20 نوفمبر 2024
هذه الأصوليات الدينية
عندما سئل البابا فرنسيس عن سبب عدم ذكره الإسلام ديناً، عند إدانته أعمالا إرهابية يرتكبها منتمون إلى الإسلام، أو تنسب لمنتمين إليه، أجاب بحكمة "إذا تحدّثت عن أعمال عنف إسلامية، يتعين علي أيضاً أن أتحدّث عن أعمال عنف مسيحية"، قبل أن يضيف إن "في كل الديانات تقريباً هناك دوماً مجموعة صغيرة من الأصوليين، هم موجودون عندنا أيضاً".
كان الهدف من جواب البابا عدم ربط أعمال العنف بديانات الأشخاص الذين يرتكبونها، لأن العنف مرتبط بسيكولوجية البشر، ووجد منذ وجد الإنسان على هذه الأرض، وأول جريمةٍ توردها الكتب المقدسة هي جريمة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل. وفي السياق الذي طرح فيه السؤال، وبما أنه كان يتعلق بجريمة القتل البشعة التي ارتكبها شخصٌ ينتمي إلى الإسلام، عندما ذبح كاهناً مسناً داخل كنيسة في فرنسا، كان البابا يسعى من جوابه إلى إبعاد أي تهمة عن الإسلام ديناً.
أعاد كلام البابا التذكير بتاريخ العنف في الديانة المسيحية، أو على الأقل، العنف المنسوب إلى أشخاصٍ ينتمون إلى المسيحية. وكتب التاريخ القديم والحديث تزخر بشواهد، لا تعد ولا تحصى، عن التاريخ الدموي في الديانة المسيحية، والذي لا يمكن مقارنته مع بشاعة ما يرتكب اليوم من أعمال إرهابية عنيفة، تنسب إلى الإسلام، أو يرتكبها أشخاص يدّعون الانتماء إلى الإسلام. فتاريخ الحروب الصليبية، بعنفها ودمويتها، مازال حاضراً، يذكّر بالجرائم التي ارتكبت باسم الديانة المسيحية. وتاريخ محاكم التفتيش في إسبانيا، بعد طرد المسلمين منها، شهادة أخرى صادمة عن تطرّف منتمين إلى ديانة المسيح وتعصبهم. أما مغامرات المبشرين في القارة السمراء، وقبلها في الأميركيتين، فقد فرضت الدين المسيحي بالحديد والنار على شعوب وقبائل كثيرة، تدين اليوم به.
ولكي لا نذهب بعيداً للبحث في بطون كتب التاريخ والتراث عن تاريخ العنف الذي ارتبط بالمسيحية، هناك اليوم بيننا مجموعات كثيرة تصنّف "إرهابية"، ترتكب أعمالها الإجرامية باسم الدين المسيحي، وتدّعي دفاعها عن قيمه وتعاليمه، ونادراً ما يتحدّث الإعلام عن هذه الجماعات الدينية المتطرّفة، مع أنها لا تقل تعصباً عن نظيراتها التي تدعي انتماءها إلى الإسلام، وأفعالها تضاهي ما يُرتكب باسم الإسلام، من حيث الفظاعة والبشاعة. ومثال عليها جماعة جيش الرب
التي تنشط في شمال أوغندا منذ ثلاثة عقود، ولا تقل جرائمها الإرهابية فظاعة عن جرائم جماعة بوكو حرام في نيجيريا التي تدّعي انتماءها إلى الإسلام. ففي مارس/ آذار الماضي، اختطفت جماعة جيش الرب 216 مسلماً، بينهم 45 طفلا، في جمهورية إفريقيا الوسطى، تقوم باستغلالهم جنسياً واستعمالهم في أعمال السخرة داخل مخيماتها، لكن الإعلام الغربي نادرا ما يتحدّث عن جرائم هذه الجماعة، كما فعل ويفعل مع جرائم جماعة متطرّفة أخرى، مثل "بوكو حرام" التي أقدمت على فعل إجرامي مماثل، عندما اختطف مسلحوها في مارس/ آذار من عام 2014، نحو 276 طالبة من مدرسة فتيات في قرية في شمال نيجيريا. ولا تعني المقارنة هنا أبدا تبرير بشاعة أفعال جماعة بوكو حرام المدانة أو الدفاع عنها.
