31 اغسطس 2018
نظرية المؤامرة والنظام الدولي
بشير الكبيسي (العراق)
يجنح كثيرون في وطننا العربي إلى تحليل الأحداث القائمة في المنطقة بطريقةٍ بسيطة، ساذجة، وتافهة، حتى يفهمها "العامة" على حدِّ قولهم.
على سبيل المثال، شهدت المنطقة منذ معاهدة سايكس بيكو أحداثاً مفصلية كثيرة، غيّرت وطننا العربي رأساً على عقب، وكلّ مَنْ يُريد تحليل ما يحدث، يضع "نظرية المؤامرة" الغربية أساساً لحديثه، فهي المحرّك الذي يتحكم بكلِّ مفاصل التغيير والتخطيط.
لكن، يتضح لي أنّ حجة المفلسين هي التمسّك بنظرية المؤامرة الكونية على العرب والمسلمين، لجهلهم ولعدم سعة معارفهم ومداركهم وثقافتهم وفكرهم، فالمفلسون دائماً يجنحون إلى تفسير الأحداث على قدر ما يمتلكون من مخزونٍ معرفيٍّ وثقافيّ وفكري، لذلك كلّ ما يُذكر عن تلك المؤامرة عارٍ عن الصحة والمنطق.
النظام الدولي قائمٌ على علمٍ له نظريات ومنهج واضح، خصوصا بعد معاهدة وستفاليا، لا يخفى على المتبصرين الذين يلهثون وراء المنطق، تاركين وراءهم خزعبلات القبيلة، وحكايات الأجداد، التي يدأب كثيرون في أحاديثهم الاعتماد عليها!
مَنْ يسمع أحاديث مَنْ يطبلون لنظرية المؤامرة، سيعتقد للوهلة الأولى أنّ ما يجري في المنطقة سرٌّ خفيّ، لا يعرفه أحد، وهذا الطرح مناقض للحقيقة، على الرغم من أنّهم (أيّ المطبلين) لا يعرفون "الطبخة"، ولكن هذا لا يعني أنّ الجميع جاهلٌ بما يدور حول العالم، والمنطقة خصوصا.
أهملنا العلوم والمعارف، لأنهما ديدن الدنيويين كما يعتقد المتدينون، وانشغلنا بالعمل للآخرة لأنّها المصير الحتمي لكلِّ إنسان كما يعتقد المتدينون أيضاً، فأصبحنا شعوباً ودولاً تعيش على الهامش، لا تشارك بالإنجاز الحضاري بشيء، سوى بالإدعاء والاتهام. فبما أنّنا قرّرنا أن نكون أناساً آخرين، لماذا نلوم الدنيويين على تفوقهم وسيطرتهم على هذا العالم؟ ونصف ذلك بالمؤامرة.
في القرن الواحد والعشرين، وبعد أن ترسخ النظام الرأسمالي والعولمي جيداً بقيادة دول العالم الأول، وتحت "الإمبريالية" الأميركية، يوجد هناك حضارة واحدة هي المسيطرة على النظام الدولي، ومِن حقها التوسع و"الاستعمار"، بما أنّ قانون الطبيعة ينص على أنّ البقاء للأقوى، وبما أنّ قانون الطبيعة في القرن والواحد والعشرين يمتلكه مَنْ يمتلك العلم والتكنولوجيا.
من الأدوات العلمية التي يجب أن نفسّر فيها طبيعة عمل النظام الدولي، والأحداث والأزمات والحروب والتغيّرات، هو علم الجغرافية الحديثة، أو الجغرافية السياسية، ويعتبر رائد هذا العلم الألماني فريديرك راتزل الذي ألف كتاباً مؤسّساً لهذا العلم سمّاه: الجغرافية السياسية.
في علم الجغرافية السياسية، هناك دول مركزية (اهتمت بالعلم والمعرفة والثقافة والفكر) تقود النظام الدولي، ولها الحق باستخدام القوة لاستعادة زمام السيطرة على كلّ مَنْ يخرج عن الطاعة من الدول الأقل شأناً. وحتى على مستوى الأقاليم الجغرافية، هناك دول مركزية أيضاً (تابعة للدول المركزية الدولية أو للولايات المتحدة الأميركية قائدة السفينة) تفرض سيطرتها على الدول الأقل شأناً منها، وهكذا دواليك.
السؤال الذي لا بدّ أن يُطرح هنا: أين يقف العرب من هذا النظام الهرمي؟ يجيب المنطق بأنّهم واقفون على الهامش، بل إنّهم سلّموا مركزية الإقليم إلى دولٍ مثل إيران وتركيا، واكتفوا بالتفرّج والإدّعاء والاتهام والانقسام.
إذن، لا يوجد هناك معنى لمن يقول إنّ هناك مؤامرةً كونية تُحاك ضدّ العرب والمسلمين، بل الأوْلى القول إنّ العرب والمسلمين متآمرون ضدّ أنفسهم، فما يجري في المنطقة أمرٌ حتمي، لأنّنا أصحبنا مجتمعات مغرية للدول المركزية الرأسمالية، مجتمعات مستهلكة، لما يتم إنتاجه في العالم الأول.
المطلوب في هذه المرحلة ليس الانقلاب على المعطيات المفروضة علينا، في وقتٍ يبدو أنّ القطار قد فاتنا، بل التخلّي عن التفسيرات الواهية، والنظر بمصالحنا الحيوية، واستعادة الدور المركزي للإقليم، وهذا أمرٌ لن يكون مستحيلاً نظراً للأدوات التي نمتلكها.
