17 نوفمبر 2024
نهاية دولة كردستان العراق
كان مفاجئاً إصرار رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، على عدم إرجاء الاستفتاء الذي جرى في 25 من سبتمبر/ أيلول الماضي على استقلال الإقليم، نظراً لحجم المعارضة التي ووجه بها من أنظمة الدول الإقليمية المحيطة به، وخصوصا نظام الملالي الإيراني، فضلاً عن عدم موافقة القوى الدولية على موعده، وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية التي ظن حكام الإقليم أنها تشكل حليفهم الإستراتيجي القوي، وراعية طموحاتهم، لكن الأكثر غرابة ومفاجأة سهولة سيطرة مليشيات الحشد الشعبي الطائفية وقوّات حكومة بغداد على مدينة كركوك وحقول نفطها، ثم تقدّمها إلى سنجار وسد الموصل ومناطق أخرى ضمن إقليم كردستان، الأمر الذي ينمّ عن صفقةٍ مريبةٍ، عقدت بين عدة أطراف عراقية وقوى سياسية في الإقليم، وخصوصا قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، برعاية الإرهابي قاسم سليماني ممثل نظام الملالي الإيراني، وبالتالي يطرح السؤال عن مشهد تراجيدي جديد لنهاية أخرى لممكنات تحقيق دولةٍ كردية، وعن الكيفية التي تمّ فيها التلاعب بالحلم الكردي القديم/ الجديد بإقامة دولة قومية، وعن مدى حكام الإقليم استغلال هذا الحلم لأغراض سياسية، وخصوصا من رئيس الإقليم المنتهية ولايته، مسعود البارزاني.
ويعرف القاصي والداني أن إقليم كردستان العراق كان يشكل دولة بحكم الأمر الواقع، لكنها غير معلنة، في شمالي العراق، وتمدّدت رقعته الجغرافية بالقوة، من خلال السيطرة على مساحات إضافيةٍ لتصل إلى المعابر الحدودية مع كل من إيران وتركيا وسورية، بعد مشاركة قوات البيشمركة في الحرب على "داعش"، لتبلغ مساحته الجغرافية أكثر من 70 ألف كلم2، أي أكثر من 18% من المساحة الكلية للعراق، وكان يضم محافظات أربيل والسليمانية وكركوك ودهوك، والأهم هو سيطرته على حقول نفط كركوك التي تنتج أكثر من 250 ألف برميل نفط يومياً.
وكان البارزاني يُستقبل، في زياراته الخارجية، وكأنه رئيس دولة، وبنى تفاهمات اقتصادية
مهمة مع تركيا، واستقبله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مراتٍ، فضلاً عن علاقاته العسكرية والسياسية مع التحالف الدولي ضد "داعش"، لكن المستغرب أنه أقدم على خطوة الاستفتاء على استقلال الإقليم من دون حصوله على موافقة أي دولة صديقة له. وقد نصحته الإدارة الأميركية بتأجيل موعد الاستفتاء، بحجة توحيد الجهود العسكرية في الحرب على "داعش"، ولم يتوقع أن يثير الاستفتاء حفيظة دول الجوار إلى هذه الدرجة من الرفض والوحدة في مواجهة إرهاصاته، على الرغم من كل ما كان يقال عن خبرة البارزاني وحنكته السياسية، ذلك أن ما أعمى بصيرته بشأن تجيير الاستفتاء ونتائجه لمصلحته الشخصية من أجل تجديد أمد حكمه للإقليم وإطالته، فوقع في شركٍ بناه بنفسه. وكان الأجدى به السعي إلى توحيد الصف الكردي في داخل الإقليم، عبر تقاسم السلطة مع القوى الشعبية الحيّة، بدلاً من الاستئثار بالسلطة والثروة، وجعلها حكراً على عائلته والمقربين من أبناء عشيرته.
غير أن اللافت هو حجم الانقسام والتردي لدى القوى السياسية الكردية في الإقليم نفسه، وخصوصا ما بين حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، وتأثر كل منهما بالخلاف الشخصي والسياسي ما بين زعيميهما، الراحل جلال طالباني ومسعود البارزاني، إذ إن الأول ارتضى لنفسه أن يعقد صفقة مريبة مع مليشيا الحشد الشعبي الطائفية برعاية قاسم سليماني، تنص على قطع الطريق نهائياً أمام قيام دولة كردية مستقلة، وما كان من البارزاني وحزبه سوى الرضوخ والمشاركة فيها، الأمر الذي يذكّر بما جرى لما عُرف باسم "جمهورية مهاباد" التي أُعلن عن قيامها في 1946، ولم تتمكن من إكمال سنة واحدة من عمرها، حيث أسقطها الشاه محمد رضا بهلوي في صفقةٍ مريبةٍ مع الاتحاد السوفييتي المندثر وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت.
