تواصل الحكومة الكويتية جهودها لإنهاء ملف "الصندوق السيادي الماليزي" والذي تورط فيه مسؤولون كويتيون سابقون ووصف بأنه أحد أكبر قضايا الفساد وغسيل الأموال في تاريخ الكويت الحديث.
وألقت قوة أمنية تابعة لوزارة الداخلية القبض على المتهم الأول في قضية "الصندوق السيادي الماليزي" وهو الشيخ صباح جابر المبارك الصباح، نجل رئيس الوزراء السابق، وشريكه رجل الأعمال حمد الوزان، ولا تزال تبحث عن محاميهما المتواري عن الأنظار والمتهم في القضية ذاتها.
وقالت صحيفة "القبس" إن النيابة العامة حققت مع المتهمين لمدة 12 ساعة قبل أن تقرر حجزهما وعرضهما مجدداً عليها في الأيام القادمة، في وقت أمرت فيه القيادة السياسية في البلاد الحكومة بعدم التهاون في هذه القضية التي أدت إلى تعريض النظام المصرفي في البلاد، والذي كان يوصف دوماً بالمتانة والنزاهة، إلى الخطر بسبب الاشتباه بعمليات غسيل الأموال، إضافة إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وماليزيا على الكويت لمعاقبة المتهمين.
في غضون ذلك، اجتمع رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، يوم الخميس، مع رؤساء "الأجهزة الرقابية" في البلاد وألقى اللوم عليهم نتيجة تصاعد عمليات الفساد، قائلاً "إن حجم الفساد في البلاد لا يعكس عدد جهات الرقابة الكبيرة الموجودة فيها"، مؤكداً حصول حكومته على دعم كامل من القيادة السياسية لتصفية ملفات الفساد، في إشارة واضحة إلى قضية "الصندوق السيادي الماليزي".
وبدأت فصول قضية "الصندوق السيادي الماليزي" في عام 2016 حينما قام رجل الأعمال الماليزي – الصيني جو لو بالاتصال بالشيخ صباح جابر المبارك، نجل رئيس الوزراء آنذاك، وعرض عليه القيام بعمليات غسيل أموالٍ مختلسة من الصندوق الماليزي الذي كان جو لو قد سرق مليارات الدولارات منه بالتواطؤ مع الرئيس الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق، الذي تجري محاكمته في ماليزيا هذه الأيام بتهم الفساد والاختلاس.
وجاء تواصل جو لو مع نجل رئيس الوزراء السابق، في وقت كانت وزارة العدل الأميركية تضيّق فيه الخناق على جو لو وأصوله المالية المنتشرة في أرجاء العالم، بحسب ما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وزار جو لو الكويت عدة مرات ليجتمع مع نجل رئيس الوزراء السابق، ورجال أعمال متحالفين معه، واتفقوا على استخدام مجموعة إعلامية تدعى "مجموعة الوسيط" كان قد أسسها الشيخ صباح جابر المبارك مع بشار كيوان رجل الأعمال السوري - الفرنسي المقرب من بشار الأسد.
واتفق الطرفان على أن تُستخدم شركات صينية تعمل في مشروع "طريق الحرير" لإخفاء الأموال وغسيلها، وهو ما تم فعلاً عبر سلسلة اتفاقيات وهمية وقعت في مدينة شنغهاي الصينية في إبريل/نيسان عام 2016، حيث ادعى الشيخ صباح جابر المبارك أنه ممثل رسمي للحكومة الكويتية، وقام باستغلال جزء من نفوذه للتمويه وإخفاء مصادر الأموال المختلسة من الصندوق الماليزي، وفق وثائق رسمية اطلعت "العربي الجديد" عليها.
لكن خلافات بين الشيخ صباح جابر المبارك وشريكه السوري حول حصة كل منهما في عملية غسيل الأموال التي أدت إلى فضيحة كبرى في ما بعد، انتهت باستخدام الشيخ صباح جابر المبارك نفوذ والده السياسي ورفع عدة قضايا على بشار كيوان في أواخر عام 2016 أدت إلى إصدار أحكام بسجنه لمدة تصل إلى 20 عاماً، قبل أن ينجح كيوان بالهروب من الكويت بطريقة غير شرعية إلى دبي، حيث سهلت له السلطات الإماراتية الإقامة هناك ورفضت تسليمه إلى الكويت رغم وجود اتفاقية تسليم مشتركة.