وجماعة جيش الرب التي تنسب نفسها للمسيحية واحدة من عدة جماعات متطرّفة منتشرة في العالم، يدّعي أصحابها أنهم يمثلون الدين المسيحي، أو يبرّرون أفعالهم الإجرامية بتنفيذ تعاليمه. ومثل هذه الجماعات نجدها في الصين وفي أميركا وفي دول أوروبية غربية. كما أن أحزاباً وحركات من اليمين المتطرف كثيرة، تنشط اليوم في دول أوروبا، تلجأ إلى الدين المسيحي، لتبرير استخدام العنف واستعمال السلاح، لفرض ما تعتبره قيماً وتقاليد مجتمعية مسيحية بالقوة، وأيضاً لمحاربة الأجانب، وخصوصاً منهم من يؤمنون بديانات أخرى غير المسيحية، كالمسلمين واليهود. وداخل المجتمعات الأوروبية الغربية، ومن خلال بعض وسائل إعلامها، تتم تغذية نزعة "الإسلاموفوبيا"، أي التخويف من الإسلام والمسلمين التي تتغذى عليها الأصولية المسيحية المتطرفة، لزيادة منسوب الكراهية ضد الآخر، وخصوصاً المسلم.
وليست ظاهرة "الأصولية" حكراً على الإسلام والمسيحية، ففي الديانة اليهودية، توجد أصوليات، والجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها إلى اليهودية تعدّ اليوم بالعشرات، وتاريخها حافلٌ بالعنف والدم. وقد قام تاريخ الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها على فكر حركات متطرفة، تنسب نفسها لليهودية، وتدعي تنفيذ وعد الرب لليهود في الإنجيل القديم.
و"الأصوليات" في كل الديانات، خصوصاً السماوية الثلاثة، تشترك في ثلاث مميزات. أولا، في تفسيرها الحرفي كتبها ونصوصها المقدسة، ورفضها استعمال ملكة العقل لتأويل فهم النص الذي تعتبره صالحاً لكل زمان ومكان. ثانيا، نبذها الاختلاف ورفضها التعددية ومبدأها إما معي أو ضدي. ثالثا، إيمانها المطلق بامتلاك الحقيقة، وبأن إيمانها مطلق، وما عداه مجرد أكاذيب وأراجيف.
وقد وجد الفكر الأصولي في كل الديانات وعبر كل العصور، لكنه يتحول إلى فكر مرضي، عندما يبدأ أصحابه باستعمال العنف، لفرض تصورهم للعالم. وهنا خطورة الأصوليات المتطرّفة، وهي نتاج بشري، ولا علاقة لها بالديانات السماوية المفروض أنها منزهة عن عبث البشر وأمراضهم.
كان الهدف من جواب البابا عدم ربط أعمال العنف بديانات الأشخاص الذين يرتكبونها، لأن العنف مرتبط بسيكولوجية البشر، ووجد منذ وجد الإنسان على هذه الأرض، وأول جريمةٍ توردها الكتب المقدسة هي جريمة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل. وفي السياق الذي طرح فيه السؤال، وبما أنه كان يتعلق بجريمة القتل البشعة التي ارتكبها شخصٌ ينتمي إلى الإسلام، عندما ذبح كاهناً مسناً داخل كنيسة في فرنسا، كان البابا يسعى من جوابه إلى إبعاد أي تهمة عن الإسلام ديناً.
