10 نوفمبر 2024
هجوم البقعة... "التنين" في الداخل
أعاد هجوم أحد المشتبه بتأثرهم بأيديولوجيا داعش، محمود المشارفة، قبل أيام، على مكتب للمخابرات العامة الأردنية، (في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين شمال عمّان) طرح الهواجس والتساؤلات العميقة عن مصدر التهديد والخطر على الأمن الوطني من تنظيم داعش، خصوصاً أنّ الحادثة الجديدة جاءت بعد أشهر قليلة على المواجهات غير المسبوقة بين الأمن وأعضاء موالين لداعش في مدينة إربد، بالقرب أيضاً من مخيم للاجئين الفلسطينيين هناك.
سابقاً، كان تركيز الأجهزة الأمنية على الخطر الخارجي، بعد تمدّد داعش في كل من سورية والعراق، وانتشار "الحركات الجهادية" على مقربة من الأردن، فيما تمّ الاعتماد داخلياً على قدرة الأجهزة الأمنية في رصد خلايا ومجموعات متأثرة بداعش، وإفشال أي عملية قبل أن تبدأ، نظراً لما تمتلكه من خبراتٍ وقدراتٍ على اختراق هذه الجماعات، والوصول إلى معلوماتٍ ثمينة في الوقت المناسب.
من الواضح أنّ ما حدث في البقعة وإربد غيّرا من "قواعد اللعبة"؛ إذ أثبتا، أولاً، أنّ الخطر يكمن، بدرجةٍ رئيسة، في الداخل، وثانياً أنّ أجهزة الأمن، مهما بلغ نفوذها وأين وصلت إمكاناتها، لن تستطيع أن تمنع الأعمال الإرهابية كافّة، خصوصاً مع ظاهرة "الذئاب المنفردة"، ومع ازدياد تأثير داعش أيديولوجياً على أجيال أكثر من جيل الشباب.
الأكثر خطورة في كل ما سبق أن الهجومين أثبتا أنّ الفكر الداعشي يتمدّد وينتشر في أحشاء المجتمع، ويغزو أجيالاً جديدة من الشباب، وأنّنا أمام جيل جديد من "الجهاديين"، يكسر القوالب النمطية المعروفة، ففيه متعلمون ومن أبناء الطبقة الوسطى، ومن خلفياتٍ اجتماعية متعددة، أي أصول أردنية وفلسطينية، فقبل هذه الحادثة، فوجئ الأردنيون باثنين من أبناء النواب (شرق أردنيين)، من الطبقة الوسطى، يتركون دراسة الطب في الأعوام الأخيرة، ويلتحقون بداعش لتنفيذ عمليات انتحارية. وفي الأثناء، تمكن الأمن من الإمساك بفتاة من مدينة الكرك، ذات الطابع العشائري، كانت في طريقها إلى الالتحاق بتنظيم داعش.
استطاعت الأجهزة الأمنية اختراق "الجهاديين"، وحصلت على "جائزة" كبيرة، عبر عودة أبي قتادة الفلسطيني إلى الأردن (سلّمته بريطانيا لعمّان، وبرأته محكمة أمن الدولة) لينضم إلى المنظّر الآخر العالمي للسلفية الجهادية والقاعدة، أبو محمد المقدسي، ويدشّن الاثنان، مع أتباعهما، حملة فكرية وإعلامية شرسة ضد تنظيم داعش، ما ساعد السلطات الأردنية على توفير خطابٍ مضادٍّ للخطاب الداعشي المنتشر، عبر شيوخ السلفية الجهادية. لكن، في النتيجة، أخبرني المقدسي نفسه أنّهم يمثلون أقليّة بينما الأغلبية والجيل الجهادي الأردني الجديد يميلون إلى داعش.
ما الذي حدث، ويحدث، في الداخل لينمو هذا التنين، ويكبر في أحشاء المجتمع الأردني؟ هذا هو السؤال غير المطروح رسمياً، أو السؤال الذي لا نجد جديّةً حقيقيةً في فهمه، ومحاولة الإجابة عليه. وبدلاً من التركيز على فهم التحولات الداخلية والمجتمعية، يحيل سياسيون ومثقفون كل "الشرور" إلى "شاشة" الكمبيوتر أو الآي فون، ليقولوا إنّ شبكة الإنترنت "غسلت عقول الشباب".
