في الساعة الخامسة وثلاث وخمسين دقيقة من يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، والذي صادف منذ يومين، يتسلل شعاع الشمس ليهبط فوق وجه الملك رمسيس، فيضاً من نور يملأ قسمات وجه الفرعون داخل حجرته في قدس الأقداس في قلب معبد أبو سمبل بالقرب من أسوان، ثم يتكاثر شعاع الشمس بسرعة مكوّناً حزمة من الضوء تضيء وجوه التماثيل الأربعة داخل قدس الأقداس.
هذه الظاهرة الفلكية، التي تضيء هذا المكان العميق في الصخر والذي يبعد عن مدخل المعبد نحو ستين متراً، يتوافد لرؤيتها السياح من كل العالم، ليشاهدوا تقدم المصريين القدماء في علوم الفلك.
الظاهرة جرى اكتشافها عام 1874، بعدما قامت المستكشفة إميليا إدوارذ، والفريق المرافق لها، بتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899 "ألف ميل فوق النيل"، والذي جاء فيه: "تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس وسقوط أشعتها عليها. إن أي مشاهد إذا لم يراقب سقوط أشعة الشمس هذه يساوره شك في أثرها القوي المحسوب بدقة حسب علم الفلك والحساب عند قدماء المصريين".
وكان حدوث تعامُد أشعة الشمس على تمثال رمسيس يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير/ شباط قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد أبو سمبل بعد تقطيعه لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي في بداية الستينيات من موقعه القديم، الذي جرى نحته داخل الجبل، إلى موقعه الحالي، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، التي أضافت: "أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير، وذلك لتغيّر خطوط العرض والطول بعد نقل المعبد 120 متراً غرباً وبارتفاع 60 متراً، حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مسافة 200 متر لتصل إلى قدس الأقداس، لتضيء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة في داخله، وهي تمثال رع حور، أخت إله الشمس، وتمثال رمسيس الثاني الذي يتساوى مع الإله، وتمثال أمون، إله طيبة في تلك الحقبة، أما التمثال الرابع للإله بتاح رب منف وراعي الفن والفنانين وإله العالم السفلي، فلا تصله أشعة الشمس، لأنه لا بد أن يبقى في ظلام دامس مثل حالته في العالم السفلي، ثم تقطع أشعة الشمس 60 متراً أخرى لتتعامد على تمثال الملك رمسيس الثاني وتمثال آمون رع إله طيبة، صانعة إطاراً حول التمثالين بطول 355 سنتم وعرض 185 سنتم".
فلكياً، إن تعامد ضوء الشمس على معبد أبو سمبل مرتين في العام يستند إلى حقيقة علمية اكتشفها قدماء المصريين، وهي شروق الشمس من نقطة الشرق تماماً وغروبها من نقطة الغرب تماماً في يوم الحادي والعشرين من شهر مارس/ آذار، ثم تتغيّر نقطة الشروق بمقدار ربع درجة تقريباً كل يوم إلى ناحية الشمال، حيث تصل في شروقها إلى نقطة تبعد بمقدار 23 درجة و27 دقيقة شمال الشرق في الثاني والعشرين من شهر يونيو/ حزيران.
ثم تعود الشمس مرة أخرى لتشرق من نقطة الشرق تماماً بمعدل تحركها نفسه باتجاه الشمال لتصل إلى نقطة الشرق تماماً في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول، ثم تتغيّر نقطة شروق الشمس بمعدل ربع درجة تقريباً لناحية الجنوب لتصبح على بعد 23 درجة و27 دقيقة جنوب الشرق في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، ثم تعود بالمعدل نفسه لتصل إلى نقطة الشرق تماماً في الحادي والعشرين من شهر مارس.
وبهذا، استند قدماء المصريين في اكتشافهم إلى أن الشمس تمر على كل نقطة في أثناء شروقها وغروبها مرتين في كل عام، وأن المسافة الزمنية بينهما تختلف تبعاً لبعد كل نقطة عن نقطة الشرق تماماً، ولذلك فإن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني مرتين في العام، جاء نتيجة لاختيار قدماء المصريين نقطة في مسار شروق الشمس تبعد عن نقطتي مسارها زمناً قدره أربعة أشهر لتتوافق مع يوم 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام، ثم قاموا ببناء المعبد بحيث يكون اتجاه المسار الذي تدخل منه الشمس على وجه رمسيس الثاني من ناحية الشرق من فتحة ضيقة، وإن المصريين القدماء جعلوا هذه الفتحة ضيقة بحيث إذا دخلت أشعة الشمس في يوم وسقطت على وجه التمثال فإنها في اليوم التالي تنحرف انحرافاً صغيراً قدره ربع درجة، وبهذا تسقط الأشعة في اليوم التالي على جدار الفتحة ولا تسقط على وجه التمثال.
ومعبد أبو سمبل هو موقع أثري يضم اثنين من صخور المعبد الضخمة في جنوب مصر على الضفة الغربية لبحيرة ناصر (نحو 290 كلم جنوب غرب أسوان)، وهو جزء من التراث العالمي، التابع لمنظمة اليونسكو، المعروف باسم "آثار النوبة"، والتي تبدأ من اتجاه جريان النهر من أبو سمبل إلى معبد فيلة بالقرب من أسوان.