06 نوفمبر 2024
هبّة البراق.. معركة الوطن
مرّت هذا العام الذكرى التسعون لهبّة البراق في فلسطين عام 1929. ويقودني اختيار مسبق بأن أتناولها من خلال الاستئناس ببعض الكتابات اليهودية، إلى التنويه بالمصدرين التاليين:
الأول، كتاب "هبّة البراق: 1929 سنة الصدع بين اليهود والعرب"، لمؤلفه هليل كوهين، أستاذ تاريخ قضية فلسطين في الجامعة العبرية ـ القدس، وصدر عام 2013 وتُرجم إلى العربية عام 2018، من مركز الدراسات الإسرائيلية - مدار في رام الله. ويسعى الكتاب إلى تقديم منظور تاريخي، يمكن توصيفه بأنه أقلّ أحادية، تأدّى عنه "تفسير مُتفهّم" للرواية التاريخية الفلسطينية حيال الصراع عموماً، وحيال الموقف من الحركة الصهيونية خصوصاً، ارتباطاً بتلك الهبّة.
من مقولات الكتاب المهمة أنه في 1929، بعد نحو مائة عام من الهجرات اليهوديّة إلى فلسطين، برعاية دول عظمى أجنبية، وإثر نشاط صهيوني منظَّم استمر نحو خمسين عاماً، تبيّن للسكان الفلسطينيين أن اليهود لم يكونوا مجرّد طالبي لجوء فقط، بل أيضاً كانوا مستحوِذين وطالبي سيادة. وتحت تأثير الصهاينة، شرع حتى اليهود من قدامى السكان في البلد الذين كانوا يتطلعون إلى العيش بمساواة مع جيرانهم، وليس إلى إنشاء دولة قومية بهدي الصهيونية الأوروبية، يتبنّون الفكرة الصهيونية وينبهرون بإمكان قيام دولة يهودية في فلسطين. ومجرّد ذلك جعل اليهود بمثابة كتلةٍ واحدةٍ في نظر هؤلاء السكان. ولذا فخلال أعمال القتل في 1929 لم يكن العرب من ناحيتهم "يقتلون جيرانهم اليهود، وإنما أعداءهم الذين يحاولون الاستيلاء على وطنهم"!
الثاني، الخطاب الذي ألقاه مستشار الجامعة العبرية، يهودا ليف ماغنس، لدى افتتاح العام الدراسي الجديد في هذه الجامعة، والذي نُشر نصه الكامل في صحيفة دافار يوم 20/11/1929، ودعا فيه إلى إيجاد السبل الكفيلة بإنشاء حياة وعمل مشتركين للجميع في فلسطين، بالمفهوم الثقافي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، وكل المفاهيم الأخرى. وأثار هذا الخطاب حملةً ضده، بلغت ذروتها بالمطالبة بإقالته، قادتها مجموعتان من الطلبة الجامعيين، كان في عداد إحداها بنتسيون نتنياهو، والد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
ووفقاً للوقائع المؤرشفة، أشدّ ما أثار حفيظة الذين أجّجوا تلك الحملة ضد ماغنس الكلمات التالية في خطابه: "إذا كان السند الوحيد الذي سيتكئ عليه البيت القومي العبري هو رماح إمبراطورية ما، فإن كل ما نقوم به يصبح غير جدير [...] إن أحد أكبر الواجبات الثقافية للشعب العبري يكمن في محاولة الدخول إلى الأرض الموعودة ليس عن طريق الاحتلال التي سلكها يهوشع [بن نون]، وإنما عن طريق السلام والثقافة، والعمل الصعب، والتضحية، والحب، والإصرار على عدم القيام بأي عمل يخالف الضمير العالمي".
كان ماغنس من جماعة "بريت شالوم" التي رفعت لواء إقامة سلطة ثنائية القومية في فلسطين، من خلال التنازل المسبق عن غاية تحقيق أكثريةٍ يهوديةٍ في البلد، لمصلحة الاكتفاء بمكانة أقلية. وعقب هبة 1929، سعت إلى التوصل إلى تسوية مع العرب، غير أن هذه المقاربة جوبهت بالرفض، جملة وتفصيلاً، من ألوان الطيف كلها داخل الحركة الصهيونية. وتبنى "الييشوف" اليهودي، في معظمه، حلاً مضادّاً لحل الدولة الثنائية القومية، وقفت في صلبه إقامة دولة يهودية على المدى البعيد من خلال مراكمة عوامل القوة برعاية الانتداب البريطاني الذي تعهد، في ذلك الوقت، بـ"تسريع وتائر الهجرة اليهودية" و"تكثيف الاستيطان اليهودي".