بالطبع، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً وأساسياً في نقل الأفكار والأيديولوجيا والتأثير على نسبة من الشباب، لكن الإنترنت تبقى "وسيلةً" لنقل "الرسالة"، أو "الرواية"، والسؤال هو ما الذي وجده الشباب في تلك الرواية، فاقتنعوا به، وشعروا بأنّه يمثّل "مشروعهم"، أو حلمهم الموعود.
صحيح أنّ الإنترنت يتكفل بتقريب المسافات ونقل الصور والرسائل والإشارات، لكنّ حالات كثيرة تمّ اكتشافها لا علاقة لها بالإنترنت، بل في علاقات القرابة والصداقة والحيّ، فخلية إربد كانت مرتبطة بعلاقات الجوار والصداقة في الحيّ، وحتى محمود المشارفة الذي نفّد هجوم البقعة، فالتأثير الأكبر عليه كان من "الحيّ" (نوضّح لاحقاً) وليس من الإنترنت أو الفضاء الإلكتروني، وحتى الذين تمّ تجنيدهم عبر الإنترنت في أحيان كثيرة، فكان تأثّرهم بأقربائهم وأصدقائهم الذين سبقوهم إلى سورية أو العراق، وأقنعوهم بالالتحاق بهم، وكذلك الحالة لمجموعة من الشباب صغار العمر، في حيّ نزال في عمان الشرقية، التحقوا بجبهة النصرة (مثل أنس قبلان وجهاد الزين) جمعتهم علاقات الصداقة في المسجد وفي الحيّ.
يعيدنا ذلك إلى مقالة مهمة وثرية للصديق محمد تركي الربيعو بعنوان "أنثروبولوجيون في شارع فولتير: البحث عن ديناميات المحلي في الجهاد الفرنكفوني"، ويرصد فيها دراسات أنثروبولوجية وسوسيولوجية مهمّة حول الأجيال الجهادية الجديدة، خصوصاً ما كتبته مضاوي الرشيد، وسكوت أتران، وإيمانويل تود، وخلاصة مقالة الربيعو أن ما وصلت إليه الرشيد، ويشاركها فيه أتران بقوة في كتابه "الحديث إلى العدو: الدين والأخوة وصناعة الجهاديين وتفكيكهم"، أنّ التجنيد مؤسس في العوالم الواقعية، بعلاقات الصداقة والقرابة والحي والأسرة والمجتمع المحلي، لا في العوالم الافتراضية.
بالعودة إلى تفجير البقعة، مثالاً، نجد أنّ محمود المشارفة من مواليد 1989 (وليس 1994، كما انتشر إعلامياً في البداية، والخلط جاء بسبب أنّه كان يحمل هوية شقيقه الأصغر، عندما تمّ القبض عليه، كما اكتشف الزميل مراد الشيشاني مراسل "بي بي سي") بدأ يتأثر بالفكر الجهادي، وهو في الصف العاشر، عبر الاستماع إلى المواعظ والخطب والصداقات في مخيم البقعة، وكان متفوقاً ومتميزاً في دراسته الثانوية، وحصل على معدّل 85% في الثانوية العامة، ليقبل في جامعة البلقاء التطبيقية (كلية البوليتيكنيك)، وكان معروفاً بحبّه الكهرباء، فكان ينوي إكمال دراسته في المجال نفسه.
إلاّ أنّ محمود، الفتى المتديّن الصغير، لم يستطع الانخراط في مناخ الجامعة، فقرّر، منذ البداية، ترك الدراسة الجامعية، تجنّباً للاختلاط بين الطلاب والطالبات فيها، كما عرف مراد الشيشاني من أقاربه، ويبدو أنّه، بعد ذلك، عمّق علاقاته مع مجموعةٍ من أصدقائه في مخيم البقعة، ممن ينتمون إلى الفكر السلفي الجهادي المتشدد.
