نفاق سياسي عند السلفيين

21 مايو 2014

سلفيون أردنيون يتظاهرون في عمان (مارس 2011، Getty)

+ الخط -
تطرح الممارسة السياسية عند السلفيين سؤالاً جوهرياً حول تصورهم للعمل السياسي؟ إذ كيف يمكن الثقة في اقتناع أصحاب المنهج السلفي بقواعد العمل السياسي، وإيمانهم بها، فيما ينظر منهجهم إلى العمل السياسي باعتباره أكبر مفسدة لما تلزمهم به النصوص الشرعية، وتوجبه عليهم القواعد الإيمانية؟ فالديمقراطية تبقى مجرد بدعةٍ غربيةٍ لفرض حكم الأغلبية بدلاً من حكم الشرع، والدستور وثيقة وضعية، تقر بأن السيادة للشعب، فيما يحسم المنهج السلفي بأن السيادة لله، وحده دون غيره، والتعددية الحزبية قد تفتح الباب لنشر أفكار العلمانيين واليساريين. وفي كلمة واحدة، كان السلفيون، من دون استثناء، يحرّمون العمل السياسي، ومنهم من يذهب إلى حد تكفير من ينخرط فيه.

لكن هذه المواقف ستتغير، والصورة ستنقلب إلى ضدها، فالديمقراطية التي كانت تعتبر كفراَ أصبحت وسيلة مباحة لفرض شرع الله من الداخل، والأحزاب التي كان الانتماء إليها حراماً، وخروجاً عن ولي الأمر، أصبح وجودها حلالاً طيباً، والانتخابات التي كانت مفاسدها أكبر من مصالحها تحولت إلى جهاد في سبيل الله!
هذا التقلب المفاجئ في المواقف السلفية لم يأت نتيجة نقاش عميق، أدى إلى مراجعة الأفكار، وإعادة النظر في القناعات، ولم يحدث بسبب التطور الذاتي لمنطق العقل السلفي، وإنما فرضته لحظة سياسية قوية، تمثلت في "الربيع العربي" الذي خلخل قناعاتٍ كثيرة، وأدى إلى إعادة النظر في مسلماتٍ كثيرة، ليس فقط عند السلفيين، وإنما في منهج العمل السياسي وأسلوبه عند كل فاعل سياسي، أو متأثر بهذا الفعل.
وهكذا، سنرى كيف سيغير السلفيون، في خطوة مفاجئة، جلدهم، مع هبوب رياح هذا الربيع، عندما انخرطوا في أكثر من دولة عربية في العمل السياسي. فشكلوا أحزابهم السياسية، بعد سنوات من تحريم الحزبية، وانخرطوا في اللعبة السياسية بالمشاركة في الانتخابات، والدخول في تحالفات، وتقديم تنازلات والقبول بتوافقات.

في الحالتين، قبل "الربيع العربي" وبعده، كان السلفيون، بمختلف أطيافهم، على الرغم من أنهم يعتمدون منهجاً واحداً يدّعي أنه يتبع نهج السلف الصالح يبررون تقلبات مواقفهم السياسية باسم الدين. ولن نتحدث، هنا، عن شيء اسمه "السلفية الجهادية"، كحالة تطرف وضعت نفسها خارج سياق تنظيم المدينة، لأن شيوخها وأتباعها يعتمدون "العنف"، أو "الجهاد"، حسب تعبيرهم، منهجاً "شرعياً" للتغيير.
وحتى قبيل قيام ثورات "الربيع العربي"، كان أغلب شيوخ السلفية يقفون إلى جانب الحكام الطغاة، يزينون لهم ظلمهم، ويبررون لهم طغيانهم، وفي أكثر الحالات شجاعةً، يصمتون عن استنكار جبروتهم. فالسلفيون، بمختلف تياراتهم السلفية، الـتاريخية والوهابية والإصلاحية والتأصيلية، لم يكونوا يفتحون أفواههم، إلا لمبايعة السلطان، أو الدعاء له، أو توسل إكرامياته. وفي أوج ثورات الشعوب، خرج بعض شيوخ هذه السلفيات بفتاوى تحرّم الخروج عن أولى الأمر، وتعتبر التظاهر والاحتجاج من أسباب الفتن والشرور العظيمة.
لكن الشيوخ أنفسهم الذين أفتوا بتحريم التظاهر والاحتجاج، وبعد أن رأوا العروش تهتز تحت جالسيها، تخلوا بقدرة قادر عن فتاويهم التي كانت تكفر الخروج عن طاعة ولي الأمر، ولو كان طاغية مستبداً، وأنتجوا فتاوى جديدة، تبرر التظاهر والاحتجاج، وركبوا مع منافقين كثيرين موجات الثورات يزايدون على الثوار، ونصبوا أنفسهم منافحين عن الثورات باسم الدين، وهم الذين أفتوا بتحريمها، وتجريم من يشارك فيها!
ورأينا السلفيين الذين كانوا يحرمون المشاركة في الانتخابات ينخرطون في ما وصفوها بـ "غزوة الصناديق"، ويؤذنون داخل البرلمانات التي كانوا يقاطعونها، بحجة أنها تشرّع لما هو مخالف للشرع، يعارضون باسم الدين، ويتوافقون باسم السياسة، ويتنازلون سعياً وراء المصالح.
وما إن انقلبت الدوائر مرة أخرى، حتى أخذتهم الرجفة، فانقلبوا على أعقابهم، ونصّبوا العجل، وعاودوا إلى ما كانوا عليه من مدح للسلطان والتزلف له، والتنافس في النفاق والتملق له، وإمامة الصلاة به. يتاجرون باسم الدين، ويقايضون باسم الشريعة. فماذا نسمي مثل هذا التقلب؟
لكن، ماذا كنا ننتظر من أصحاب منهجٍ، يقوم على منطق يقدم النص على العقل، منهج أقفل باب الاجتهاد، ورمى مفاتيحه في حفرة عمقها أربعة عشر قرناً ويزيد؟  
 
 

 
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).