عن عمر 69 عاماً، رحل نور الشريف، بعدما هزمه سرطان الرئة. رحيل كتب خاتمة قصة تستحق أن تروى.
ربما واحدة من أكثر الحكايات الملهمة والمعبرة والمحورية في حياة نور الشريف، هو ما جرى في أواخر السبعينيات، حين أتى إليه رجل في الثلاثينيات من عمره، يُدعى محمد خان، وأخبره بأنه باع كل ما يملكه ونقل حياته من العاصمة البريطانية لندن إلى العاصمة المصرية القاهرة، من أجل أن يخرج أول فيلم له، أعطاه سيناريو يحمل اسم "ضربة شمس"، قرأه نور الشريف في ساعات عدة، وقرر ليس فقط أن يقوم ببطولة الفيلم.. ولكن أيضاً أن ينتجه.
100 فيلم في 10 سنوات
كان الشريف حينها واحداً من أهم نجوم الصف الأول في السينما المصرية، مع نهاية عصر الستينيات الكلاسيكي، وخفوت أسماء نجوم مثل رشدي أباظة، وحسن يوسف، وشكري سرحان، وغيرهم، وكان جيل جديد يولد وعلى رأسه نور الشريف، وتحول "الوجه الجديد"ــ كما يتم وصفه في تترات فيلمه الأول "قصر الشوق" (1966) للمخرج حسن الإمام ــ إلى "نجم شباك"، يصنع ما يقارب الـ100 فيلم خلال 10 سنوات، أغلبها في دور البطولة.
أفلام كوميدية، أفلام حركة بمزاج وأسلوب غربي، أفلام رومانسية، وأخرى ميلودرامية، تحرك نور الشريف في السبعينيات بين كل الأصناف التجارية التي يفرضها عليه "السوق"، كان صغيراً ويسعى إلى إثبات نفسه، لا يرفض شيئاً، ينجح جداً، ولكنه يدرك أن مسيرته لا تحمل أي فيلم مهم، باستثناء وحيد، ربما في فيلم "زوجتي والكلب" للمخرج سعيد مرزوق الذي شارك في بطولته عام 1971.
اللقاء المحوري
ذلك اللقاء مع محمد خان، وقراره بإنتاج الفيلم، كان محورياً جداً في حياة نور الشريف، لأنها اللحظة التي بدأ فيها يغير تماماً من مسيرته، انتهى من مرحلة الانتشار وعدم رفض أي فيلم، والاتجاه إلى خيارات "أكثر فنية" وأبقى في ذاكرة السينما والتاريخ.
نجح "ضربة شمس"، نقدياً وجماهيرياً، وتجاوزت أهميته كونه "فيلماً" منفرداً بقدر ما ساهم في انطلاق جيل جديد سيغير في تاريخ السينما تماماً خلال السنوات اللاحقة، ونور الشريف كان محظوظاً في رغبته بتغيير جلده وصنع أفلام أفضل.. تزامن مع ظهور "جيل الثمانينيات" و"الواقعية الجديدة".
المسيرة الذهبية
في تلك السنوات، قدم "الشريف" مسيرة ذهبية فعلاً، متنقلاً للتمثيل أمام كاميرات عدد من أعظم مخرجي السينما المصرية، يصنع انطلاقة عاطف الطيب التاريخية في "سواق الأتوبيس" (1982) ــ والذي قدم فيه أعظم أداء تمثيلي في مسيرته ــ دراما الانفتاح والتغيرات الاقتصادية في "أهل القمة" مع علي بدرخان وكتابة نجيب محفوظ (1981)، في واحد من "ألطف" أفلام السينما المصرية وأخفها دماً في "غريب في بيتي" (سمير سيف – 1982)، يجسد جزءاً ثانياً من سيرة حياة يوسف شاهين في "حدوتة مصرية" (1982)، يحقق معادلة الفيلم الجيد والنجاح الجماهيري في أعلى صورها مع علي عبدالخالق في "العار" (1982)، بطلا لواحد من أواخر أفلام العملاق كمال الشيخ في "الطاووس" (1982). يقف من جديد مع اسم مهم في "جيل الواقعية الجديدة" حين يقوم ببطولة فيلم داود عبدالسيد الأول "الصعاليك" (1985) ثم الثاني "البحث عن سيد مرزوق" (1990)، وكما بدأ مع عاطف الطيب انتهى معه في آخر فيلم أنهى تصويره ومونتاجه بنفسه "ليلة ساخنة" (1995).
