يعيد استهداف تنظيم "ولاية سيناء" عدداً من المقرات الأمنيّة والعسكريّة في محافظة شمال سيناء المصرية، وتحديداً في مدن العريش والشيخ زويد ورفح، مساء أول من أمس، إلى أذهان المصريين، مشهد استهداف التنظيم قبل عامين، لمقرّات أمنيّة عديدة. لكنّ الاعتداءات الأخيرة، والتي تُعدّ الأكثر دموية خلال السنوات الماضية ضد قوات الجيش والشرطة، تعكس حجم التطور والنقلة النوعيّة في عمليات وتكتيك التنظيم، الذي أعلن مبايعته لتنظيم "الدولة الإسلامية" وزعيمها أبو بكر البغدادي، قبل أشهر عدّة، وهو ما يعكسه قطع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته إلى إثيويبا وعودته على وجه السرعة إلى مصر.
وفي حين طالت هجمات التنظيم، قبل عامين، أقساماً للشرطة وكمائن للجيش على الطريق الدولي بين رفح والشيخ زويد والعريش، استهدفت الهجمات الأخيرة قلب التخطيط العسكري، أي مديرية أمن شمال سيناء والمنطقة الأمنية في ضاحية السلام، واستراحة الضباط، والكتيبة 101، وكمائن الغاز في جنوب العريش وشرقه، وكمائن البوابة وأبو طويلة والجورة، فضلاً عن معسكر الزهور في الشيخ زويد، وكمائن الماسورة ولافي في رفح، وأقسام شرطة العريش وأهداف أخرى في الشيخ زويد ورفح.
وبخلاف الهجوم المذكور والذي استخدمت فيه أسلحة ثقيلة، شنّ التنظيم "هجوماً موسعاً متزامناً"، مستخدماً "3 مفخّخات (سيارات)، وانغماسيين (انتحاريين)"، فضلاً عن قذائف الهاون والصواريخ. والأبرز هو ارتفاع عدد القتلى الذين سقطوا في هجمات الخميس، والذي بلغ 30 قتيلاً، على الأقل، وفق مصادر طبيّة مصرية، فيما رجّحت تقديرات غير رسميّة ارتفاع عدد القتلى إلى نحو خمسين، فضلاً عن عشرات الإصابات.
وتعدّ الهجمات الأخيرة على المقرات الأمنية والعسكرية، الأكبر لتنظيم "ولاية سيناء"، علماً أنّه تبنّى هجوماً على كرم القواديس في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وراح ضحيته 31 عسكرياً.
ويبدو أنّ التنظيم اعتمد تكتيكاً ليس جديداً بالنسبة إليه، لكن جرى تنفيذه بشكل دقيق، من خلال تقسيم عناصره إلى مجموعات، تضمّ 4 إلى 5 أفراد، لاستهداف عدة نقاط في وقت واحد، علماً أنّه تمّ استخدام هذا الأسلوب للمرة الأولى في الهجوم على دوريّة عسكريّة إسرائيلية قبل سنوات.
ولا يمكن عزل هذا التطوّر النوعي لتنظيم "ولاية سيناء"، عن طبيعة عملياته وتصدّيه لحملات الجيش العسكريّة في سيناء، حيث واجه عناصره حملات هدم منازل أو اعتقال أشخاص، ما أسفر عن اشتباكات عنيفة استمرت لساعتين أو ثلاث في بعض الحالات.
وفي الرابع والعشرين من الشهر الحالي، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش المصري ومسلحين، يُعتقد أنهم تابعون للتنظيم، في منطقة المزرعة، جنوبي مدينة العريش، في محافظة شمال سيناء.
وتشهد مناطق جنوب العريش دوي انفجارات عنيفة، يُعتقد أنّها خلال مداهمات ينفّذها الجيش في مناطق وجود الجماعات المسلحة. وفي السادس والعشرين من الشهر الحالي، سادت حالة من الكرّ والفرّ بين قوات الجيش ومسلحين في مناطق متفرقة من شمال سيناء. واستهدف المسلّحون قسم شرطة الشيخ زويد، باستخدام الأسلحة الثقيلة، قبل أن تردّ قوات الأمن والجيش المكلفة بحماية القسم على مصادر إطلاق النيران.
