في قاعة "غوتييه" في مدينة بوردو غرب فرنسا، أقيمت أوّل أمس جلسة نقاش بعنوان "الشباب والثورة"، جرى فيها تقديم ترجمة مجموعة "قارب إلى ليزبوس" للشاعر السوري نوري الجراح إلى الفرنسية، التي أنجزها الكاتب والمترجم التونسي أيمن حسن وصدرت عن دار "موار" (Moires) الفرنسية. إضافة إليهما، حضر الكاتب الفرنسي جان ميشال ديفيزا الذي تولّى إدارة النقاش.
بدأت الجلسة بقراءات شعرية من العمل الأخير للشاعر؛ راوحت بين النصّ العربي بصوت الجراح، ليقرأ حسن ترجمها على الفور إلى الفرنسية. في مبادلة تكشف عن مستوى متقدم من الشعرية يستطيع أن يمسك بواقع ملحمي ومأساوي كالحدث السوري بأدوات شعرية في ذروة الرهافة.
إثر ذلك، كان المترجم أوّل من تحدّث حيث ذكر تردّده حيال ترجمة الشعر اليوم، مشيراً أنه رغم هذا التردّد والشعور بالقلق قرّر الاندفاع ونقل نصّ نوري الجراح إلى الفرنسية، كما كشف أن علاقته بـ"قارب إلى ليزبوس" تحمل ما هو أبعد من النصّ، إذ أنها تحمل شعوره بالمسؤولية ومعاناته كمواطن تونسي.
في كلمته، قال الجراح "يبدو أن ثلاثي العالم والتاريخ والناس يحتاج إلى تراجيديا كبيرة لتغسلهم"، مضيفاً أن "علاقات القوة والهيمنة ثم الانسحاق أمامها هي ما تُنتج مأساة الأزمنة المعاصرة". يسأل الجراح الجمهور عن كيفية نظره إلى ما يسمّى بالمأساة السورية؛ "هل يكفي أن نستقي أفكارنا ومعارفنا من الميديا؟".
حول سؤال من ديفيزا عن معركته المزدوجة ضد الدكتاتورية والتطرّف الديني، يردّ الجراح "هذا حالنا وهنا عقدتنا؛ نقاتل الدكتاتور ومبتكراته من الأصوليين" ليشير لاحقاً إلى أن "دوائر الحكم في فرنسا غسلت في وقت من الأوقات فرخ القرش الذي أصبح بشار الأسد؛ أعطته الفرصة التي قتلنا بها في ما بعد".
هنا، يلفت ديفيزا نظر الشاعر إلى وجهة نظر الحكومات الأوروبية بكونها تفضّل دعم نظام دكتاتوري على وصول الأصوليين للحكم. يعتبر الجراح أن "ذلك صحيح، ولكن السؤال الأعمق لماذا هو صحيح؟". يردّ بأن "رعاة الدكتاتور أرادوا له أن يكون صحيحاً". يضيف "أين كانت الأصولية حين نشأت الدول القومية العربية، إلا إذا اعتبرنا أنها عملة الاستشراق المزيّفة لتبرير الدكتاتور".
حين ذكر الكاتب الفرنسي أن إحصائيات تقول بأن ربع السوريين قد رحلوا عن بلادهم، ردّ الشاعر السوري بغصة ألم، من المؤكد أنه ليس دعوة لترك سورية: "وأنا أطالب البقية ان ترحل، لأن الأرض التي لا تحفظ الإنسان لا تستحقه"، مضيفا أن "السوريين هم طرواديّو الزمن الحديث".
ذكّر الشاعر السوري بالقرار الحازم الذي اتخذه العالم لوقف الحرب في البلقان بداية تسعينيات القرن الماضي، متسائلاً: "هل أن بشار الأسد يقلّ دموية عن ميلوسيفيتش؟".
في نهاية الحديث، وقبل العودة إلى القراءات الشعرية، يلاحظ الجراح: "تحدّثنا في كل شيء إلا الشعر"، ويتابع: "الشعر يحتاج إلى وقت هادئ، في مقهى أو حديقة، لكن كيف نتحدُّث عن الشعر على ضفاف نهر من الدم؟".