أعاد كلام البابا التذكير بتاريخ العنف في الديانة المسيحية، أو على الأقل، العنف المنسوب إلى أشخاصٍ ينتمون إلى المسيحية. وكتب التاريخ القديم والحديث تزخر بشواهد، لا تعد ولا تحصى، عن التاريخ الدموي في الديانة المسيحية، والذي لا يمكن مقارنته مع بشاعة ما يرتكب اليوم من أعمال إرهابية عنيفة، تنسب إلى الإسلام، أو يرتكبها أشخاص يدّعون الانتماء إلى الإسلام. فتاريخ الحروب الصليبية، بعنفها ودمويتها، مازال حاضراً، يذكّر بالجرائم التي ارتكبت باسم الديانة المسيحية. وتاريخ محاكم التفتيش في إسبانيا، بعد طرد المسلمين منها، شهادة أخرى صادمة عن تطرّف منتمين إلى ديانة المسيح وتعصبهم. أما مغامرات المبشرين في القارة السمراء، وقبلها في الأميركيتين، فقد فرضت الدين المسيحي بالحديد والنار على شعوب وقبائل كثيرة، تدين اليوم به.
ولكي لا نذهب بعيداً للبحث في بطون كتب التاريخ والتراث عن تاريخ العنف الذي ارتبط بالمسيحية، هناك اليوم بيننا مجموعات كثيرة تصنّف "إرهابية"، ترتكب أعمالها الإجرامية باسم الدين المسيحي، وتدّعي دفاعها عن قيمه وتعاليمه، ونادراً ما يتحدّث الإعلام عن هذه الجماعات الدينية المتطرّفة، مع أنها لا تقل تعصباً عن نظيراتها التي تدعي انتماءها إلى الإسلام، وأفعالها تضاهي ما يُرتكب باسم الإسلام، من حيث الفظاعة والبشاعة. ومثال عليها جماعة جيش الرب
وجماعة جيش الرب التي تنسب نفسها للمسيحية واحدة من عدة جماعات متطرّفة منتشرة في العالم، يدّعي أصحابها أنهم يمثلون الدين المسيحي، أو يبرّرون أفعالهم الإجرامية بتنفيذ تعاليمه. ومثل هذه الجماعات نجدها في الصين وفي أميركا وفي دول أوروبية غربية. كما أن أحزاباً وحركات من اليمين المتطرف كثيرة، تنشط اليوم في دول أوروبا، تلجأ إلى الدين المسيحي، لتبرير استخدام العنف واستعمال السلاح، لفرض ما تعتبره قيماً وتقاليد مجتمعية مسيحية بالقوة، وأيضاً لمحاربة الأجانب، وخصوصاً منهم من يؤمنون بديانات أخرى غير المسيحية، كالمسلمين واليهود. وداخل المجتمعات الأوروبية الغربية، ومن خلال بعض وسائل إعلامها، تتم تغذية نزعة "الإسلاموفوبيا"، أي التخويف من الإسلام والمسلمين التي تتغذى عليها الأصولية المسيحية المتطرفة، لزيادة منسوب الكراهية ضد الآخر، وخصوصاً المسلم.
وليست ظاهرة "الأصولية" حكراً على الإسلام والمسيحية، ففي الديانة اليهودية، توجد أصوليات، والجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها إلى اليهودية تعدّ اليوم بالعشرات، وتاريخها حافلٌ بالعنف والدم. وقد قام تاريخ الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها على فكر حركات متطرفة، تنسب نفسها لليهودية، وتدعي تنفيذ وعد الرب لليهود في الإنجيل القديم.
و"الأصوليات" في كل الديانات، خصوصاً السماوية الثلاثة، تشترك في ثلاث مميزات. أولا، في تفسيرها الحرفي كتبها ونصوصها المقدسة، ورفضها استعمال ملكة العقل لتأويل فهم النص الذي تعتبره صالحاً لكل زمان ومكان. ثانيا، نبذها الاختلاف ورفضها التعددية ومبدأها إما معي أو ضدي. ثالثا، إيمانها المطلق بامتلاك الحقيقة، وبأن إيمانها مطلق، وما عداه مجرد أكاذيب وأراجيف.
وقد وجد الفكر الأصولي في كل الديانات وعبر كل العصور، لكنه يتحول إلى فكر مرضي، عندما يبدأ أصحابه باستعمال العنف، لفرض تصورهم للعالم. وهنا خطورة الأصوليات المتطرّفة، وهي نتاج بشري، ولا علاقة لها بالديانات السماوية المفروض أنها منزهة عن عبث البشر وأمراضهم.