وفي أكثر من دراسة، يُقارن ماغنس بالنبي إرميا، الذي تقول الحكاية إنه أحد أنبياء بني إسرائيل بعد إشعياء. وكان مؤمناً، صالحاً، ورعاً، زاهداً، قدّيساً، كثير البكاء من خشية الله، فعُرف بالبَكّاء. وبعثه الله إلى بني إسرائيل بعد أن عصوه، وأظهروا المعاصي، وقتلوا الأنبياء والصلحاء، ليهديهم ويرشدهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحذّرهم من غضب الجبار، فوقف بكل حزم أمام شركهم ومظالمهم الاجتماعية، فكانت مدة خدمته 41 عاماً، ولكنهم قابلوه بالعصيان والتمرّد والتكذيب، ثم ألقوا القبض عليه وسجنوه، وقضى بالسجن عشرة أعوام إلى أن أطلقه نبوخذ نصر وأحسن معاملته.
من مقولات الكتاب المهمة أنه في 1929، بعد نحو مائة عام من الهجرات اليهوديّة إلى فلسطين، برعاية دول عظمى أجنبية، وإثر نشاط صهيوني منظَّم استمر نحو خمسين عاماً، تبيّن للسكان الفلسطينيين أن اليهود لم يكونوا مجرّد طالبي لجوء فقط، بل أيضاً كانوا مستحوِذين وطالبي سيادة. وتحت تأثير الصهاينة، شرع حتى اليهود من قدامى السكان في البلد الذين كانوا يتطلعون إلى العيش بمساواة مع جيرانهم، وليس إلى إنشاء دولة قومية بهدي الصهيونية الأوروبية، يتبنّون الفكرة الصهيونية وينبهرون بإمكان قيام دولة يهودية في فلسطين. ومجرّد ذلك جعل اليهود بمثابة كتلةٍ واحدةٍ في نظر هؤلاء السكان. ولذا فخلال أعمال القتل في 1929 لم يكن العرب من ناحيتهم "يقتلون جيرانهم اليهود، وإنما أعداءهم الذين يحاولون الاستيلاء على وطنهم"!
الثاني، الخطاب الذي ألقاه مستشار الجامعة العبرية، يهودا ليف ماغنس، لدى افتتاح العام الدراسي الجديد في هذه الجامعة، والذي نُشر نصه الكامل في صحيفة دافار يوم 20/11/1929، ودعا فيه إلى إيجاد السبل الكفيلة بإنشاء حياة وعمل مشتركين للجميع في فلسطين، بالمفهوم الثقافي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، وكل المفاهيم الأخرى. وأثار هذا الخطاب حملةً ضده، بلغت ذروتها بالمطالبة بإقالته، قادتها مجموعتان من الطلبة الجامعيين، كان في عداد إحداها بنتسيون نتنياهو، والد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
ووفقاً للوقائع المؤرشفة، أشدّ ما أثار حفيظة الذين أجّجوا تلك الحملة ضد ماغنس الكلمات التالية في خطابه: "إذا كان السند الوحيد الذي سيتكئ عليه البيت القومي العبري هو رماح إمبراطورية ما، فإن كل ما نقوم به يصبح غير جدير [...] إن أحد أكبر الواجبات الثقافية للشعب العبري يكمن في محاولة الدخول إلى الأرض الموعودة ليس عن طريق الاحتلال التي سلكها يهوشع [بن نون]، وإنما عن طريق السلام والثقافة، والعمل الصعب، والتضحية، والحب، والإصرار على عدم القيام بأي عمل يخالف الضمير العالمي".
كان ماغنس من جماعة "بريت شالوم" التي رفعت لواء إقامة سلطة ثنائية القومية في فلسطين، من خلال التنازل المسبق عن غاية تحقيق أكثريةٍ يهوديةٍ في البلد، لمصلحة الاكتفاء بمكانة أقلية. وعقب هبة 1929، سعت إلى التوصل إلى تسوية مع العرب، غير أن هذه المقاربة جوبهت بالرفض، جملة وتفصيلاً، من ألوان الطيف كلها داخل الحركة الصهيونية. وتبنى "الييشوف" اليهودي، في معظمه، حلاً مضادّاً لحل الدولة الثنائية القومية، وقفت في صلبه إقامة دولة يهودية على المدى البعيد من خلال مراكمة عوامل القوة برعاية الانتداب البريطاني الذي تعهد، في ذلك الوقت، بـ"تسريع وتائر الهجرة اليهودية" و"تكثيف الاستيطان اليهودي".
وفي أكثر من دراسة، يُقارن ماغنس بالنبي إرميا، الذي تقول الحكاية إنه أحد أنبياء بني إسرائيل بعد إشعياء. وكان مؤمناً، صالحاً، ورعاً، زاهداً، قدّيساً، كثير البكاء من خشية الله، فعُرف بالبَكّاء. وبعثه الله إلى بني إسرائيل بعد أن عصوه، وأظهروا المعاصي، وقتلوا الأنبياء والصلحاء، ليهديهم ويرشدهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحذّرهم من غضب الجبار، فوقف بكل حزم أمام شركهم ومظالمهم الاجتماعية، فكانت مدة خدمته 41 عاماً، ولكنهم قابلوه بالعصيان والتمرّد والتكذيب، ثم ألقوا القبض عليه وسجنوه، وقضى بالسجن عشرة أعوام إلى أن أطلقه نبوخذ نصر وأحسن معاملته.