للمرة الثانية في أقل من شهرين، يغادر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مقر إقامته المؤقت في العاصمة السعودية الرياض، متوجهاً إلى الولايات المتحدة للعلاج، في تطور يثير العديد من التساؤلات، حول ما إذا كان الوضع الصحي للرئيس اليمني، سيؤدي إلى فرض معطيات جديدة، بالترافق مع التسريبات حول تعيينات مرتقبة في الحكومة الشرعية، وفي ظل التحضيرات التي يجريها المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، لعقد جولة جديدة من المفاوضات بين الأطراف اليمنية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وأكدت مصادر في الرئاسة اليمنية، لـ"العربي الجديد"، أن مغادرة هادي الرياض إلى الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، جاءت دون سابق إنذار، إذ لم يكن العديد من مستشاريه يعلمون عنها، وجاءت نتيجة لظروف مرتبطة بحالته الصحية، إذ يعاني من مرض في القلب منذ سنوات، ويجري فحوصات طبية في الولايات المتحدة، ويسافر إلى الأخيرة بصورة شبه دورية، أو متى تدهورت حالته الصحية.
وللمرة الأولى، تتطلب صحة هادي السفر إلى الولايات المتحدة مرة ثانية خلال أقل من شهرين، إذ غادر إلى الأخيرة مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وأجريت له فحوصات طبية، وخرج بعدها بأيام بكلمة متلفزة، إلى اليمنيين، رد فيها على الشائعات التي تحدثت عن وفاته، وأكد أن "صحته طيبة"، قبل أن يشارك في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ويعود إلى الرياض، في 28 الشهر نفسه. ومنذ عودته، ظهر هادي في عدة اجتماعات، ليتوارى بعدها اعتباراً من الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الحالي. لكنه، وللمرة الأولى، ألقى خطاباً مرتجلاً عشية الذكرى الـ55 لثورة 14 أكتوبر، تحدث فيه عن أربع محاولات اغتيال تعرض لها أثناء تواجده في صنعاء. كما وجه رسالة غير مباشرة إلى "الانفصاليين"، المدعومين إماراتياً، أو ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، بأنه لن يسمح باقتتال "الجنوبيين"، وتكرار ما حدث في صنعاء بعدن، في إشارة لانقلاب جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائها وسيطرتهم على العاصمة في العام 2014، في ظل محاولة حلفاء أبوظبي تكرار التجربة بعدن، من خلال الدعوة إلى إسقاط المؤسسات الحكومية.
إلى جانب ذلك، كان القرار الأهم الذي أصدره هادي، منذ عودته من الولايات المتحدة، الإطاحة برئيس الحكومة السابق، أحمد عبيد بن دغر، بقرار، حمل مضامين تتهمه بالفشل بالعديد من الملفات وأحاله على التحقيق. وعين معين عبد الملك كرئيس حكومة بدلاً منه، بعدما كان يشغل منصب وزير الأشغال بحكومة بن دغر. وقال عبد الملك، في أول زيارة ميدانية له منذ تعيينه، إلى محافظة المهرة شرقي البلاد، لتفقد آثار إعصار لبان" الذي ضرب المحافظة، إن حكومته ستركز على إعادة الإعمار وعلاج الملف الاقتصادي، والتغلب على التحديات الطارئة التي تواجه البلاد. وأضاف "سننزل إلى الميدان للعمل مع أبناء محافظة المهرة، لمساعدتهم في إعادة بناء ما دمره إعصار لبان". وحث "الجميع على الالتفاف خلف القيادة السياسية، ودعم الحكومة في توجهاتها الجديدة، لما من شأنه تحقيق تطلعات وآمال اليمنيين بعد أعوام من الاضطراب والتدهور".
وفي السياق، جاء سفر هادي إلى أميركا للعلاج وسط معلومات متواترة من مصادر قريبة من الشرعية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن مشاورات لإعلان حكومة مصغرة، أو إجراء تعديل وزاري يشمل العديد من الحقائب، تماشياً مع التوجه نحو إحداث تغيير في أداء الشرعية، في ظل فشلها بإدارة غالبية الملفات، بما فيها الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى تحقيق رغبات أطراف في التحالف السعودي الإماراتي، الذي يتخذ موقفاً من العديد من وزراء الحكومة، وخصوصاً بالنسبة لأبوظبي التي دخلت في صراع علني مع الحكومة الشرعية في المناطق الجنوبية والشرقية. لكن لا يزال من غير الواضح، ما إذا كان سفر هادي سيؤدي إلى تأجيل إجراء تعديل وزاري واسع أو تشكيل حكومة مصغرة. إلا أن تدهور الحالة الصحية للرجل، البالغ من العمر 73 سنة، على النحو الذي يتطلب سفره مرتين إلى الولايات المتحدة أمر يثير العديد من التساؤلات، حول حالته الصحية وإمكانية أن يعود لممارسة مهامه بشكل طبيعي، أو ما إذا كان هذا الأمر سيؤثر مستقبلاً على الحرب، التي تصاعدت مع إعلان التحالف تدشين عمليات عسكرية، استجابة لطلب هادي بعد أن لحق به الحوثيون وحلفاؤهم السابقون من الموالين للرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، إلى عدن، في مارس/آذار 2015.
من زاوية أخرى، تأتي مغادرة هادي في وقتٍ يواصل فيه المبعوث الدولي مارتن غريفيث، جهوده الدبلوماسية الرامية إلى عقد جولة جديدة من المشاورات بين طرفي المفاوضات (الحوثيون والحكومة)، أو لقاء يناقش الترتيبات الاقتصادية على الأقل. وكان غريفيث سبق أن أعلن أنه يسعى لعقد الجولة في نوفمبر المقبل، بعد أن فشل بجمع الأطراف حول طاولة المشاورات في جنيف في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي. وكان هادي اعتذر عن لقاء غريفيث في آخر زيارة له إلى الرياض، لأسباب غير واضحة المعالم.