بعدما طَرحت في أفلامها السينمائية الكثير من القضايا المستوحاة من صميم الواقع اللبناني وإشكالياته الاجتماعية، بدأت المخرجة والكاتبة والممثلة والمنتجة اللبنانية، نيبال عرقجي، بكتابة فيلم سينمائي جديد بعنوان "الله يستُر" تتناول فيه هذه المرّة الزواج المدني وحق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لأولادها، وغيرها من الموضوعات التي تكشف عنها في هذا الحوار الخاص الذي أجرته معها "العربي الجديد"، والذي يضيء على محطات من مشوارها السينمائي والإنساني، انطلاقاً من بداياتها في باريس، وصولاً إلى صالات العرض في بيروت.
*هل أنت عاطلة عن العمل رغم نشاطك في مجالات الإخراج والكتابة والتمثيل؟
هذا الأمر صحيح، لا أعمل مثلي مثل كثيرين، إذ إنّ الوضع لا يُساعد أحدًا على العمل، خصوصاً في مجالنا الإنتاجي أو السينمائي. كما أنَّ ميدان عملنا هو الأكثر تضرراً بالوضع الحالي، لأنّه لا يُعتبر قطاعاً أساسياً. وهذا الأمر يعاني منه جميع الفنانين في شتى المجالات الفنية. وفي حين أنّ هناك ناسا يموتون من الجوع، يعيش آخرون في "لالا لاند" وينتظرون في صفٍ طويل أمام المحال التجارية للتبضُّع من علامات تجارية عالمية. وإذ كنت أتمنى أن يشعر الغني مع الفقير وأن يُساعده، إلّا أنّ هذا الأمل لم يتحقّق على أرض الواقع، وللأسف لم يتغيّر شيء.
*حاولتِ معالجة قضايا الفوارق الاجتماعية والطبقية في المجتمع اللبناني، وكانت البداية من فيلم "قصة ثواني"، ثمّ سلكتِ طريقاً مختلفاً في اتجاه الكوميديا وموضوعات العلاقة بين المرأة والرجل، من خلال فيلم "يلّا عقبالكن". كيف تقيمين مشوارك السينمائي؟
تغيّر المسار والنوع السينمائي الذي أخذته، لأنّ هذا ما يطلبه السوق، علمًا أنّ النوع السينمائي الذي أحبّ أن أكتبه وأقدّمه هو الذي تُرجم في "قصة ثواني"، هذه هي السينما التي أحبّها حيث أطرح فيها موضوعات اجتماعية قوية وقصصا حقيقية، لكن المشكلة تكمن في أنّه يجب كتابة ما يُشاهده الجمهور. على رغم أنّ الذين شاهدوا فيلم "قصة ثواني" أبدوا إعجابهم به وتأثروا بهذا الفيلم كثيراً، إلّا أنّ المشكلة تكمن في أنّ هذا الفيلم لم يجذب كثيرين لمشاهدته، إذ إنّه ليس النوع السينمائي الذي يطلبه الجمهور ويُشاهده. في حين حقق "قصة ثواني" نحو 14 ألف دخول للمشاهدة إلى صالات السينما، حقّق فيلم "يلّا عقبالكن" 90 ألف دخول، فالناس يفضّلون مشاهدة الأعمال الخفيفة والكوميدية في السينما لينسوا التراجيديا التي يعيشونها على أرض الواقع. ولن يدفع أحد ثمن بطاقة الدخول إلى السينما لمشاهدة عمل سيزيد من حالته العصبية ويضيف مآسي إلى حياته.
*هل من فيلم أو مشروع سينمائي تعملين عليه حالياً؟
بدأت في كتابة فيلم بعنوان "الله يِستُر"، وفي ظلّ هذا الوضع علّقت كتابته، إذ حتى لو أنهيت كتابة السيناريو، لن أجد ممولاً لإنتاج الفيلم، فضلاً عن عراقيل مالية أخرى تعترض عملنا حالياً مثل طريقة الدفع وبأيّ عملةٍ ستتمّ. وبالتالي، لن أتمكن من تصوير هذا العمل السينمائي حتى لو انتهيت من كتابته، إضافةً إلى أنّ الوضع غير مستقرّ بالنسبة إلى فتح صالات سينما، في ظلّ انتشار فيروس كورونا.