لا نزال بحاجة إلى معرفة تفاصيل أكثر عن "البروفايل" النفسي لمحمود، وإنْ كانت المعلومات المتوفرة تؤكّد أنّه كان يستمع إلى أحد الشيوخ الوعاظ في أحد مساجد البقعة بانتظام، قبل أن يتفق في 2012، مع مجموعة من أبناء منطقة عين الباشا القريبة، هما عبدالله الجوابرة ومحمد قطيط، أقنعهم شخص آخر، وهو عصام العقبي بالالتحاق بجماعة جيش الإسلام في غزة (بقيادة ممتاز دغمش، المعروف بانتمائه للسلفية الجهادية)، وكان العقبي نفسه قد التحق سابقاً بجيش الإسلام، وعاد. لكن المخابرات ألقت القبض على محمود عند محاولته الخروج من حدود العقبة إلى سيناء.
حُكم عليه مدّة عامين ونصف عام، أمضاها في سجن الموقر الصحراوي، وأضرب عن الطعام أكثر من أسبوعين، وفقاً لتصريحات محامي الدفاع عنه، ليخرج خلال العام 2014، ويختفي تماماً عن أنظار الحيّ والأقارب، كما أفادوا هم أنفسهم للصديق مراد الشيشاني (مراسل بي بي سي)، ثم يظهر، أخيراً، في عملية الهجوم على مكتب مخابرات البقعة.
بالضرورة ما تزال هنالك خيوط مهمة تفسّر لنا ما حدث في الهجوم، وقبل ذلك ما حدث له نفسه، أي محمود، وكيف قرّر، ولماذا؟ تنفيد الهجوم على مكتب البقعة، بعد نداء أبي محمد العدناني، الناطق باسم التنظيم، لأنصاره ومؤيديه ومريديه بالقيام بعملياتٍ تستهدف القائمة العريضة والواسعة لأعداء التنظيم وخصومه، ويعدّ النظام الأردني، بلا شك، من الأعداء الرئيسيين لداعش.
حادثة المشارفة، الذي بدأ التطرف مبكّراً، تشي بأنّ الأردن يُعاين، اليوم، نمو تنّينٍ مخيفٍ في "الداخل"، وأنّ التفكير فيه من الضروري أن يتجاوز الأمني والكليشيهات الجاهزة حول مناهج التعليم وخطب المساجد وغيرها، إلى التحليل والتفكير والتفكيك لهذه الظواهر، ودراسة الملفات النفسية بعناية، والانتقال منها إلى المجتمعي- السيسيولوجي والسياسي أيضاً.
سابقاً، كان تركيز الأجهزة الأمنية على الخطر الخارجي، بعد تمدّد داعش في كل من سورية والعراق، وانتشار "الحركات الجهادية" على مقربة من الأردن، فيما تمّ الاعتماد داخلياً على قدرة الأجهزة الأمنية في رصد خلايا ومجموعات متأثرة بداعش، وإفشال أي عملية قبل أن تبدأ، نظراً لما تمتلكه من خبراتٍ وقدراتٍ على اختراق هذه الجماعات، والوصول إلى معلوماتٍ ثمينة في الوقت المناسب.
من الواضح أنّ ما حدث في البقعة وإربد غيّرا من "قواعد اللعبة"؛ إذ أثبتا، أولاً، أنّ الخطر يكمن، بدرجةٍ رئيسة، في الداخل، وثانياً أنّ أجهزة الأمن، مهما بلغ نفوذها وأين وصلت إمكاناتها، لن تستطيع أن تمنع الأعمال الإرهابية كافّة، خصوصاً مع ظاهرة "الذئاب المنفردة"، ومع ازدياد تأثير داعش أيديولوجياً على أجيال أكثر من جيل الشباب.
الأكثر خطورة في كل ما سبق أن الهجومين أثبتا أنّ الفكر الداعشي يتمدّد وينتشر في أحشاء المجتمع، ويغزو أجيالاً جديدة من الشباب، وأنّنا أمام جيل جديد من "الجهاديين"، يكسر القوالب النمطية المعروفة، ففيه متعلمون ومن أبناء الطبقة الوسطى، ومن خلفياتٍ اجتماعية متعددة، أي أصول أردنية وفلسطينية، فقبل هذه الحادثة، فوجئ الأردنيون باثنين من أبناء النواب (شرق أردنيين)، من الطبقة الوسطى، يتركون دراسة الطب في الأعوام الأخيرة، ويلتحقون بداعش لتنفيذ عمليات انتحارية. وفي الأثناء، تمكن الأمن من الإمساك بفتاة من مدينة الكرك، ذات الطابع العشائري، كانت في طريقها إلى الالتحاق بتنظيم داعش.
