شهدت أروقة مجلس العموم البريطاني تصويتاً تاريخياً أفضى الى إقرار اقتراح غير ملزم، يطالب الحكومة البريطانية بالاعتراف بدولة فلسطين. ويأتي الاقتراع بعد أن أظهرت مجموعة استطلاعات للرأي تغيّراً في الرأي العام البريطاني، الذي بات أكثر ميلاً إلى انتقاد إسرائيل.
الاقتراح، الذي أقرّه المجلس، في ساعة متأخرة من مساء الإثنين، حاز أغلبية 274 عضواً، بمن فيهم زعيم حزب "العمال" المعارض، إيد ميليباند، مقابل 12 نائباً رفضوا الاقتراح، فيما امتنع وزراء الحكومة عن المشاركة في عملية التصويت.
وقد جاء تأييد الأغلبية من النواب للاقتراح على قاعدة أن الاعتراف للفلسطينيين بدولة "ليس هدية أو هبة تمنح من هذا الطرف أو ذاك، وإنما هي حق طبيعي للشعب الفلسطيني، وحق يستجيب لمقتضيات العدالة الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية".
ونصّ الاقتراح غير الملزم، الذي أقره مجلس العموم، ووصفه عدد من النواب بـ"التاريخي"، على أن المجلس "يرى أن الحكومة البريطانية يجب أن تعترف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، كإسهام في تأمين حل على أساس دولتين عبر التفاوض".
وكان أعضاء البرلمان قد تلقّوا، قبل ساعات من التصويت، رسالة موقّعة من 363 شخصية إسرائيلية من السياسيين والناشطين والعلماء والفنانين، طالبت النواب بالتصويت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين. وجاء في نصّ الرسالة "نحن إسرائيليون قلقون على مستقبل دولة إسرائيل، نعتقد بأن وجود إسرائيل وأمنها طويل الأمد يعتمد على وجود وأمن دولة فلسطينية، ولهذا السبب نطلب منكم التصويت لصالح الاقتراح".
وقد ناقش النواب، في جلسة امتدت على مدار ست ساعات، ونُقلت على الهواء مباشرة، مختلف الجوانب التاريخية والسياسية والأخلاقية لدور بريطانيا في مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وطرح النواب من مختلف الأحزاب السياسية آراء ووجهات نظر، ربما تُعبّر للمرة الأولى عن تحوّل عميق في توجهات المؤسسة التشريعية البريطانية، كما قال أحد النواب، الإثنين.
وقد أكد النائب العمالي ووزير الخارجية الأسبق، جاك سترو، أن إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو لن تتعاملا مع المسار السياسي والمفاوضات بجدّية، ما لم تتعرّضا لضغط حقيقي". واعتبر سترو أن "تصويت المجلس لصالح الاعتراف بدولة فلسطين هو نوع من الضغط". وأضاف: "صحيح أن تصويت المجلس اليوم هو رمزي وغير ملزم، لكن ينبغي أن تشعر إسرائيل بعده بالقلق".
كما أثنى نواب آخرون على هذا الرأي، وقالوا إن إسرائيل بدأت فعلاً تشعر بالعزلة الدولية.
وقد أكدت مداخلات النواب المسؤولية التاريخية والأخلاقية لبريطانيا، التي تعهّدت في عام 1920، بوضع الأراضي الفلسطينية تحت وصايتها على طريق تأهيل الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم، وهو الأمر الذي لم تحترمه الحكومات البريطانية منذ ذلك الوقت. وقال عدد من النواب إن "الفرصة مؤاتية الآن لإنهاء المعاناة الفلسطينية، وكسر حلقة العنف الدائرة منذ سنوات طويلة، ولا يمكن لبريطانيا الوقوف جانباً وترك الصراع يتواصل الى سنوات مقبلة".
وفي ردّ على كلام بعض المعارضين للاقتراح، والذين تحجّجوا بخطورة الاعتراف بحكومة حماس "الإرهابية"، قال عدد من النواب إن الاعتراف المطلوب من الحكومة يتعلق بـ"الدولة" وليس بالحكومة، وبالتالي فإن الاعتراف بالدولة لا يرتبط بشكل الحكومة وانتماء أعضائها السياسي.
