08 نوفمبر 2024
هل أميركا "قوة خير في الشرق الأوسط"؟
زعم وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في خطابه في الجامعة الأميركية في القاهرة، قبل أسبوعين، أنه يريد أن يخبرنا "حقيقة"، وهي أن الولايات المتحدة "قوة خير في الشرق الأوسط". وأضاف: "عندما تتراجع أميركا، غالبا ما تتبع ذلك الفوضى، وعندما نهمل أصدقاءنا، يتصاعد الاستياء، وعندما نتعاون مع الأعداء، يتقدّمون". لم يتوقف بومبيو عند ذلك، فزعم أن "أميركا كانت، وستبقى دوما، قوة تحرير، لا قوة احتلال"، بل إنه لم ينس أن يغمز من قناة الرئيس السابق، باراك أوباما، والذي كان وجه خطابا للعالم الإسلامي من الجامعة نفسها، في يونيو/ حزيران 2009، تحت عنوان: "بداية جديدة"، فاتهمه، من دون ذكر اسمه، بإساءة قراءة التاريخ وبإساءة فهم اللحظة التاريخية حينها، بسبب حديثه عن أخطاء أميركية وأن "الإرهاب الإسلامي" لا ينبعث من إيديولوجيا، وهي الأمور التي أدت لاحقا إلى الثورات العربية، التي جاءت بالفوضى وأفسحت المجال لبروز التيارات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حسب زعمه. وخلص بومبيو من ذلك إلى القول: "الخبر السار: عصر الخزي الأميركي الذاتي قد انتهى، وكذلك السياسات التي ترتب عليها الكثير من المعاناة التي ليس لها داع. الآن تأتي بداية جديدة حقيقية". ولهذا كان عنوان محاضرته: "قوة من أجل الخير: أميركا تنبعث من جديد في الشرق الأوسط".
بعيدا عن كسر بومبيو عرفا أميركيا راسخا، ضرورة إحجام أي مسؤول عن نقد رئيس أميركي سابق خارج الولايات المتحدة، فإن ما جاء في خطابه كان محاولةً لإعادة كتابة التاريخ وتزييفه. وبغض النظر أكانت سياسات إدارتي أوباما، الأولى والثانية، منسجمةً مع القيم التي طرحها في خطابه في القاهرة، إلا أن الحقيقة أن كثيرا مما قاله أوباما، حينها، كان صحيحا. من ذلك، خطأ الولايات المتحدة في غض الطرف عقودا طويلة عن تطلعات الشعوب العربية
للحرية والكرامة والديمقراطية، بل ودعم أنظمةٍ ديكتاتوريةٍ قمعية. وكذلك، تخلي الولايات المتحدة عن كثير من قيمها بعد هجمات "11 سبتمبر" في 2001. المفارقة أن بومبيو الذي حدثنا عن "انبعاث أميركا من جديد" كـ"قوة خير في الشرق الأوسط"، لم يجد كثير خير يذكرُه، فكان أن حاول أن يجمل كثيرا من سياسات الولايات المتحدة البشعة في المنطقة على أساس أنها "أفعال خير".
مثلا، لم يتطرّق بومبيو في خطابه إلى موضوع الحريات والديمقراطية وضرورة الازدهار الاقتصادي لشعوب المنطقة. ولم يتطرق، من قريب أو بعيد، إلى ضرورة حدوث انفراجات سياسية في دول المنطقة، حتى لا تتصاعد انفجاراتها. ما بشّرنا به بومبيو هو مزيد من الحروب والصراعات والقتل والدمار، باسم الحرب على الإرهاب. ولم يتردّد أبدا في أن يلقي مِلْحاً على جروح شعوب المنطقة العربية النازفة، وهو يذكّرنا بأن أول زيارة خارجية للرئيس، دونالد ترامب، بعد توليه الرئاسة عام 2017، كانت إلى المنطقة لحضور قمة الرياض التي كان محورها الأساس التصدي للتطرّف ومحاربة الإرهاب. وأفاض بومبيو بتباشيره، فالولايات المتحدة مستمرةٌ في محاربة "داعش"، وهي تعمل على تطويق إيران، وهي شريك في حرب اليمن التي جعلها المحور السعودي - الإماراتي حرب تدمير لليمن وملايين من سكانه، من دون هزيمة للحوثيين، وهو ما دفع الكونغرس الأميركي بحزبيه، الجمهوري والديمقراطي، للتصويت على إيقاف الدعم الأميركي لتلك الحرب الكارثية التي نشرت المجاعة والأوبئة والموت بين اليمنيين.
ولكن بومبيو لا يتوقف عند ذلك الحد، فلا بد من جرعة إهانةٍ لمن يمدحهم من أنظمةٍ قمعية، يرى أن بلاده أخطأت في دعم الثورات الشعبية ضدها. "لقد التزمنا بكلمتنا". هكذا قال. وأضاف: "لقد وعد الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية بأن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. وفي شهر مايو نقلنا سفارتنا إليها". أي استخفافٍ هذا بتلك الأنظمة التي تنازلت عن كرامتها وسيادة شعوبها للولايات المتحدة مقابل كراسي سادتها! ويستمر بومبيو، فلا بد من بعض تقريظٍ للمضيف المصري. "إنني أشيد بالجهود التي يبذلها الرئيس (عبد الفتاح) السيسي لتعزيز الحريات الدينية، والتي تشكل مثالا يُحتذى لجميع القادة والشعوب في الشرق الأوسط". ولأن بومبيو لا يفرق بين الإخوان المسلمين و"داعش" وغيره من التيارات العنفية، فكلهم يتبنّون ذات "إيديولوجيا الإرهاب"، ومن ثمَّ فإن الانقلاب، عام 2013، كان إنقاذا لمصر، حسب منطقه ضمنا، فإنه لم يُعر اهتماما لملف حقوق الإنسان الكارثي في مصر، بشهادة منظماتٍ دوليةٍ مستقلة، كما لم يعر اهتماما لأكثر من ستين ألف سجين سياسي فيها. كل ما همّه أن يعبر عن سعادته بتبرئة نظام السيسي مواطنين أميركيين كانوا يعملون في منظمات غير حكومية في مصر.