استطاعت الأجهزة الأمنية اختراق "الجهاديين"، وحصلت على "جائزة" كبيرة، عبر عودة أبي قتادة الفلسطيني إلى الأردن (سلّمته بريطانيا لعمّان، وبرأته محكمة أمن الدولة) لينضم إلى المنظّر الآخر العالمي للسلفية الجهادية والقاعدة، أبو محمد المقدسي، ويدشّن الاثنان، مع أتباعهما، حملة فكرية وإعلامية شرسة ضد تنظيم داعش، ما ساعد السلطات الأردنية على توفير خطابٍ مضادٍّ للخطاب الداعشي المنتشر، عبر شيوخ السلفية الجهادية. لكن، في النتيجة، أخبرني المقدسي نفسه أنّهم يمثلون أقليّة بينما الأغلبية والجيل الجهادي الأردني الجديد يميلون إلى داعش.
ما الذي حدث، ويحدث، في الداخل لينمو هذا التنين، ويكبر في أحشاء المجتمع الأردني؟ هذا هو السؤال غير المطروح رسمياً، أو السؤال الذي لا نجد جديّةً حقيقيةً في فهمه، ومحاولة الإجابة عليه. وبدلاً من التركيز على فهم التحولات الداخلية والمجتمعية، يحيل سياسيون ومثقفون كل "الشرور" إلى "شاشة" الكمبيوتر أو الآي فون، ليقولوا إنّ شبكة الإنترنت "غسلت عقول الشباب".
بالطبع، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً وأساسياً في نقل الأفكار والأيديولوجيا والتأثير على نسبة من الشباب، لكن الإنترنت تبقى "وسيلةً" لنقل "الرسالة"، أو "الرواية"، والسؤال هو ما الذي وجده الشباب في تلك الرواية، فاقتنعوا به، وشعروا بأنّه يمثّل "مشروعهم"، أو حلمهم الموعود.
صحيح أنّ الإنترنت يتكفل بتقريب المسافات ونقل الصور والرسائل والإشارات، لكنّ حالات كثيرة تمّ اكتشافها لا علاقة لها بالإنترنت، بل في علاقات القرابة والصداقة والحيّ، فخلية إربد كانت مرتبطة بعلاقات الجوار والصداقة في الحيّ، وحتى محمود المشارفة الذي نفّد هجوم البقعة، فالتأثير الأكبر عليه كان من "الحيّ" (نوضّح لاحقاً) وليس من الإنترنت أو الفضاء الإلكتروني، وحتى الذين تمّ تجنيدهم عبر الإنترنت في أحيان كثيرة، فكان تأثّرهم بأقربائهم وأصدقائهم الذين سبقوهم إلى سورية أو العراق، وأقنعوهم بالالتحاق بهم، وكذلك الحالة لمجموعة من الشباب صغار العمر، في حيّ نزال في عمان الشرقية، التحقوا بجبهة النصرة (مثل أنس قبلان وجهاد الزين) جمعتهم علاقات الصداقة في المسجد وفي الحيّ.
يعيدنا ذلك إلى مقالة مهمة وثرية للصديق محمد تركي الربيعو بعنوان "أنثروبولوجيون في شارع فولتير: البحث عن ديناميات المحلي في الجهاد الفرنكفوني"، ويرصد فيها دراسات أنثروبولوجية وسوسيولوجية مهمّة حول الأجيال الجهادية الجديدة، خصوصاً ما كتبته مضاوي الرشيد، وسكوت أتران، وإيمانويل تود، وخلاصة مقالة الربيعو أن ما وصلت إليه الرشيد، ويشاركها فيه أتران بقوة في كتابه "الحديث إلى العدو: الدين والأخوة وصناعة الجهاديين وتفكيكهم"، أنّ التجنيد مؤسس في العوالم الواقعية، بعلاقات الصداقة والقرابة والحي والأسرة والمجتمع المحلي، لا في العوالم الافتراضية.