وشهدت عمليات "ولاية سيناء"، تطوراً ملحوظاً منذ إعلان البيعة لـ"داعش"، إذ أعلن التنظيم تنفيذه 11 عمليّة ضدّ قوات الشرطة والجيش في سيناء في مناطق متفرقة. وتعدّدت هذه العمليات بين استهداف مدرعات وآليات عسكرية بتفجير قنابل أرضيّة عن بُعد، تُزرع في طرق عبور تلك الآليات، فضلاً عن تنفيذ عمليات تصفية طالت بعض قادة الشرطة والجيش، واستخدام سيارات مفخّخة.
ويتوقّع باحث في الحركات الجهاديّة أن "يكثّف التنظيم عملياته خلال الفترة المقبلة، لإثبات وجوده بقوة على الساحة، وإيصال رسالة إلى النظام الحالي، مفادها أنه لا يزال يتمتع بقوة ولم يتأثر بالعمليات العسكرية الجارية في سيناء، كما يقدّم نفسه حامياً للمجتمع السيناوي، بعد عمليات هدم المنازل وتهجير سكان الشريط الحدودي وفرض حظر التجول".
ويعتمد تنظيم "ولاية سيناء" على عدد من العناصر في عملياته العسكريّة، أوّلها عنصر المفاجأة، وهو ما يبدو واضحاً في توقيت العمليّة الأخيرة، خصوصاً مع فرض حالة حظر تجول في المنطقة. ويُظهر الهجوم الأخير زيادة أعداد المقاتلين في صفوف التنظيم، الذي ربّما يكون قد نجح في استمالة بعض الأهالي الممتعضين من الوضع الذي آلت إليه أحوالهم، بعد تهجيرهم من منازلهم وهدمها. ولا يبدو مستبعداً أن يتحدّر معظم عناصر التنظيم من سيناء، ما يجعلهم أكثر دراية ومعرفة بالطرق والمسالك داخل الصحراء، مقارنة بقوات الجيش، التي يأتي معظمها من خارج المنطقة.
ويتحرك عناصر التنظيم بحرية، نسبياً، في الطرق المعروفة، بينما تواجه قوات الجيش صعوبة في التحرّك في الصحراء لملاحقة العناصر المسلحة، بخلاف التحرّك الطبيعي على الطرق الممتدة بين العريش والشيخ زويد ورفح.
وكان القيادي في التنظيم، أبو أسامة المصري، الذي تبنّى في مقطع مصوّر عملية كرم القواديس، قد حذّر السيسي من مغبّة الاستمرار في سياساته تجاه سيناء، والاستمرار في أعمال القتل. وأكّد المصري، الذي يظهر وخلفه أسلحة غنمها عناصر التنظيم خلال الهجوم، أنهم لن يتوقفوا عن قتال الجيش والشرطة، وتحدى السيسي قائلاً: "أرسل الجيش كله".
وليس بعيداً عن الرسائل العسكرية التي يوجّهها التنظيم المسلح وقياداته، يطرح تكرار هذه الهجمات التساؤلات حول مدى فعالية الإجراءات التي اتخذها نظام السيسي، في الفترة الأخيرة، بعدما كان قد طلب تفويضاً من المصريين "للقضاء على الإرهاب المحتمل" في سيناء.
وفي سياق متّصل، يسأل باحث سياسي، متحفّظاً عن ذكر اسمه، عمّا إذا كان النظام المصري الحالي "قادراً على تسويق فكرة الاستقرار الأمني في مصر، ناهيك عن الاستقرار السياسي"، قبل أن يجيب بنفسه: "بالتأكيد الإجابة لا". ويضيف: "هل يمكن ضمان حضور دولي فاعل ومؤثر للمؤتمر الاقتصادي، المزمع انعقاده في النصف الأول من شهر مارس/ آذار المقبل؟"، وهنا يتابع مجيباً: "المؤكد والمنطقي أيضاً أن تكون الإجابة لا". ويشكّك في الوقت ذاته بصعوبة "إجراء انتخابات برلمانية، في أجواء مماثلة وفي ظلّ هذا الانهيار الأمني"، على حدّ وصفه.