كل تلك الأفلام، التي قدمها في ظرف 15 عاماً، هي علامات حقيقية في تاريخ السينما المصرية، و"الشريف" طوال تلك الفترة كان يساند التجارب الجديدة البعيدة عن "تجارية السوق"، ويحاول مساعدة المخرجين الجدد ــ من الملفت جداً أن أول أفلام الثلاثي "خان" "الطيب" "داود" من بطولته ــ ويبحث عن "التاريخ الذي يُكتب بالأفلام الجيدة"، كما يقول عن نفسه في تصريح تلفزيوني.
وبين تلك الأفلام مثَّل أيضاً الكثير من الأفلام التجارية الأخرى، عبر معادلته الخاصة التي أعلنها مراراً: "لو فضلت أعمل أفلام فنية طول الوقت هقعد في البيت، عشان كده قررت إني أعمل فيلم للسوق أعرف أنافس فيه في شباك التذاكر، وفيلم التاريخ يفتكرني بيه". وهي المعادلة التي أثبتت نجاحها في حالته لفترة طويلة.
الحاج متولي
ورغم ابتعاده عن السينما، إلا فيما ندر خلال العقدين الأخيرين، وتحقيقه نجاحا أكبر في التلفزيون، تحديداً مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" (1995) و"عائلة الحاج متولي" (2001)، إلا أن تاريخ السينما في مصر سيذكره كثيراً كما رغب وتمنى، بفضل العقدين الذهبيين اللذين ملأ فيهما الدنيا فناً وتجارب ومغامرات وتدعيماً لمخرجين لم يكن أحد يعرفهم حين قَبِل بطولته لأفلامهم الأولى.
هزمه المرض إذاً، بعدما قاومه عامين، وبعدما تمرّد على الموت لأسابيع، وخرج في كل مرة لينفي شائعة وفاته. هزمه المرض. رحل نور الشريف. لا عزاء للسينما العربية.
ربما واحدة من أكثر الحكايات الملهمة والمعبرة والمحورية في حياة نور الشريف، هو ما جرى في أواخر السبعينيات، حين أتى إليه رجل في الثلاثينيات من عمره، يُدعى محمد خان، وأخبره بأنه باع كل ما يملكه ونقل حياته من العاصمة البريطانية لندن إلى العاصمة المصرية القاهرة، من أجل أن يخرج أول فيلم له، أعطاه سيناريو يحمل اسم "ضربة شمس"، قرأه نور الشريف في ساعات عدة، وقرر ليس فقط أن يقوم ببطولة الفيلم.. ولكن أيضاً أن ينتجه.
100 فيلم في 10 سنوات
كان الشريف حينها واحداً من أهم نجوم الصف الأول في السينما المصرية، مع نهاية عصر الستينيات الكلاسيكي، وخفوت أسماء نجوم مثل رشدي أباظة، وحسن يوسف، وشكري سرحان، وغيرهم، وكان جيل جديد يولد وعلى رأسه نور الشريف، وتحول "الوجه الجديد"ــ كما يتم وصفه في تترات فيلمه الأول "قصر الشوق" (1966) للمخرج حسن الإمام ــ إلى "نجم شباك"، يصنع ما يقارب الـ100 فيلم خلال 10 سنوات، أغلبها في دور البطولة.
أفلام كوميدية، أفلام حركة بمزاج وأسلوب غربي، أفلام رومانسية، وأخرى ميلودرامية، تحرك نور الشريف في السبعينيات بين كل الأصناف التجارية التي يفرضها عليه "السوق"، كان صغيراً ويسعى إلى إثبات نفسه، لا يرفض شيئاً، ينجح جداً، ولكنه يدرك أن مسيرته لا تحمل أي فيلم مهم، باستثناء وحيد، ربما في فيلم "زوجتي والكلب" للمخرج سعيد مرزوق الذي شارك في بطولته عام 1971.