*ماذا عن موضوع الفيلم؟
على صعيد نوع الفيلم ومضمونه، لا يُشبه "الله يستر" فيلمي "يلّا عقبالكن" و"مطلوبين" اللذين قدمتهما سابقاً. إنّه فيلم كوميدي اجتماعي يحكي عن اللبنانيين وأديانهم والزيجات المختلطة ومشكلات عقد الزواج في لبنان، حيث لا يُمكن عقد زواج مدني، فيما يُمكن تسجيل زواج مدني بين لبنانيَيْن لدى الدولة اللبنانية بعد عقده في قبرص على سبيل المثال. كذلك، يطرح هذا الفيلم قضية المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي، والتي لا يُمكنها منح جنسيتها اللبنانية لأولادها. ويُعالج "الله يستر" هذه القضايا الاجتماعية بطريقة مُسلّية وخفيفة. إذ إنني أحاول دائماً طرح المواضيع الحسّاسة في أفلامي بطريقة "لايت"، وأن أوصلها إلى المشاهد بعيداً من الطرح المباشَر والنبرة الواعِظة.
*حملت في أفلامك قضايا كثيرة مرتبطة بحقوق المرأة، هل كان لديك نضال خاص ضد المجتمع الذكوري؟
أنا نسوية انطلاقاً من أنّ المرأة لم تحصل على حقوقها كاملةً، وأرى أموراً في لبنان لم أرها في حياتي طيلة الـ25 عاماً التي عشتها في فرنسا، مثل عدم تمتُّع المرأة في لبنان بالحقوق نفسها التي يتمتّع بها الرجل. ولم أتمكّن إلى اليوم من فهم هذا الوضع المجحف بحق المرأة. ولذلك أحاول أن أطرح في افلامي كل ما أجده ظالماً ويجب تغييره على أرض الواقع. لكن لأكون عادلة، إنّ كلّ ما حققته في لبنان ربما لم أكن لأتمكّن من إنجازه في باريس، ففي فرنسا هناك عشرات آلاف السينمائيين وكان من المُمكن ألّا أتمكّن من تمويل أفلامي هناك، في حين أنني حظيت في لبنان بفرصة التعرف إلى أشخاص كانوا حاضرين للمساعدة والتمويل.
الدراما التلفزيونية تدخل إلى كل بيت، في حين أنّ صالات السينما أُجبرت على إغلاق أبوابها في ظلّ أزمة كورونا، فلماذا لم تسلكي إلى اليوم درب الكتابة الدرامية؟
طُلِب مني كثيراً كتابة مسلسلات تلفزيونية، لكنني لا أشعر حتى الآن بنَفَس كتابة مسلسل، وإذا قرّرت الدخول إلى هذا المجال، فبالتأكيد سأكتب قصة وسيناريو بعيدين عن قصص الفتاة الفقيرة التي تُغرم بربّ عملها، والقصص الأخرى "الكليشيه" والمكرّرة، وهذا طبعاً من دون تعميم، إذ إنَّ هناك أعمالاً جيدة تُعرَض في السنوات الأخيرة، ولكنني سأسعى لأقدّم ما هو مختلف كلياً. لكن، حتى الآن، لم تتجلَّ فكرة المسلسل الذي أرغب في كتابته.
ماذا عن الطموحات والأحلام؟
أنا راضية عن المكانة التي وصلت إليها في السينما، بالتأكيد لن أحزن إذا حصلت على جائزة "أوسكار" أو رُشِّحْت لنيلها. لكن هدفي ليس الشهرة أو الوصول إلى مكان مُحدّد. وإنّ اللحظة التي شعرت فيها أنني نجحت في عملي، كانت عندما تحدّث ولد في "قصة ثواني" عن أنّه تعرّض للاعتداء الجنسي، وتمكّنتُ من إخراجه من الدراما الحقيقية التي يعيشها في حياته الواقعية. وطالما أنني أستطيع التأثير في الناس عبر أعمالي، أشعر بالنجاح والفرح بما أقوم به.