يترافق الصيف الذي ينتظره الناس بفارغ الصبر، مع حالات صحية عدّة تؤثّر سلباً عليهم. فإضافة إلى ضربة الشمس التي تُسجَّل كثيراً خلال هذا الفصل، يأتي التسمّم الغذائي الذي تفاقمه الحرارة المرتفعة.
"أعاني من تسمم غذائي". كم من مرّة سمعنا فيها هذه العبارة، هذا إذا لم نتعرّض نحن لتسمم غذائي، لا سيّما في فصل الصيف. لا شكّ أنّ ذوي المناعة الضعيفة كالأطفال وكبار السنّ ومرضى السرطان وغيرهم معرّضون أكثر من سواهم إلى خطر التسمم بالغذاء، غير أنّ كلّ واحد منّا مهدّد بذلك في حال لم يتّبع الإرشادات الوقائية اللازمة عند تناول الأطعمة.
والتسمم الغذائي يأتي نتيجة تلوّث الأطعمة بأنواع مختلفة من الجراثيم، وقد تكون مضاعفاته سيئة جداً في حال ترافق مع إصابة بضربة شمس مؤذية. ومن المعروف أنّ الجراثيم تتكاثر عندما تكون الحرارة مرتفعة وتراوح ما بين 25 و45 درجة مئوية، لذلك كلما ارتفعت درجات الحرارة ازداد احتمال التعرّض لأمراض معوية. وهو الأمر الذي يستوجب اتخاذ احتياطات صحية إضافية لتفادي التعرّض إلى تلك الجراثيم الضارة.
تتكرر حالات الإصابة بالتسمم الغذائي صيفاً، وهو ما يستدعي تشدداً أكبر في الرقابة الصحية على المطاعم ومحلات بيع اللحوم والحلويات والألبان وغيرها من الأطعمة الطازجة، وذلك لضمان استيفائها المعايير الصحية اللازمة. ويطلب المعنيّون من المواطنين وجوب توخّي الحذر من المصادر التي يشترون منها أطعمتهم.
الدكتور معين جمال اختصاصي في الطب الداخلي، يقول لـ "العربي الجديد" إنّه "لا بدّ من اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحؤول دون الإصابة بتسمم غذائي، وأبرزها غسل الخضار والفواكه بطريقة جيّدة شريطة أن تكون المياه نظيفة، من دون حاجة إلى تعقيمها. كذلك فإنّ تناول الفواكه والخضار بكثرة يزيد من حالات الإسهال، بالإضافة إلى أنّ وضع الأطعمة كاللحوم والدجاج والحليب ومشتقاته خارج البرّاد لفترات طويلة يزيد من تكاثر الجراثيم وبالتالي يهدد بالتسمم الغذائي". ويشدد جمال على "أهمية شرب المياه تجنباً للتجفاف وعدم تناول الوجبات في مطاعم مشبوهة بالإضافة إلى عدم إهمال أيّ عارض صحّي". ويشرح أنّه "في حال استمرّ الإسهال الحاد والتقيؤ لأكثر من 24 ساعة، فلا بدّ من التوجه إلى الطبيب. لدى كبار السنّ على سبيل المثال، ثمّة خطر وفاة عالٍ نتيجة توقّف عمل الكلى والتجفاف وارتفاع حرارة الجسم".
من جهته، يتحدث الطبيب المتخصص في أمراض الجراثيم الدكتور إلياس الهراوي لـ "العربي الجديد" عن "أهمية اتخاذ التدابير الصحية اللازمة للحدّ من التسمم الغذائي، بدءاً من غسل اليدَين". ويقول إنّ "الأهم هو الحفاظ على الطعام سليماً والتأكد كذلك من سلامة المياه ونظافتها قبل شربها"، في حين يشير إلى أنّ "حالات التسمم بغالبيتها نجدها في المناطق النائية حيث الرقابة ليست جيّدة كفاية والبرّادات التي تُحفظ فيها الأطعمة كثيراً ما ينقطع عنها التيار الكهربائي". ويوضح الهراوي أنّه "من الممكن تجنّب الجراثيم التي تتسبب في التسمم الغذائي من خلال النظافة وغسل اليدين، وحفظ الأطعمة بطريقة مناسبة صحياً. فتركها في الهواء الطلق وتحت الشمس يزيد من تكاثر الجراثيم فيها وبالتالي تسمّم مستهلكها غذائياً". ويلفت الهراوي إلى أنّ "التسمم الغذائي لا يؤدّي إلى الوفاة إلا بنسب قليلة، لأنّ مناعة الإنسان عادة قادرة على مقاومته شريطة ألا يتعرّض المصاب إلى التجفاف نتيجة الإسهال الحاد والتقيؤ".
أمّا الاختصاصية في الطب الداخلي الدكتورة ديانا عون فتشدد في حديث إلى "العربي الجديد" على "أهمية الالتزام بالإرشادات الصحية الضرورية لتفادي التسمم الغذائي، من قبيل غسل الخضار وتعقيمها مع الابتعاد قدر المستطاع عن مأكولات المطاعم وتجنّب اللحوم النيئة، فالمفضّل أن تُطهى جيداً. كذلك يجب حفظ الأطعمة في البراد بطريقة صحيحة ونظيفة، على أن يكون مصدرها موثوقاً به". تضيف عون أنّ "أكثر الحالات التي نسجّلها خلال الصيف هي نتيجة الأكل في المطاعم، خصوصاً بين الأطفال. وفي حال اضطررنا إلى ذلك، فإنّه لا بدّ من تجنّب تناول اللحوم غير الموثوق بها قدر المستطاع". وتتابع أنّه "يجب التأكد كذلك من مصدر مياه الشرب والبوظة (المثلجات) والحلويات قبل تناولها".
في السياق، يقول الاختصاصي في الطب الداخلي الدكتور إيلي فرح لـ "العربي الجديد" إنّ "أبرز المشكلات الصحية التي نواجهها في الصيف تكون عند الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة كالمسنين أو الذين يعانون من أمراض مزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب وما إليها. فهؤلاء، أكثر من سواهم، عند تعرّضهم إلى الشمس يصابون بالتجفاف وبضربة شمس قد يصل المصاب بها إلى حدّ الهلوسة". وينصح بتفادي المناطق الرطبة والحرارة قدر المستطاع، مع التشديد على أهمية شرب المياه. ويحذّر فرح من ارتياد المطاعم، "إذ إنّ غسل الخضار والفواكه غالباً ما يكون غير كافٍ، فيما لا تُطهى اللحوم بطريقة جيدة، الأمر الذي يعرّض الإنسان إلى أعراض تسمّم جرثومي كما هي الحال إذا وضعنا الأطعمة خارج البراد فتتكاثر الجراثيم بفعل ارتفاع الحرارة".
ويشدّد الاختصاصي في الطب الداخلي الدكتور غسان حمادة على العمل بالإرشادات التي يشير إليها زملاؤه، وينصح بـ"ضرورة غسل الخضار والفواكه بطريقة جيّدة وكذلك غسل اليدَين، نظراً إلى أهمية النظافة في هذا المجال". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه "من المفضّل تناول المياه في العبوات مباشرة، شريطة أن تكون مقفلة لضمان سلامتها".