاطع فيديو محمد علي ومقاطع أخرى، مشيرة إلى أن بعض الأشخاص المقبوض عليهم لن يحالوا إلى نيابة أمن الدولة إلا بعد انتهاء اليوم وغداً "بسلام"، ليضموا إلى القضية المتهم فيها الناشط اليساري الشهير كمال خليل، أو تفتح لهم قضايا جديدة.

بالتوازي مع هذه التدابير الأمنية، كثّفت دائرة السيسي وإدارة جهاز الاستخبارات استعانتها بوسائل إعلامها والفنانين والشخصيات العامة لنشر مواد تسيء لمحمد علي وجماعة "الإخوان" ووائل غنيم وشخصيات معارضة أخرى. كما جرى تخصيص مساحات إذاعية كبيرة للأغاني الوطنية المطعمة بعبارات من خطابات السيسي السابقة عن أهمية تضامن الشعب والجيش، ما يعكس توتراً غير مسبوق لم ينتب النظام حتى في خضم أزمة الغضب الشعبي ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وعند تعويم الجنيه وزيادة أسعار الطاقة.

وأرجعت مصادر الأمن العام هذا القلق إلى الانتشار الكثيف المليوني لمقاطع الفيديو ودعوات التظاهر ورفع سقف الهجوم على النظام ليشمل السيسي وزوجته وأبناءه، وظهور الرئيس المصري المتوتر وغير الموفق في مؤتمر الشباب الأخير، واعترافه بمعظم ما قاله محمد علي، وتأكيده على حقّه في إنشاء قصور رئاسية عديدة بمساحات شاسعة وبمليارات الجنيهات في ظل تفاقم فقر المصريين، ما أشعر الفقراء بالتهميش وصعّب مهمة اللجان الإلكترونية التابعة للنظام في الدفاع عنه وتبرير منطقه.

لكن هذه التدابير الاستثنائية لمنع تطور الغضب الشعبي ليس من المقرر لها حتى الآن أن تمنع السيسي من مغادرة مصر متوجهاً إلى نيويورك، غداً السبت، للمشاركة في أعمال الاجتماعات رفيعة المستوى للدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتبدأ جلسات الشقّ رفيع المستوى للجمعية العامة الثلاثاء المقبل، وسيكون السيسي من الرؤساء الذين سيلقون بيانات بلدانهم خلال الجلسة الأولى، علماً بأنه من المقرر أيضاً أن يشارك الشهر المقبل في أعمال القمة الروسية الأفريقية في منتجع سوتشي، حيث سيلتقي على هامشها في لقاء رسمي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يُذكر أن السيسي خصّص جزءاً كبيراً من حديثه الأخير في مؤتمر الشباب الثامن، السبت الماضي، لرد الاعتبار للمؤسسة العسكرية، بعدما لحق بها من سخرية وانتقادات واتهامات على خلفية مقاطع فيديو محمد علي. وركزّ الرئيس المصري على الإشادة بالجيش والحديث المتكرر عن "أفضاله على مصر" وكونه "المحور الرئيس للتنمية وتنفيذ سياساته" ووصفه بأنه "مؤسسة مغلقة ويجب الحفاظ على خصوصيتها" وأنه "لا يسمح إنه يكون في حدّ مش كويس ويستمر".