اللقاء المحوري
ذلك اللقاء مع محمد خان، وقراره بإنتاج الفيلم، كان محورياً جداً في حياة نور الشريف، لأنها اللحظة التي بدأ فيها يغير تماماً من مسيرته، انتهى من مرحلة الانتشار وعدم رفض أي فيلم، والاتجاه إلى خيارات "أكثر فنية" وأبقى في ذاكرة السينما والتاريخ.
نجح "ضربة شمس"، نقدياً وجماهيرياً، وتجاوزت أهميته كونه "فيلماً" منفرداً بقدر ما ساهم في انطلاق جيل جديد سيغير في تاريخ السينما تماماً خلال السنوات اللاحقة، ونور الشريف كان محظوظاً في رغبته بتغيير جلده وصنع أفلام أفضل.. تزامن مع ظهور "جيل الثمانينيات" و"الواقعية الجديدة".
المسيرة الذهبية
في تلك السنوات، قدم "الشريف" مسيرة ذهبية فعلاً، متنقلاً للتمثيل أمام كاميرات عدد من أعظم مخرجي السينما المصرية، يصنع انطلاقة عاطف الطيب التاريخية في "سواق الأتوبيس" (1982) ــ والذي قدم فيه أعظم أداء تمثيلي في مسيرته ــ دراما الانفتاح والتغيرات الاقتصادية في "أهل القمة" مع علي بدرخان وكتابة نجيب محفوظ (1981)، في واحد من "ألطف" أفلام السينما المصرية وأخفها دماً في "غريب في بيتي" (سمير سيف – 1982)، يجسد جزءاً ثانياً من سيرة حياة يوسف شاهين في "حدوتة مصرية" (1982)، يحقق معادلة الفيلم الجيد والنجاح الجماهيري في أعلى صورها مع علي عبدالخالق في "العار" (1982)، بطلا لواحد من أواخر أفلام العملاق كمال الشيخ في "الطاووس" (1982). يقف من جديد مع اسم مهم في "جيل الواقعية الجديدة" حين يقوم ببطولة فيلم داود عبدالسيد الأول "الصعاليك" (1985) ثم الثاني "البحث عن سيد مرزوق" (1990)، وكما بدأ مع عاطف الطيب انتهى معه في آخر فيلم أنهى تصويره ومونتاجه بنفسه "ليلة ساخنة" (1995).
كل تلك الأفلام، التي قدمها في ظرف 15 عاماً، هي علامات حقيقية في تاريخ السينما المصرية، و"الشريف" طوال تلك الفترة كان يساند التجارب الجديدة البعيدة عن "تجارية السوق"، ويحاول مساعدة المخرجين الجدد ــ من الملفت جداً أن أول أفلام الثلاثي "خان" "الطيب" "داود" من بطولته ــ ويبحث عن "التاريخ الذي يُكتب بالأفلام الجيدة"، كما يقول عن نفسه في تصريح تلفزيوني.
وبين تلك الأفلام مثَّل أيضاً الكثير من الأفلام التجارية الأخرى، عبر معادلته الخاصة التي أعلنها مراراً: "لو فضلت أعمل أفلام فنية طول الوقت هقعد في البيت، عشان كده قررت إني أعمل فيلم للسوق أعرف أنافس فيه في شباك التذاكر، وفيلم التاريخ يفتكرني بيه". وهي المعادلة التي أثبتت نجاحها في حالته لفترة طويلة.
الحاج متولي
ورغم ابتعاده عن السينما، إلا فيما ندر خلال العقدين الأخيرين، وتحقيقه نجاحا أكبر في التلفزيون، تحديداً مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" (1995) و"عائلة الحاج متولي" (2001)، إلا أن تاريخ السينما في مصر سيذكره كثيراً كما رغب وتمنى، بفضل العقدين الذهبيين اللذين ملأ فيهما الدنيا فناً وتجارب ومغامرات وتدعيماً لمخرجين لم يكن أحد يعرفهم حين قَبِل بطولته لأفلامهم الأولى.
هزمه المرض إذاً، بعدما قاومه عامين، وبعدما تمرّد على الموت لأسابيع، وخرج في كل مرة لينفي شائعة وفاته. هزمه المرض. رحل نور الشريف. لا عزاء للسينما العربية.