أسرعت عائلة أبو عبد الله إلى حمل متاعها من الحديقة العامة، والعودة إلى مدينتها التي غادرتها قبل عامين تقريباً، متمنية أن تكون هذه هي نهاية المأساة التي عاشتها. في المعضمية، عاشت العائلة مأساة البارود، وفي الحديقة التي أوتها بعيداً عن مدينتها، مأساة الجوع والتشرد. وعندما سمعت بالهدنة، قررت العودة، آملة أن تنتهي معاناتها، غير مدركة أنها بدأت من جديد.
مئات العائلات رافقت عائلة أبو عبد الله، في رحلة العودة إلى بيوت مهدمة أو نصف مهدمة، لا تقيها جدرانها برد الشتاء ولا الرصاص القريب منها. وقد فُقِدت، في كثير من تلك البيوت، الكهرباء والخدمات الصحية ومياه الشفة.
يقول أبو عبد الله، من منزله نصف المهدم، إن "الهدنة المزعومة تتعرض لخروقات كثيرة من قبل قوات النظام، التي عمدت إلى إغلاق المعبر الواصل مع مدينة دمشق. بذلك أصبحنا وسط حصار اقتصادي ومعيشي". وهو ما يثني عليه ابن مدينته محمود المعضماني، مشيراً إلى أن الحصار عاد منذ نحو سبعة أشهر.
يقول أبو عبد الله، الشاهد على الاتفاق، إن "من الشروط التي وقعتها لجان المصالحة وقف إطلاق النار بين الطرفين المتقاتلين، وسحب السلاح الثقيل وتسليمه للنظام في مقابل وقف العمليات العسكرية وفتح ممر إنساني. بالتأكيد، لم يحصل ذلك". ويضيف أن "من ضمن الشروط إعادة الخدمات، وإصلاح البنى التحتية، وفتح الطرقات الرئيسية، والسماح بعودة الأهالي بعد إصلاح الخدمات. لكن تلك الشروط أيضاً خُرقت. ومُنعت المساعدات الإنسانية من الدخول".
اقرأ أيضاً: أحلام سوريين بأسماء أطفالهم
لا تعاني مدينة المعضمية وحدها من الحصار ومن المشكلات الاجتماعية المترتبة عنها، بل كذلك هي الحال بالنسبة إلى مدينة قدسيا، وفقاً لرواية أبو أحمد. هو من أهل المدينة وقد عبّر عن خوفه الدائم من نفاد كمية الطعام التي يملكها، خصوصاً وسط الحصار الخانق على مدن الهامة وقدسيا ووادي بردى في الريف الغربي لمدينة دمشق. وقد أصبح تأمين المواد الغذائية اليومية صعباً للغاية، بالإضافة إلى فقدان الخدمات الأساسية، لا سيما الكهرباء. ويرى أبو أحمد أن الحصار هو لابتزاز الأهالي، إذ من غير المسموح خروج العائلات من المدينة إلا لقاء مبالغ مالية.
أما سمير المحمود (اسم مستعار) فيشير إلى أن "الأزمة الغذائية في المدينة تتفاقم يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد منع دخول المواد الأساسية، كالطحين والأر، وهو ما أدى إلى ندرتها وارتفاع أسعارها وتوقف المخابز عن العمل". إلى ذلك، يتحدث عن "أكوام القمامة التي تكدست في شوارع المدينة، مهددة بتدهور الوضع الصحي وانتشار الأمراض".
إلى ذلك، أصدر "تجمع ثوريي قدسيا" بياناً جاء فيه أن المدينة تعاني من وضع مأساوي خطير من جراء الحصار المضروب عليها منذ نحو سبعة أشهر. وأضاف أن قوات النظام تمنع إدخال الأدوية والمواد الغذائية وحليب الأطفال والطحين والخبز، ما تسبب بمأساة إنسانية. وحذّر البيان من كارثة إنسانية إن لم تُنقذ المدينة، بسكانها والنازحين الوافدين من مناطق أخرى.
ويلفت المحمود إلى أن "الأهالي باتوا عاجزين عن تقديم أي مواد غذائية لأطفالهم"، محذراً من أن "استمرار الوضع سيؤدي إلى مجاعة في المدينة". أما أبو عبد الله فيوضح أن "بموازاة الكارثة الإنسانية الغذائية، ثمّة كارثة نفسية وتعليمية. الأطفال يتعرّضون يومياً إلى صدمات نفسية وعصبية، في حين دُمّرت المدارس وهُجّر مدرّسوها".
لا تنتهي الأزمة الإنسانية عند الأزمات الغذائية والتعليمية، بل تتجاوزها لتشمل تلك الخدمية. يخبر أبو أحمد أن "اعتماد سكان محيط دمشق الرئيسي، كان على الآبار البسيطة في السابق. ظنّوا أنهم يستطيعون العودة إليها اليوم، لكن مياه هذه الآبار لم تعد سليمة، إذ سجّلت حالات تسمم نقلت إلى المشافي الميدانية".
مخطط مدروس
كلام كثير قيل عن المصالحات والهُدن في سورية في الآونة الأخيرة. في هذا الإطار يشير الباحث في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية محمد عثمان لـ "العربي الجديد"، إلى أن "مشاريع الهدن والمصالحات مزيفة، وقد بدأت في محيط دمشق في عام 2013، وفق مخطط مدروس من قبل النظام وحلفائه. وقد ركّزت على العاصمة دمشق ومحيطها لتنتقل بالتوازي إلى مدينة حمص وبعض مناطق حماة المجاورة للشريط الساحلي".
اقرأ أيضاً: حصار مزدوج في دير الزور