عادت قرارات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الواجهة من جديد لتشعل تساؤلات كثيرة بعد إطاحته باثنين من رجالات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، من قيادتي محافظتي أبين ولحج، المحيطتين بمحافظة عدن التي انتقل إليها هادي.
وأصدر هادي يوم الأحد الماضي، قرارين جمهوريين، قضى الأول بتكليف أحمد مهدي فضيل، قائماً بأعمال محافظ محافظة لحج، خلفاً للمحافظ أحمد عبد الله المجيدي، فيما قضى الثاني بتكليف الخضر السعيدي، قائماً بأعمال محافظ محافظة أبين، خلفاً للمحافظ السابق جمال العاقل.
وبهذا يكون هادي قد أطاح باثنين من رجالات صالح، وُجّهت لهما اتهامات من قبل أطراف عدة، بالمساهمة في سقوط محافظتيهما، وتسليمهما للحوثيين وصالح.
ويُعرف المجيدي بولائه الشديد لصالح، وهو مُتهم بأنه يقف وراء سقوط قاعدة العند ولحج، وتسهيل وصول الحوثيين والقوات الموالية لصالح إلى حدود عدن. كما أن اتهامات وُجّهت له، من قِبل قيادات عسكرية، بأنه وراء اعتقال الحوثيين للقيادات العسكرية الميدانية الموالية لهادي، وفي مقدمتهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، وشقيق الرئيس ووكيل جهاز الأمن السياسي لمحافظات عدن ولحج وأبين اللواء ناصر منصور هادي، وقائد اللواء 119 اللواء فيصل رجب، في معركة الحوطة عاصمة محافظة لحج، فيما لم يؤكد المجيدي أو ينفِ الاتهامات الموجّهة له، باستثناء إعلانه أنه لم يتم إبلاغه حتى اللحظة بقرار الإقالة، مؤكداً أنه سيقبل بها حين يتم تبليغه.
أما جمال العاقل، المنتمي مع هادي للمحافظة نفسها، فهو كان موالياً للرئيس السابق. وتُطرح تساؤلات حيال ما يقوم به رجال صالح، والاختراقات التي تطال إدارة حكم هادي، لا سيما أن الإطاحة بهذه القيادات تأتي بعد أيام من سيطرة الحوثيين والقوات الموالية لصالح على محافظتي لحج وأبين.
كما أن الرئيس اليمني، لا يألو جهداً منذ توليه الحكم، في مساعيه تأمين حكمه من خلال إجراءات إدارية تطيح بالبعض وتبدّل آخر، لعل وعسى أن تصيب قراراته في إحداها، لا سيما في أماكن كان يجب أن تكون تحت قبضته، وليس تحت قبضة خصومه السياسيين.
اقرأ أيضاً: ورقة صالح الفاشلة: استعطاف الخليج
وتقول مصادر سياسية لـ "العربي الجديد"، إن "عملية الاختراقات لطاقم حكم هادي استمرت حيناً، فيما جرى تصفية موالين له حيناً آخر، وكانت هذه الاختراقات تُوجّه له ضربات قاتلة، حتى وصل حكمه إلى ما هو عليه الآن"، لافتة إلى أن الرجل "كان يعتمد على طاقم خصمه اللدود؛ وهو لا يدري أن من كان يستعين بهم، لا سيما في القرارات أو القضايا الهامة، أو في المؤسسات الحكومية الأهم، هم من كانوا يوجّهون له الضربة تلو الأخرى".
وكان هادي يعمل على الاستعانة ببعض القيادات الجنوبية في السلطة، لكن حتى تلك القيادات حسب مصادر مقربة من الرجل، كانت تعمل لغيره، على الرغم من أن هادي كان يثق في الكثير منها، إلا أنها سرعان ما كانت تنقلب عليه.
ولذلك فإن قرارات الرئيس اليمني الجديدة، تأتي في سياق اجتثاث ما يمكن من خلايا صالح النائمة، لا سيما الجنوبية منها، فهو بات بحسب مقربين منه لا يثق كثيراً بمن حوله من كثرة ما تعرض له من خيانات، سواء داخل المؤسسات الأمنية أو العسكرية والسياسية، أو حتى داخل الأطراف السياسية من أحزاب ومكونات، التي كانت تمارس معه لعبة الابتزاز، في ظل محاصصة حكومية حزبية كانت تخضع للأحزاب، أكثر مما تخضع لهادي نفسه.
لذلك فإن هادي ومن خلال المرحلة الحالية والمقبلة، وفي ظل المجريات على الأرض، ومع قرار التدخل الخليجي والعربي، فإنه أمام مهمة صعبة لإعادة بلورة نظام حكمه، وتأمين الجنوب حالياً، لا سيما مع احتمال حصول تدخّل بري للتحالف الداعم لشرعيته.
وتبدو كل قوى الرئيس اليمني مشتتة، ويحتاج إلى من يلملمها، لا سيما بعد المؤامرة الكبيرة التي تعرّض لها خلال الأيام القليلة الماضية، والتي مكّنت خصومه من إسقاط المحافظات الجنوبية، بما فيها أجزاء من عدن بسهولة تامة، وبمساعدة من كان يعتقد أن جنوبيتهم ستشفع في الإخلاص له، لكن هذه الثقة اهتزت، لا سيما من قيادات كبيرة، وخصوصاً تلك التي كانت قد شاركت في الدولة مع صالح قبل وصول هادي إلى الحكم.
لذلك يعتقد الكثيرون أن هادي قد يلجأ للوجوه الجديدة والمستقلة، وكذلك الشبابية ذات الكفاءة المهنية، وبدأ واضحاً من خلال تعييناته الأخيرة، التي شملت وجوهاً جديدة، بدءاً بمدير مكتبه محمد مارم ووزير الخارجية رياض ياسين.
كما أن هادي مُطالب اليوم من قِبل أطراف سياسية يمنية وخارجية، بتشكيل جيش جديد، إذا أراد الاستمرار في الحكم، ولا بد أن يراعي في ذلك الجغرافيا والكثافة السكانية، وبما يتناسب وعمليات "عاصفة الحزم"، مع احتمال تكليف وزير دفاع جديد، خلفاً للصبيحي.
كما أن إعادة تأمين إدارته أيضاً يتطلب استغلال التدخّل العربي الجديد، والإسراع في إعادة الهيكل الإداري للدولة، وتغيير سياسة حكمه السابقة.