24 سبتمبر 2020
هل أصبح الاستعمار مطلباً؟
هل أصبح علينا، في العالم العربي المعاصر، أن نقدم الاعتذار لقوى الاستعمار الغربي، ونطلب منها الصفح والغفران، لأننا استجبنا يوماً لدعوات النضال من أجل التحرير، وهتفنا لشعارات، مثل الاستقلال التام أو الموت الزؤام، والقضاء على الاستعمار وأعوان الاستعمار. وتحملنا الكثير من أجل تحقيق أهم أهداف الثورات، وهي بناء جيش وطني قوي.
سيكون هذا صادما لكثيرين من أبناء الأمة العربية، والأجيال التي تربت على دراسة أن ثورة 1919 في مصر باعتبارها الثورة التي طالبت بالاستقلال، ورفع الحماية وجلاء القوات البريطانية عن البلاد، وهو ما أكسبها صفة الثورة، وأعطى لرموزها وزعمائها، وفي مقدمتهم سعد باشا زغلول، مكانة وطنية رفيعة، وأن العراق شهد ثورة تحمل المبادئ والشعارات نفسها، قادها رشيد باشا عالي الكيلاني في العام 1941.
ثم كانت الثورة ذات الأثر الممتد، عمدة الثورات، في مصر، والتي انطلقت في 23 يوليو 1952، تحت مسمى حركة الضباط الأحرار، أو الحركة المباركة، والتي مرت بعدة مراحل، من حركة تطهير وإصلاح، في ظل الدستور والنظام الملكي القائم، إلى تغيير نظام الحكم وإلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية في العام التالي 1953، والانتقال من حركة إلى ثورة، ثم اكتسبت المصداقية كثورة، عندما توصلت إلى اتفاقية لجلاء قوات الاحتلال البريطانية عن مصر، وأصبح للجلاء عيد وطني.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأت تعم المنطقة كلها ما يمكن أن نسميها موجة التحرر الوطني، والتي امتدت لتشمل إفريقيا، وكانت الثورة المصرية، وزعامتها التاريخية المتمثلة في جمال عبد الناصر، هي الثورة الملهمة والنموذج الذي يُحتذى، ويكفي رفع شعاراتها الخاصة بالاستقلال ومحاربة الاستعمار، والتخلص من أي وجود عسكري أجنبي، ليتحول أي انقلاب على السلطة القائمة، أياً كانت، إلى ثورة مجيدة، فأهم إنجاز لثورة معمر القذافي في ليبيا تصفية قاعدة هويلس الجوية، ولا يقل أهمية عن ذلك جلاء القوات البريطانية عن قاعدة الحبانية العراقية، والأمثلة عديدة في كل العالم العربي، ودول كثيرة في أفريقيا.
لا أحد يُنكر قيمة الاستقلال والتحرر الوطني، والتخلص من مهانة الاحتلال العسكري الأجنبي بالنسبة للشعوب، ولكن، لم يكن أحد يتصور أن الثمن سيكون باهظاً، بقدر لن تطيقه تلك الشعوب! بعد أن أسست مجموعات الضباط الأحرار التي قامت بالحركات المباركة، وحولتها إلى ثورات مجيدة، نُظم حكم قالت إنها وطنية، قومية، تقدمية، ما لبثت أن تحولت، على مر السنوات، إلى نُظم سلطوية شمولية شديدة القهر والبطش، روجت لها دعاوى فئة من مثقفي السلطة الذين خانوا شعوبهم، ورفعوا شعارات المستبد العادل، والزعيم الملهم، والقائد الضرورة، والرئيس الدكر، وحتى الأمير المُتغلب.
وجاءت لحظة فارقة، عندما ضاق الناس بالحياة، تحت وطأة هذا القهر والظلم، فانطلقت موجة ثورية سادت المنطقة العربية، خصوصاً تلك الشعوب التي ترزح تحت نُظم الحكم الوطنية، القومية، التقدمية، التي أسستها مجموعات الضباط الأحرار في النصف الأول من القرن العشرين، واستحقت تلك الموجة الثورية، في بدايتها، أن يُطلق عليها الربيع العربي. وقبل أن تكتمل تلك الثورات، هبت على الربيع العربي رياح خماسينية عاتية تمثلت في الثورات المضادة.
وسادت المنطقة حالة من الفوضى الشديدة، فلا ثورات الربيع انتصرت وفرضت إرادة الشعوب، ولا الثورات المضادة نجحت في فرض سيطرتها، واستعادة النظم هيمنتها، على الرغم من تغيير الوجوه في قمة السلطة.
