الأنهار في كل حضارات العالم هي منبع الحياة، وعلى ضفافها وحولها تقوم الحضارات، تزدهر بجريانها وتضمحل وتزول بزوالها. وأنهار أفريقيا كانت مهدا للحياة منذ قديم الأزل، لكن حاليا أصبحت وسيلة سياسية ضاغطة تقلقل أشد الأنظمة، وقد أصبحت الأنهار أشد فتكا من كثير من أسلحة الحاضر.
تيار غزير من الماء
في إثيوبيا، تهدر الكثير من الأنهار التي منها ما يبدأ وينتهي داخل البلاد، وغيرها الذي يمر منها ويذهب ليصب في دولة أخرى عبر رحلة ترانزيت فقط في الأراضي الإثيوبية. ونهر أواش من الأنهار الإثيوبية الخالصة، والتي تسهم بمياهها الغزيرة في تغذية حوض تخزين سد النهضة. ونهر أواش أحد الأنهار الرئيسية، ويبلغ طوله حوالي 1200 كيلومتر، وتصفه الموسوعة البريطانية بأنه تيار غزير من الماء المندفع يبلغ عرضه في المنطقة الوسطى منه حوالي 61 مترًا، وعمقه حوالي 1.5 متر في موسم الجفاف، أما في موسم الأمطار والفيضانات فيبلغ عمقه حوالي 18 متراً، وكثيرا ما يغمر السهول الموجودة على ضفتيه لمسافات كبيرة وطويلة.
موطن الإنسان الأوّل
في وادي نهر أواش عاش البشر تقريباً منذ بداية الخليقة، حيث عثر هناك على العديد من بقايا الإنسان الأول "الهومينيد" من عصور ما قبل التاريخ. ويعد الوادي في جزء كبير منه هو الموطن التقليدي لشعب عفار، وقد أدرج الوادي كجزء من الأراضي التاريخية لممالك دراو القديمة (فاثار وإيفات وشيوا)، وكل هذه الممالك اختفت باستثناء شيوا، مع وصول قبائل ومجموعات الأروموا في القرن السادس عشر. وكان النهر، وفقاً للمؤرخ هنتفورد، يسمى نهر الدير الكبير وإن كان يمر بالأراضي التي يسكنها المسلمون في ذلك الوقت.
تهديد بالغرق
في 1960 انتهى بناء سد كوكا على نهر أواش على بعد حوالي 75 كيلومتراً من العاصمة أديس أبابا، وافتتح باعتباره مصدراً رئيسياً للطاقة الكهرومائية. وكانت البحيرة التي تكونت خلف السد (خزان كوكا) من المياه العذبة النقية، وتبلغ مساحتها حوالي 180 كيلومتراً مربعاً. لكن السد والبحيرة أصبحا مهددان بالانهيار والزوال بسبب تراكم الطمي خلف السد، والذي كانت مياه النهر تجلبه معها ذائباً ومندفعاً بسرعة المياه الهادرة، ثم احتجزه السد إلى أن ترسب وارتفع وأصبحت مياه البحيرة تهدد بإغراق ما حولها. وسينتهي أمر السد ويعود الماء ليندفع حتى يحتويه تيار سد النهضة.
يشكل الغطاء النباتي المهيمن في حوض نهر أواش جزءاً من المنطقة الإيكولوجية للنباتات الاستوائية الموسمية، فعلى الارتفاعات العالية تسود منطقة رطبة لها تشكيلة إيكولوجية مختلفة عن الأماكن المنخفضة في الأراضي الاستوائية القاحلة. وهذا الغطاء النباتي المتنوع يترك أثراً قوياً على النشاط البشري في جميع أنحاء حوض أواش العلوي والسفلي، ولا تزال أعشاب السافانا هي الظاهرة للعيان بما تحتويه من حيوانات وما توفره من غذاء ومراع. ورغم أن الغابات تكاد تكون منعدمة في وادي أواش، إلا أن بعض أشجار الكافور المتناثرة وسط السافانا الطويلة ومدرجات المرتفعات تعطي شكلاً أقرب ما يكون للحدائق الوطنية في جنوب أفريقيا ووسطها.