ورفض العدد الأكبر من النواب ربط مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بسير عمليات المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خصوصاً وأن المفاوضات متوقفة ولم تحقق أية نتائج منذ إطلاقها قبل ربع قرن، بل وذهب بعض النواب إلى حد وصف المفاوضات بـ"العملية الفاشلة، والتي انتهت منذ سنوات من دون ان تحقق أية نتائج تذكر".
كما دان عدد من النواب في مداخلاتهم سياسات إسرائيل الاستيطانية، وسياسة تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية بالحواجز والجدران والحصار. وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في كتلة حزب "المحافظين"، النائب ريتشارد أوتاوي:"لقد كنت طيلة السنوات الماضية من عمري وأنا من أشد المناصرين لإسرائيل، ولكن ما تقوم به من عمليات ضم للأراضي، في الضفة الغربية، بات من أكثر الأشياء التي تغضبني في السياسة. إن إسرائيل تنحرف بعيداً عن تأييد الرأي العام".
وكان رئيس "مجموعة أصدقاء فلسطين" في حزب "العمال" المعارض، غراهام موريس، قد تقدّم إلى مجلس العموم بالمقترح، الذي يدعو الحكومة البريطانية إلى الاعتراف بدولة فلسطين. ويثير اعتراف "العمال" بالدولة الفلسطينية قلق إسرائيل، إذ تخشى أن يكون هذا الاعتراف مقدمة لمجيء حكومة عمالية بعد انتخابات مايو/أيار المقبل، تحذو حذو السويد، التي أعلنت اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين.
وجاء تصويت البرلمان البريطاني بعد مجموعة استطلاعات للرأي أجرتها بين أعوام 2005 و2014 مؤسسات بريطانية موثوقة مثل "بي بي سي" و"يوغوف"، وحتى مراكز رصد صهيونية، أظهرت تغيراً في اتجاه الرأي العام البريطاني، الذي بات أكثر ميلاً إلى انتقاد إسرائيل، وأكثر قبولا لإمكانية تحقق السلام على أساس الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
كما أظهرت ثمانية استطلاعات للرأي العام، أجرتها مؤسستا "يوغوف" و" بوبليوس" بين أعوام 2005 و2012 لصالح جمعية "فريدريك إيبرت" الألمانية و"بي بي سي العالمية"، أن ثلثي البريطانيين يعتقدون أن الإسرائيليين يرفضون فكرة "الدولة الفلسطينية"، وأن ثلثي البريطانيين يعتقدون أن الإسرائيليين لم يبدوا أبداً أي استعداد جدي لتقديم الأرض مقابل السلام، وأن أكثر من 42 في المائة من البريطانيين يتفقون مع أن "إسرائيل ترتكب حرب إبادة ضد الفلسطينيين".
وسجل عام 2011 أهم النتائج، التي تظهر مقدار التحول في اتجاهات الرأي العام البريطاني تجاه إسرائيل. فقد خلص استطلاع، أجرته "بي بي سي وورلد سيرفيس"، إلى أن 14 في المائة من البريطانيين لديهم وجهة نظر "إيجابية عموماً" من إسرائيل، بينما 66 في المائة، ممن شملهم الاستطلاع، كان لديهم رأي "سلبي عموماً" من إسرائيل.
وفي استطلاع مماثل أجرته "بي بي سي وورلد سيرفيس" في عام 2012، حصلت إسرائيل على تصنيف سلبي في أوساط الجمهور البريطاني بنسبة 69 في المائة، وهي نسبة أعلى مما سُجل في ألمانيا (68 في المائة)، وفي أستراليا (65 في المائة) وفي كندا (59 في المائة).
وأظهرت نتائج أحدث استطلاع للرأي العام البريطاني، أجرته مؤسسة "يوغوف" في مارس/آذار من العام الحالي، أن 16 في المائة من البريطانيين يقولون إنهم يتعاطفون مع الإسرائيليين، بينما أبدى 22 في المائة تعاطفاً مع الفلسطينيين.