ويبدو المشهد الآن شديد الغرابة، بعد عقود تغنت فيها شعوب المنطقة بالاستقلال، والتحرر من النفوذ الأجنبي، وإقامة نُظم وطنية قومية، الكل يلهث طلبا للتدخل الأجنبي؟ سواء قوى ثورات الربيع، أو قوى الثورات المضادة، أو حتى المنظمات الإقليمية، وشبه الإقليمية، وكانت أبرز تلك المطالبات ما شهدته وتشهده الحالة الليبية. ففي 12 مارس/آذار 2011، اجتمع مجلس جامعة الدول العربية، وناشد مجلس الأمن التدخل العسكري في ليبيا، وفي 17 مارس/آذار، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1973 بالتدخل، ثم تكرر الأمر بعد الأحداث الأخيرة، وظهور تنظيم داعش في ليبيا، والغارة الجوية المصرية، رداً على إعلان داعش قتل 22 مواطناً مصرياً، وتطور الصراع الداخلي، وتم التوجه إلى مجلس الأمن ثانية، طلبا للتدخل! بل هناك من يلوم قوات "الناتو" على عدم استمرارها في ليبيا، بعد سقوط القذافي.
في اليمن، يوجه الرئيس عبد ربه منصور هادي نداءات لمجلس الأمن، طالبا التدخل العسكري، والحوثي يستدعي الدعم الإيراني. وفي العراق، وفي سورية، حدث ولا حرج، فالعالم كله هناك يتدخل عسكرياً، بشكل مباشر وغير مباشر. والمشهد عبثي بامتياز. قوات البشمركة الكردية، إلى جوار الحشد الشعبي الشيعي، والقوات النظامية العراقية، وفيلق القدس الإيراني، وفيلق بدر الشيعي. كلهم كتفا لكتف في مواجهة تكريت، وجميعهم في انتظار دعم قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا. وفي سورية، شيء شبيه بذلك، ويتصدر المشهد، في كل تلك الحالات، مبعوثون دوليون يديرون الأحداث، جمال بنعمر وستيفان ديميتسورا وبرنارد ليون، أمثلة.
الكل يسعى إلى التدخل الأجنبي، حتى في إفريقيا، شاهدنا رئيس مالي يشكر فرنسا على تدخلها العسكري في بلاده، ويشمل بالشكر الجزائر التي قدمت المساعدات اللوجستية.
في ظل كل تلك الظروف، وفى وسط هذا المشهد، تجري استعدادات لعقد مؤتمر القمة العربي السنوي، ورئاسة القمة في دورتها الجديدة لمصر، وبالتالي، سيعقد المؤتمر في شرم الشيخ، فمن سيحضر من الرؤساء والملوك والأمراء، ومن سيتخلف؟ وماذا سيبحثون، وأي جدول أعمال سيناقشون؟ والسؤال الأهم: من سيحضرون القمة، خصوصاً من الدول التي تسودها الصراعات، من سيمثلون بالضبط؟
سيكون هذا صادما لكثيرين من أبناء الأمة العربية، والأجيال التي تربت على دراسة أن ثورة 1919 في مصر باعتبارها الثورة التي طالبت بالاستقلال، ورفع الحماية وجلاء القوات البريطانية عن البلاد، وهو ما أكسبها صفة الثورة، وأعطى لرموزها وزعمائها، وفي مقدمتهم سعد باشا زغلول، مكانة وطنية رفيعة، وأن العراق شهد ثورة تحمل المبادئ والشعارات نفسها، قادها رشيد باشا عالي الكيلاني في العام 1941.
ثم كانت الثورة ذات الأثر الممتد، عمدة الثورات، في مصر، والتي انطلقت في 23 يوليو 1952، تحت مسمى حركة الضباط الأحرار، أو الحركة المباركة، والتي مرت بعدة مراحل، من حركة تطهير وإصلاح، في ظل الدستور والنظام الملكي القائم، إلى تغيير نظام الحكم وإلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية في العام التالي 1953، والانتقال من حركة إلى ثورة، ثم اكتسبت المصداقية كثورة، عندما توصلت إلى اتفاقية لجلاء قوات الاحتلال البريطانية عن مصر، وأصبح للجلاء عيد وطني.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأت تعم المنطقة كلها ما يمكن أن نسميها موجة التحرر الوطني، والتي امتدت لتشمل إفريقيا، وكانت الثورة المصرية، وزعامتها التاريخية المتمثلة في جمال عبد الناصر، هي الثورة الملهمة والنموذج الذي يُحتذى، ويكفي رفع شعاراتها الخاصة بالاستقلال ومحاربة الاستعمار، والتخلص من أي وجود عسكري أجنبي، ليتحول أي انقلاب على السلطة القائمة، أياً كانت، إلى ثورة مجيدة، فأهم إنجاز لثورة معمر القذافي في ليبيا تصفية قاعدة هويلس الجوية، ولا يقل أهمية عن ذلك جلاء القوات البريطانية عن قاعدة الحبانية العراقية، والأمثلة عديدة في كل العالم العربي، ودول كثيرة في أفريقيا.