على سبيل المثال، شهدت المنطقة منذ معاهدة سايكس بيكو أحداثاً مفصلية كثيرة، غيّرت وطننا العربي رأساً على عقب، وكلّ مَنْ يُريد تحليل ما يحدث، يضع "نظرية المؤامرة" الغربية أساساً لحديثه، فهي المحرّك الذي يتحكم بكلِّ مفاصل التغيير والتخطيط.
لكن، يتضح لي أنّ حجة المفلسين هي التمسّك بنظرية المؤامرة الكونية على العرب والمسلمين، لجهلهم ولعدم سعة معارفهم ومداركهم وثقافتهم وفكرهم، فالمفلسون دائماً يجنحون إلى تفسير الأحداث على قدر ما يمتلكون من مخزونٍ معرفيٍّ وثقافيّ وفكري، لذلك كلّ ما يُذكر عن تلك المؤامرة عارٍ عن الصحة والمنطق.
النظام الدولي قائمٌ على علمٍ له نظريات ومنهج واضح، خصوصا بعد معاهدة وستفاليا، لا يخفى على المتبصرين الذين يلهثون وراء المنطق، تاركين وراءهم خزعبلات القبيلة، وحكايات الأجداد، التي يدأب كثيرون في أحاديثهم الاعتماد عليها!
مَنْ يسمع أحاديث مَنْ يطبلون لنظرية المؤامرة، سيعتقد للوهلة الأولى أنّ ما يجري في المنطقة سرٌّ خفيّ، لا يعرفه أحد، وهذا الطرح مناقض للحقيقة، على الرغم من أنّهم (أيّ المطبلين) لا يعرفون "الطبخة"، ولكن هذا لا يعني أنّ الجميع جاهلٌ بما يدور حول العالم، والمنطقة خصوصا.
أهملنا العلوم والمعارف، لأنهما ديدن الدنيويين كما يعتقد المتدينون، وانشغلنا بالعمل للآخرة لأنّها المصير الحتمي لكلِّ إنسان كما يعتقد المتدينون أيضاً، فأصبحنا شعوباً ودولاً تعيش على الهامش، لا تشارك بالإنجاز الحضاري بشيء، سوى بالإدعاء والاتهام. فبما أنّنا قرّرنا أن نكون أناساً آخرين، لماذا نلوم الدنيويين على تفوقهم وسيطرتهم على هذا العالم؟ ونصف ذلك بالمؤامرة.
في القرن الواحد والعشرين، وبعد أن ترسخ النظام الرأسمالي والعولمي جيداً بقيادة دول العالم الأول، وتحت "الإمبريالية" الأميركية، يوجد هناك حضارة واحدة هي المسيطرة على النظام الدولي، ومِن حقها التوسع و"الاستعمار"، بما أنّ قانون الطبيعة ينص على أنّ البقاء للأقوى، وبما أنّ قانون الطبيعة في القرن والواحد والعشرين يمتلكه مَنْ يمتلك العلم والتكنولوجيا.
من الأدوات العلمية التي يجب أن نفسّر فيها طبيعة عمل النظام الدولي، والأحداث والأزمات والحروب والتغيّرات، هو علم الجغرافية الحديثة، أو الجغرافية السياسية، ويعتبر رائد هذا العلم الألماني فريديرك راتزل الذي ألف كتاباً مؤسّساً لهذا العلم سمّاه: الجغرافية السياسية.
في علم الجغرافية السياسية، هناك دول مركزية (اهتمت بالعلم والمعرفة والثقافة والفكر) تقود النظام الدولي، ولها الحق باستخدام القوة لاستعادة زمام السيطرة على كلّ مَنْ يخرج عن الطاعة من الدول الأقل شأناً. وحتى على مستوى الأقاليم الجغرافية، هناك دول مركزية أيضاً (تابعة للدول المركزية الدولية أو للولايات المتحدة الأميركية قائدة السفينة) تفرض سيطرتها على الدول الأقل شأناً منها، وهكذا دواليك.
السؤال الذي لا بدّ أن يُطرح هنا: أين يقف العرب من هذا النظام الهرمي؟ يجيب المنطق بأنّهم واقفون على الهامش، بل إنّهم سلّموا مركزية الإقليم إلى دولٍ مثل إيران وتركيا، واكتفوا بالتفرّج والإدّعاء والاتهام والانقسام.
إذن، لا يوجد هناك معنى لمن يقول إنّ هناك مؤامرةً كونية تُحاك ضدّ العرب والمسلمين، بل الأوْلى القول إنّ العرب والمسلمين متآمرون ضدّ أنفسهم، فما يجري في المنطقة أمرٌ حتمي، لأنّنا أصحبنا مجتمعات مغرية للدول المركزية الرأسمالية، مجتمعات مستهلكة، لما يتم إنتاجه في العالم الأول.
المطلوب في هذه المرحلة ليس الانقلاب على المعطيات المفروضة علينا، في وقتٍ يبدو أنّ القطار قد فاتنا، بل التخلّي عن التفسيرات الواهية، والنظر بمصالحنا الحيوية، واستعادة الدور المركزي للإقليم، وهذا أمرٌ لن يكون مستحيلاً نظراً للأدوات التي نمتلكها.