في زيارته العام الماضي، كان هادي قادماً من عدن، التي شهدت آنذاك أوّل اشتباكات بين قوات مدعومة من الإمارات وقوات الشرعية، على خلفية رفض قائد القوة المكلفة بحماية مطار عدن، قراراً رئاسياً بتغييره، بإيعاز من أبوظبي التي لم تتردّد باستخدام الطائرات الحربية لقصف أحد أطقم الحرس الرئاسي الذي يقوده ناصر هادي، نجل الرئيس. واختار الأخير احتواء الأزمة وأمر القوات الموالية له بالانسحاب من محيط المطار، وغادر إلى الإمارات في سبيل محاولة التفاهم مع القادة الإماراتيين لحلّ الأزمة.
ومع تباين تفاصيل التسريبات حول الزيارة، إلا أنّها كانت ساعات عصيبة بالنسبة لهادي، الذي لم يكن في استقباله سوى رئيس جهاز الاستخبارات، اللواء علي محمد الشامسي. وذكرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في حينها، أن الرئيس سيلتقي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلا أنّه وبعد ساعات، غادر هادي أبوظبي دونما أن يُعلن عن أي لقاء رسمي، متوجهاً إلى السعودية. وكانت تلك الزيارة المحطة الأخيرة التي سبقت تحوّل الخلافات إلى قرارات عاصفة، نقلت الأزمة اليمنية الإماراتية إلى مرحلة تصعيد غير مسبوقة.
وعلى مدى أكثر من عام مضى، استطاع هادي، الذي غادر عدن لأن من يملك القرار فيها هي الإمارات، أن يتحدى الأخيرة من مقر إقامته في العاصمة السعودية الرياض، في خطوات بدأت في أواخر إبريل/ نيسان 2017، عندما أطاح بمحافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، ووزير الدولة هاني بن بريك، من منصبيهما، وكلاهما من أبرز حلفاء الإمارات في عدن. وقد دفعت هذه القرارات أبوظبي إلى اتخاذ خطوات تصعيدية توازي ما فعله الحوثيون من انقلاب في صنعاء، من خلال دعم تأسيس مجلس انفصالي في عدن، تحت مسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والذي يقف في موقعي الرجل الأول والثاني فيه المسؤولان المقالان (الزبيدي وبن بريك). وقد أعلن المجلس في كل أدبياته، تبنيه مطالب فصل الجنوب عن الشمال، كما قدّم نفسه في البداية، كسلطة انفصالية ستتولّى إدارة المناطق اليمنية الجنوبية والشرقية، قبل أن يتراجع سقفه تحت تأثير الانكشاف الذي وقعت فيه أبوظبي، وسط صمت الرياض، وذلك بتبني تقسيم اليمن، بما لا يدع مجالاً للشك.
مع مطلع العام الجاري، كانت أزمة الشرعية اليمنية - أبوظبي، قد دخلت مرحلة غير مسبوقة من التصعيد، تطورت إلى مواجهات عسكرية بين أنصار "الانتقالي" المدعوم إماراتياً، وقوات الحرس الرئاسي، راح ضحيتها العشرات من الجانبين، وجعلت من عدن حرب شوارع، قبل أن تهدأ بوساطة سعودية في وقتٍ لاحق. وجدت الإمارات نفسها أمام تحوّل، تمثّل بخروج مسؤولين حكوميين على مستوى وزراء، يتهمونها بمنع هادي من العودة إلى عدن، ويهاجمون سياساتها ويعتبرونها أقرب ما تكون إلى تصرفات "محتل". وصدرت تلك التصريحات عن وزير الداخلية أحمد الميسري وعن وزير النقل صالح الجبواني، وبدرجة ثانية عن وزير الخارجية السابق عبد الملك المخلافي.
عقب ذلك، جاءت أزمة سقطرى في مايو/ أيار الماضي الأخطر من كل ما سبقها، حيث قامت أبوظبي بخطوة غير محسوبة، باحتلال ميناء الجزيرة ومطارها وطردت القوات اليمنية أثناء وجود رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر على رأس وفد حكومي هناك. وعلى أثر ذلك، أصدر مجلس الوزراء اليمني بياناً رسمياً رفض الإجراءات الإماراتية العسكرية في سقطرى، وسلمت بعثة اليمن الدائمة في الأمم المتحدة شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي تعترض على خطوات الإمارات، وتؤكد أن الخلافات تمتد على مختلف المناطق "المحررة" من الحوثيين. كل ذلك جعل أبوظبي أمام تحدٍ غير مسبوق، ينذر بانتكاسة لنفوذها في اليمن ولسياساتها الخارجية عموماً، لتضطر إلى المراجعة.
هذه المرة، ذهب هادي إلى أبوظبي وهو يشعر بأنه منتصر، وأنه استطاع أن يثبت ومعه حكومته، أنّ القوة العسكرية والأموال التي تنفقها الإمارات، لا تكفي وحدها للحفاظ على نفوذها في اليمن، وأنه لا يمكن تجاوز "الشرعية" المعترف بها دولياً، والتي كان دعمها المبرر الذي جاء تحت غطائه التحالف. وبالتالي، فإن هادي - الذي لم يستقبله حتى وزير الخارجية في فبراير 2017، جاء إليه اليوم وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد لتقديم الدعوة للزيارة، في أكبر مؤشرٍ على وجود مراجعة إماراتية، فرضتها الأحداث التي كادت أن تعصف بنفوذ أبوظبي من أساسه، بدليل ما حدث في سقطرى.
ومن الواضح، من خلال التقرّب الإماراتي من القيادة اليمنية الشرعية، أنّ تحولاً مهماً على صعيد أحداث اليمن السياسية بدأ للتو، إذ إن ملف الخلافات الإماراتية مع الشرعية، يقع على رأس قضايا المناطق اليمنية غير الخاضعة للحوثيين، ويترتب عليه الكثير من الملفات الأمنية والسياسية. ويبقى السؤال الكبير في ظلّ ذلك، عمّا إذا كانت المراجعة الإماراتية للسياسة العدائية مع الشرعية، ستشمل مراجعة ما يتعلّق بدعم "المجلس الانتقالي" (الانفصالي)، وكذا في ما يتعلّق بترتيب أوضاع عدن الأمنية، على نحوٍ يسمح بعودة الرئيس ومسؤولي حكومته إلى البلاد.