لا أحد يُنكر قيمة الاستقلال والتحرر الوطني، والتخلص من مهانة الاحتلال العسكري الأجنبي بالنسبة للشعوب، ولكن، لم يكن أحد يتصور أن الثمن سيكون باهظاً، بقدر لن تطيقه تلك الشعوب! بعد أن أسست مجموعات الضباط الأحرار التي قامت بالحركات المباركة، وحولتها إلى ثورات مجيدة، نُظم حكم قالت إنها وطنية، قومية، تقدمية، ما لبثت أن تحولت، على مر السنوات، إلى نُظم سلطوية شمولية شديدة القهر والبطش، روجت لها دعاوى فئة من مثقفي السلطة الذين خانوا شعوبهم، ورفعوا شعارات المستبد العادل، والزعيم الملهم، والقائد الضرورة، والرئيس الدكر، وحتى الأمير المُتغلب.
وجاءت لحظة فارقة، عندما ضاق الناس بالحياة، تحت وطأة هذا القهر والظلم، فانطلقت موجة ثورية سادت المنطقة العربية، خصوصاً تلك الشعوب التي ترزح تحت نُظم الحكم الوطنية، القومية، التقدمية، التي أسستها مجموعات الضباط الأحرار في النصف الأول من القرن العشرين، واستحقت تلك الموجة الثورية، في بدايتها، أن يُطلق عليها الربيع العربي. وقبل أن تكتمل تلك الثورات، هبت على الربيع العربي رياح خماسينية عاتية تمثلت في الثورات المضادة.
وسادت المنطقة حالة من الفوضى الشديدة، فلا ثورات الربيع انتصرت وفرضت إرادة الشعوب، ولا الثورات المضادة نجحت في فرض سيطرتها، واستعادة النظم هيمنتها، على الرغم من تغيير الوجوه في قمة السلطة.
ويبدو المشهد الآن شديد الغرابة، بعد عقود تغنت فيها شعوب المنطقة بالاستقلال، والتحرر من النفوذ الأجنبي، وإقامة نُظم وطنية قومية، الكل يلهث طلبا للتدخل الأجنبي؟ سواء قوى ثورات الربيع، أو قوى الثورات المضادة، أو حتى المنظمات الإقليمية، وشبه الإقليمية، وكانت أبرز تلك المطالبات ما شهدته وتشهده الحالة الليبية. ففي 12 مارس/آذار 2011، اجتمع مجلس جامعة الدول العربية، وناشد مجلس الأمن التدخل العسكري في ليبيا، وفي 17 مارس/آذار، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1973 بالتدخل، ثم تكرر الأمر بعد الأحداث الأخيرة، وظهور تنظيم داعش في ليبيا، والغارة الجوية المصرية، رداً على إعلان داعش قتل 22 مواطناً مصرياً، وتطور الصراع الداخلي، وتم التوجه إلى مجلس الأمن ثانية، طلبا للتدخل! بل هناك من يلوم قوات "الناتو" على عدم استمرارها في ليبيا، بعد سقوط القذافي.
في اليمن، يوجه الرئيس عبد ربه منصور هادي نداءات لمجلس الأمن، طالبا التدخل العسكري، والحوثي يستدعي الدعم الإيراني. وفي العراق، وفي سورية، حدث ولا حرج، فالعالم كله هناك يتدخل عسكرياً، بشكل مباشر وغير مباشر. والمشهد عبثي بامتياز. قوات البشمركة الكردية، إلى جوار الحشد الشعبي الشيعي، والقوات النظامية العراقية، وفيلق القدس الإيراني، وفيلق بدر الشيعي. كلهم كتفا لكتف في مواجهة تكريت، وجميعهم في انتظار دعم قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا. وفي سورية، شيء شبيه بذلك، ويتصدر المشهد، في كل تلك الحالات، مبعوثون دوليون يديرون الأحداث، جمال بنعمر وستيفان ديميتسورا وبرنارد ليون، أمثلة.
الكل يسعى إلى التدخل الأجنبي، حتى في إفريقيا، شاهدنا رئيس مالي يشكر فرنسا على تدخلها العسكري في بلاده، ويشمل بالشكر الجزائر التي قدمت المساعدات اللوجستية.
في ظل كل تلك الظروف، وفى وسط هذا المشهد، تجري استعدادات لعقد مؤتمر القمة العربي السنوي، ورئاسة القمة في دورتها الجديدة لمصر، وبالتالي، سيعقد المؤتمر في شرم الشيخ، فمن سيحضر من الرؤساء والملوك والأمراء، ومن سيتخلف؟ وماذا سيبحثون، وأي جدول أعمال سيناقشون؟ والسؤال الأهم: من سيحضرون القمة، خصوصاً من الدول التي تسودها الصراعات، من سيمثلون بالضبط؟