وما زالت المرويات والسرديات الكردية الكبرى تتحدث عن حلم الدولة الكردية المنتظر، وعن
خيانة الأشقاء والأصدقاء، وها هو مسعود البارزاني يتحدث عن تسليم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مدينة كركوك، بسبب خيانة قادة حزبه، الديمقراطي الكردستاني، وعقدهم اتفاقاً سرّياً مع نظام الملالي الإيراني، يقضي بوأد حلم الدولة الكردية في شمالي العراق في هذه المرحلة على الأقل.
ولا شك في أن ممثل نظام الملالي الإيراني وعد قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمكافأتهم على "تعاونهم" في قطع الطريق أمام ممكنات قيام دولة كردستان العراق، عبر منحهم جزءاً من عائدات نفط كركوك، وإعطائهم دوراً في حكم إقليم تابع لنظام الملالي محاذٍ للحدود العراقية الإيرانية، ويمتد من السليمانية إلى حلبجة، في مواجهة ما تبقى من إقليم كردستان العراق الذي يحكمه البارزاني، ما يعني تعميقاً للانقسام الكردي بين القوى السياسية المسيطرة في الإقليم وعودته إلى وضع أسوأ بكثير مما كان عليه من قبل.
ويعرف القاصي والداني أن إقليم كردستان العراق كان يشكل دولة بحكم الأمر الواقع، لكنها غير معلنة، في شمالي العراق، وتمدّدت رقعته الجغرافية بالقوة، من خلال السيطرة على مساحات إضافيةٍ لتصل إلى المعابر الحدودية مع كل من إيران وتركيا وسورية، بعد مشاركة قوات البيشمركة في الحرب على "داعش"، لتبلغ مساحته الجغرافية أكثر من 70 ألف كلم2، أي أكثر من 18% من المساحة الكلية للعراق، وكان يضم محافظات أربيل والسليمانية وكركوك ودهوك، والأهم هو سيطرته على حقول نفط كركوك التي تنتج أكثر من 250 ألف برميل نفط يومياً.
وكان البارزاني يُستقبل، في زياراته الخارجية، وكأنه رئيس دولة، وبنى تفاهمات اقتصادية
غير أن اللافت هو حجم الانقسام والتردي لدى القوى السياسية الكردية في الإقليم نفسه، وخصوصا ما بين حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، وتأثر كل منهما بالخلاف الشخصي والسياسي ما بين زعيميهما، الراحل جلال طالباني ومسعود البارزاني، إذ إن الأول ارتضى لنفسه أن يعقد صفقة مريبة مع مليشيا الحشد الشعبي الطائفية برعاية قاسم سليماني، تنص على قطع الطريق نهائياً أمام قيام دولة كردية مستقلة، وما كان من البارزاني وحزبه سوى الرضوخ والمشاركة فيها، الأمر الذي يذكّر بما جرى لما عُرف باسم "جمهورية مهاباد" التي أُعلن عن قيامها في 1946، ولم تتمكن من إكمال سنة واحدة من عمرها، حيث أسقطها الشاه محمد رضا بهلوي في صفقةٍ مريبةٍ مع الاتحاد السوفييتي المندثر وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت.
وما زالت المرويات والسرديات الكردية الكبرى تتحدث عن حلم الدولة الكردية المنتظر، وعن
ولا شك في أن ممثل نظام الملالي الإيراني وعد قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمكافأتهم على "تعاونهم" في قطع الطريق أمام ممكنات قيام دولة كردستان العراق، عبر منحهم جزءاً من عائدات نفط كركوك، وإعطائهم دوراً في حكم إقليم تابع لنظام الملالي محاذٍ للحدود العراقية الإيرانية، ويمتد من السليمانية إلى حلبجة، في مواجهة ما تبقى من إقليم كردستان العراق الذي يحكمه البارزاني، ما يعني تعميقاً للانقسام الكردي بين القوى السياسية المسيطرة في الإقليم وعودته إلى وضع أسوأ بكثير مما كان عليه من قبل.