تستحق صفقة انتقال نيمار إلى باريس سان جيرمان أن توصف بقنبلة الميركاتو الصيفي، نظراً لقيمة البرازيلي الكبيرة في عالم المستديرة، وعنصر المفاجأة الذي استخدمه اللاعب في طلب الرحيل من برشلونة، ودفعه للشرط الجزائي الخاص بعقده كاملاً، 222 مليون يورو، إلى خزائن النادي الكتالوني، ليصبح اللاعب حراً طليقاً، ويوقع مع نادي العاصمة الفرنسية بمقابل مادي هو الأغلى في تاريخ كرة القدم حتى الآن.
وبعيداً عن القيمة الفنية لنيمار مع سان جيرمان، أعادت هذه العملية حرب الانتقالات المدوية، وفتحت الباب على مصراعيه أمام نجوم اللعبة في ترك أنديتهم بعد دفع الشرط الجزائي بدون مشاكل. ولا تنص قوانين الفيفا على إجبار الأندية على وضع شروط جزائية في عقود أعضاء الفريق، لكن هذا الأمر شائع بقوة في إسبانيا، على وجه الخصوص، مع وجود أندية أوروبية أخرى على نفس الخط، لذلك ربما لن يكون نيمار اللاعب الأخير الذي ينتقل بهذه الطريقة، خصوصاً بعد اشتعال بورصة الانتقالات وتقديم الأندية مبالغ فلكية من أجل العودة إلى منصات التتويج.
التدخل الإسباني
يشرح المحلل المالي والمحامي المختص بشؤون اللاعبين، دانييل غيي، في مقال مكتوب بتاريخ إبريل 2014، الفروقات بين الشرط الجزائي وشرط التفريط في اللاعب، بمعنى أن الشرط الجزائي هو الرقم الذي يضعه النادي في عقود لاعبيه، حتى يسمح لهم بالرحيل في حالة دفعه، كما حدث في حالة نيمار مؤخراً، فالبرازيلي وضع في حساب برشلونة شيكاً بالمبلغ الكلي، وبالتالي لم يقدر البلاوغرانا على التمسك به، ليوقع اللاعب فيما بعد مع باريس سان جيرمان، ويعرف هذا الاتجاه في اقتصاديات اللعبة بالـ Buy-Out Clause أو كسر الشرط الجزائي، وليس بالضرورة أن يكون الرقم واقعيا أو مناسبا، لأن النادي يضع أي رقم حتى لو كان فلكيا، وبالتالي تفسر هذه المعلومات الأسباب وراء وضع بيريز مبالغ أسطورية في عقود لاعبيه، بمن فيهم بنزيمة.
في أوروبا، لا يوجد إجبار بالنسبة للأندية على وضع شروط جزائية، فنادٍ مثل باريس لا يضع شرطا في عقد فيراتي، بينما فرق فرنسية أخرى تضع مثل هذه الأمور، لكن في إسبانيا الأمر مختلف، لأن الحكومة الإسبانية تجبر جميع الأندية على وضع شرط جزائي في عقود اللاعبين، بالمثل كما يحدث مع الشركات والمؤسسات التجارية والصناعية، حيث إن هذا الأمر يندرج تحت مسمى الحقوق الشرعية للجميع بلا استثناء، ويُشرف عليه مباشرة مكتب عمل متخصص في مثل هذه الأمور، لذلك يضع برشلونة وريال مدريد هذه الأرقام في عقود لاعبيهم، ولا يملكون رفاهية الرفض أو الاختيار.
تختلف الأمور كلياً في إنكلترا وألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر، من خلال وضع شروط التخلي بين اللاعب والنادي الذي يملك بطاقته، لتسهيل عملية الانتقال في حالة المفاوضات الجدية أو رغبة اللاعب في عدد دقائق أكبر كمشاركات، أو حتى في حالة عدم الفوز بالبطولات المحلية والقارية، أي أن هذه الشروط منطقية ويمكن تنفيذها عكس المعمول به في إسبانيا.
شروط مرنة
ليفربول في فترةٍ ما وضع بندا عُرف بـ"حسن النية" في عقد لويس سواريز أثناء تواجده داخل النادي، وينص على أن جميع الأطراف مطالبة بالتفاوض بحسن نية بمجرد تقديم العطاء من جانب النادي الذي يريد ضمه. الأهم من ذلك، شرط حسن النية لا يؤدي تلقائياً إلى قبول العرض، ولكنه يُسرع بعض الشيء من وتيرة المفاوضات.
يستمر دانييل غيي في حديثه الشيق والوافي حول هذه المعضلة الاقتصادية، ويضرب مثالاً بالسنغالي ديمبا با، لأن اللاعب وضع في عقده شرطاً ينص على السماح بانتقاله إلى أحد الفرق المشاركة في الشامبيونزليغ مقابل 7 ملايين جنيه إسترليني، لينتقل من نيوكاسل إلى تشيلسي وفق هذا البند، لكن لو كان تشيلسي غير مشارك في دوري الأبطال، من المستحيل الموافقة على عقده دون الرجوع للفريق الأصلي الذي يحق له الرفض.