واستطاع كيوان الفرار إلى فرنسا والإدلاء بشهادته حول تورط شريكه السابق نجل رئيس الوزراء السابق في قضايا فساد وغسيل أموال ومن بينها قضية "الصندوق السيادي الماليزي"، في رسالة طويلة وُجهت إلى السفير الكويتي في فرنسا وعرفت باسم "كتاب مولان" في الكويت، وهو ما فسر على أنه عملية انتقام متعمدة بسبب عدم حصول كيوان على حصته من عملية غسيل الأموال ومن العمولات التي كان يتقاضاها نجل رئيس الوزراء السابق من خلال تمرير المناقصات والتي يحاكم عليها اليوم أيضاً.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الشيخ صباح جابر المبارك قام بشراء حصة جو لو من فندق بارك لين في نيويورك عبر "مجموعة الوسيط" قبل أن يقوم بإعادة بيعها لشركة أخرى تابعة لجو لو وذلك بهدف تضليل الجهات الرقابية وإخفاء الأصول التابعة لجو لو.
ورفع البنك المركزي الكويتي ثلاثة بلاغات إلى وحدة التحريات المالية في أعوام 2017 و2018 و2019 تفيد بتضخم حسابات نجل رئيس الوزراء السابق الموجودة في بنك صيني يعمل داخل الكويت، بحسب ما تقول صحيفة "القبس" الكويتية، لكن البلاغات تعرضت للتجاهل التام.
وتغيرت موازين القوى عقب استقالة رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح على خلفية اتهامه من قبل نائبه الشيخ ناصر صباح الأحمد، نجل الأمير ووزير الدفاع بالتورط في قضية فساد عرفت باسم "صندوق الجيش" والتي تخص اختفاء مئات الملايين من الدولارات من صندوق مخصص للتمويل العسكري الكويتي في العاصمة البريطانية لندن.
وفي مشهد نادر في السياسة الكويتية، اتهمت وزارة الدفاع علناً رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بالتورط في فضيحة فساد كبرى، ما أدى لاستقالة الحكومة وقرار القيادة السياسية عدم التجديد لكافة الأطراف المتصارعة وتعيين وزير الخارجية السابق صباح الخالد الصباح كرئيس للوزراء.
وبزوال الحصانة السياسية عن نجل رئيس مجلس الوزراء، وبسبب الضغوط التي مارستها السفارة الأميركية في الكويت، التي نظمت اجتماعا رسميا مع وزير الدفاع السابق ونجل الأمير الشيخ ناصر صباح الأحمد وحثته على التحرك في ملف الصندوق الماليزي، أعلن وزير الداخلية أنس الصالح، في أواخر مايو/أيار الماضي، رفع بلاغ للنائب العام بحق المتورطين في قضية الصندوق الماليزي، وعلى رأسهم نجل رئيس مجلس الوزراء السابق.
وسارع النائب العام إلى حجز أموال نجل رئيس الوزراء وشركائه ومنعهم من السفر، قبل أن يُصدر أمراً بضبطه وإحضاره للتحقيق معه، وهو ما تم فعلاً، يوم الخميس الماضي، وفي حال إدانة المتهمين فإن بانتظارهم عقوبات سجن قد تصل إلى 20 عاماً وفق قوانين غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب في الكويت.
ومن المتوقع أن تُطيح قضية "الصندوق السيادي الماليزي" برؤوس كبيرة داخل الكويت، ومن بينهم رجال أعمال كانوا شركاء لنجل رئيس الوزراء السابق في عملية غسيل أموال عالمية تم زج الكويت بها، إضافة إلى سياسيين ومصرفيين قاموا بتسهيل أعمال غسيل الأموال تلك، فيما طالب نواب في البرلمان الحكومة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية النظام المصرفي الكويتي الذي تعرض للضرر نتيجة هذه العمليات.