بالعودة إلى تفجير البقعة، مثالاً، نجد أنّ محمود المشارفة من مواليد 1989 (وليس 1994، كما انتشر إعلامياً في البداية، والخلط جاء بسبب أنّه كان يحمل هوية شقيقه الأصغر، عندما تمّ القبض عليه، كما اكتشف الزميل مراد الشيشاني مراسل "بي بي سي") بدأ يتأثر بالفكر الجهادي، وهو في الصف العاشر، عبر الاستماع إلى المواعظ والخطب والصداقات في مخيم البقعة، وكان متفوقاً ومتميزاً في دراسته الثانوية، وحصل على معدّل 85% في الثانوية العامة، ليقبل في جامعة البلقاء التطبيقية (كلية البوليتيكنيك)، وكان معروفاً بحبّه الكهرباء، فكان ينوي إكمال دراسته في المجال نفسه.
إلاّ أنّ محمود، الفتى المتديّن الصغير، لم يستطع الانخراط في مناخ الجامعة، فقرّر، منذ البداية، ترك الدراسة الجامعية، تجنّباً للاختلاط بين الطلاب والطالبات فيها، كما عرف مراد الشيشاني من أقاربه، ويبدو أنّه، بعد ذلك، عمّق علاقاته مع مجموعةٍ من أصدقائه في مخيم البقعة، ممن ينتمون إلى الفكر السلفي الجهادي المتشدد.
لا نزال بحاجة إلى معرفة تفاصيل أكثر عن "البروفايل" النفسي لمحمود، وإنْ كانت المعلومات المتوفرة تؤكّد أنّه كان يستمع إلى أحد الشيوخ الوعاظ في أحد مساجد البقعة بانتظام، قبل أن يتفق في 2012، مع مجموعة من أبناء منطقة عين الباشا القريبة، هما عبدالله الجوابرة ومحمد قطيط، أقنعهم شخص آخر، وهو عصام العقبي بالالتحاق بجماعة جيش الإسلام في غزة (بقيادة ممتاز دغمش، المعروف بانتمائه للسلفية الجهادية)، وكان العقبي نفسه قد التحق سابقاً بجيش الإسلام، وعاد. لكن المخابرات ألقت القبض على محمود عند محاولته الخروج من حدود العقبة إلى سيناء.
حُكم عليه مدّة عامين ونصف عام، أمضاها في سجن الموقر الصحراوي، وأضرب عن الطعام أكثر من أسبوعين، وفقاً لتصريحات محامي الدفاع عنه، ليخرج خلال العام 2014، ويختفي تماماً عن أنظار الحيّ والأقارب، كما أفادوا هم أنفسهم للصديق مراد الشيشاني (مراسل بي بي سي)، ثم يظهر، أخيراً، في عملية الهجوم على مكتب مخابرات البقعة.
بالضرورة ما تزال هنالك خيوط مهمة تفسّر لنا ما حدث في الهجوم، وقبل ذلك ما حدث له نفسه، أي محمود، وكيف قرّر، ولماذا؟ تنفيد الهجوم على مكتب البقعة، بعد نداء أبي محمد العدناني، الناطق باسم التنظيم، لأنصاره ومؤيديه ومريديه بالقيام بعملياتٍ تستهدف القائمة العريضة والواسعة لأعداء التنظيم وخصومه، ويعدّ النظام الأردني، بلا شك، من الأعداء الرئيسيين لداعش.
حادثة المشارفة، الذي بدأ التطرف مبكّراً، تشي بأنّ الأردن يُعاين، اليوم، نمو تنّينٍ مخيفٍ في "الداخل"، وأنّ التفكير فيه من الضروري أن يتجاوز الأمني والكليشيهات الجاهزة حول مناهج التعليم وخطب المساجد وغيرها، إلى التحليل والتفكير والتفكيك لهذه الظواهر، ودراسة الملفات النفسية بعناية، والانتقال منها إلى المجتمعي- السيسيولوجي والسياسي أيضاً.