تياغو ألكانترا، نجم بايرن الحالي، انتقل إلى ميونخ بسبب وجود شرط في عقده ينص على السماح له بالرحيل، في حالة عدم لعب مباريات أقل مع برشلونة، وهذا ما حدث خلال موسم 2012-2013، لكن بايرن في النهاية اتفق مع برشلونة على صيغة توافقية حتى يهرب من دفع قيمة الضرائب للحكومة الإسبانية، إذ إن اللوائح القانونية تؤكد ضرورة دفع مبلغ إضافي خاص يزيد عن القيمة المطلوبة، فنيمار دفع لبرشلونة 222 مليون يورو، وسيدفع باريس لإسبانيا ضرائب قد تصل إلى 70 مليونا، لتصل القيمة الإجمالية إلى 300 مليون، لأن النادي الكتالوني رفض البيع من الأساس.
الحالة المستحيلة
تأخر برشلونة كثيراً في عقد صفقاته خلال الصيف الحالي، ليفاجأ برحيل نيمار إلى باريس سان جيرمان، ويتم إجباره على الرضوخ لمطالب الأندية، فإدارة النادي الكتالوني مستعدة لدفع أكثر من 200 مليون يورو مع المتغيرات لجلب كل من كوتينيو وديمبلي، بعد الثورة التي أوجدها نيمار عند ذهابه إلى باريس، ليضع فريقه السابق في ورطة حقيقية، بضرورة التعامل مع المعطيات الجديدة، ودفع ما يريده المنافسين حتى يصل إلى مرحلة الرضا الجماهيري قبل غلق فترة الانتدابات.
لن ينجح بارتوميو، رئيس برشلونة، في جلب كوتينيو وديمبلي إلا بموافقة أنديتهم، لأن هذا الثنائي لا يملك في عقوده أي شروط جزائية أو حتى شرط التخلي، وبالتالي حتى وإذا لم يشارك أي لاعب طوال الموسم، ولم يحصل على أي بطولة كبيرة أو صغيرة، لا يحق له المطالبة برحيله إلا عن طريق موافقة فريقه. وبعد تقديم كوتينيو طلب الرحيل، من الممكن لفريق ليفربول الموافقة أو الرفض من دون استقبال أي عقوبات من اليويفا أو الفيفا.
ليفربول نفسه وقع في هذا الفخ، خلال الصيف الحالي، بعد مفاوضاته القوية مع فان ديك ونبي كيتا، لكن ساوثهامبتون ولايبزيغ أجهضا كل الطرق نحو إتمام الصفقتين، فالفريق الإنكليزي قدم شكوى رسمية في الليفر، لأنه لم يتفاوض معه مباشرة واتجه إلى اللاعب، أما النادي الألماني فأصرت إدارته على عدم البيع بأي ثمن حتى لو وصل الرقم إلى 80 مليون يورو، لأن نبي كيتا لا يوجد في عقده أي شرط جزائي أو شرط تخل، وشارك في مباريات عديدة مع الفريق بالدوري، وصعد إلى دوري أبطال أوروبا هذا الموسم.
لن يكون الأخير
رحل نيمار إلى الليغ1 رغم أنف برشلونة، لكن هذه الحالة لن تكون الأخيرة بالفترة المقبلة، لأن هناك عدة نجوم لديهم شروط جزائية ضعيفة، من الممكن دفعها حالياً بعد الارتفاع الجنوني في أسعار اللاعبين. ومن الممكن أن يعاني البارسا مرة أخرى ويُلدغ من نفس الجحر مرتين، لأن مدافع بقيمة أومتيتي لديه شرط جزائي قيمته 60 مليون يورو فقط في عقده، وإذا تم إضافة الضرائب الحكومية التي تتراوح نسبتها بين 20 و50% تقريباً، فإن الصفقة قد تصل إلى 75 مليون يورو، وهو رقم غير كبير بالنسبة لقدرات وإمكانات المدافع الفرنسي.
سيرجي روبرتو أيضاً بطل "الريمونتادا" التاريخية، يستطيع الذهاب إلى أي ناد بعد دفع مبلغ 40 مليون يورو بالإضافة إلى الضرائب، وتراقب فرق البريميرليغ موقف اللاعب، مع قدرته على شغل مراكز الظهير والارتكاز ولاعب الوسط الهجومي. ولا يختلف الأمر في بقية فرق إسبانيا باستثناء ريال مدريد، فأثليتك بلباو لن يمنع مدافعه الأشهر إيمريك لابورتي من الرحيل، إذا وفر اللاعب عرضاً بقيمة 65 مليون يورو، وتبدو هذه الأرقام صعبة سابقاً، لكن في الوقت الحالي أصبحت عادية مقارنة بالغير.
غريزمان هو الآخر يمكنه الرحيل في الصيف المقبل لأي ناد مقابل دفع 100 مليون يورو، بعد تخفيض الرقم من 200 في الصيف الحالي. ولم تقتصر قائمة التهديدات على نجوم الليغا، فنجم نيس جان سيري، الملقب بتشافي أفريقيا، لديه بند في عقده يسمح له بالانتقال في حالة دفع النادي الآخر مبلغ 40 مليون يورو فقط.
يقول رئيس نيس، جان بيير ريفيري، عن هذه الأخبار، إنه عندما وقع مع سيري منذ عامين، سخر الجميع في فرنسا من وضعه شرطا جزائيا في عقد اللاعب على طريقة الأندية الإسبانية وبعض الفرق الإنكليزية، لأن اللاعب الأفريقي لم يكن معروفاً وقتها، وتعتبر قيمة 40 مليونا كبيرة للغاية وغير منطقية، لكن في الوقت الحالي صار هذا الرقم أكثر من مقبول، فهل يستغل أحد الكبار هذا الخطأ غير المقصود من رئيس نيس، للتعاقد مع أحد أفضل لاعبي الوسط في الدوري الفرنسي!؟