ما سبق هو "الحقيقة" التي أصرّ بومبيو أن يحدّثنا عنها. ولكنها ليست "حقيقة" أبدا، بقدر ما
أنها محاولة استهبالٍ لشعوب المنطقة. وإذا ما قارنا خطاب أوباما بخطاب بومبيو من على منبر الجامعة نفسها في القاهرة، فإن أوباما كان أكثر اقترابا من "الحقيقة"، من دون أن يعني ذلك أنه قالها كلها. من ذلك مثلا، أنه أقر، حينها، أن حرب (غزو) العراق، عام 2003، كانت "حرب خيار"، على عكس أفغانستان التي كانت حرب ضرورة، ذلك أن تنظيم القاعدة الذي خطط ونفذ هجمات 2001 كان يتحصن في هذا البلد. وقد أثبتت التحقيقات والحقائق التي تكشفت في السنوات التالية للغزو الأميركي للعراق أن إدارة جورج بوش الابن فبركت مزاعم ارتباط نظام صدام حسين بـ"القاعدة"، وهو ما أدى إلى تعزيز قوة "القاعدة" بعد الغزو، وبروز "داعش"، تاليا، وانسياحه في فوضى المنطقة التي أحدثتها إدارة بوش. ثمَّ يأتي بومبيو اليوم ليزعم أن "أميركا كانت، وستبقى دوما، قوة تحرير، لا قوة احتلال"! إذا لم تكن هذه محاولةً بائسةً لتزييف الوقائع والحقائق، بل وحتى الواقع، وإذا لم تكن هذه محاولة لإعادة كتابة التاريخ، فماذا تكون إذن!؟ كانت سياسات أميركا في الشرق الأوسط، ولا تزال، في غالبها سيئة وشريرة، ويكفينا ما أورده بومبيو في خطابه في القاهرة لتجد كل الدلائل على ذلك. ذلك هو "الخزي" الحقيقي الذي يزعم بومبيو أن أميركا تحلّلت منه في الشرق الأوسط.
بعيدا عن كسر بومبيو عرفا أميركيا راسخا، ضرورة إحجام أي مسؤول عن نقد رئيس أميركي سابق خارج الولايات المتحدة، فإن ما جاء في خطابه كان محاولةً لإعادة كتابة التاريخ وتزييفه. وبغض النظر أكانت سياسات إدارتي أوباما، الأولى والثانية، منسجمةً مع القيم التي طرحها في خطابه في القاهرة، إلا أن الحقيقة أن كثيرا مما قاله أوباما، حينها، كان صحيحا. من ذلك، خطأ الولايات المتحدة في غض الطرف عقودا طويلة عن تطلعات الشعوب العربية
مثلا، لم يتطرّق بومبيو في خطابه إلى موضوع الحريات والديمقراطية وضرورة الازدهار الاقتصادي لشعوب المنطقة. ولم يتطرق، من قريب أو بعيد، إلى ضرورة حدوث انفراجات سياسية في دول المنطقة، حتى لا تتصاعد انفجاراتها. ما بشّرنا به بومبيو هو مزيد من الحروب والصراعات والقتل والدمار، باسم الحرب على الإرهاب. ولم يتردّد أبدا في أن يلقي مِلْحاً على جروح شعوب المنطقة العربية النازفة، وهو يذكّرنا بأن أول زيارة خارجية للرئيس، دونالد ترامب، بعد توليه الرئاسة عام 2017، كانت إلى المنطقة لحضور قمة الرياض التي كان محورها الأساس التصدي للتطرّف ومحاربة الإرهاب. وأفاض بومبيو بتباشيره، فالولايات المتحدة مستمرةٌ في محاربة "داعش"، وهي تعمل على تطويق إيران، وهي شريك في حرب اليمن التي جعلها المحور السعودي - الإماراتي حرب تدمير لليمن وملايين من سكانه، من دون هزيمة للحوثيين، وهو ما دفع الكونغرس الأميركي بحزبيه، الجمهوري والديمقراطي، للتصويت على إيقاف الدعم الأميركي لتلك الحرب الكارثية التي نشرت المجاعة والأوبئة والموت بين اليمنيين.
ولكن بومبيو لا يتوقف عند ذلك الحد، فلا بد من جرعة إهانةٍ لمن يمدحهم من أنظمةٍ قمعية، يرى أن بلاده أخطأت في دعم الثورات الشعبية ضدها. "لقد التزمنا بكلمتنا". هكذا قال. وأضاف: "لقد وعد الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية بأن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. وفي شهر مايو نقلنا سفارتنا إليها". أي استخفافٍ هذا بتلك الأنظمة التي تنازلت عن كرامتها وسيادة شعوبها للولايات المتحدة مقابل كراسي سادتها! ويستمر بومبيو، فلا بد من بعض تقريظٍ للمضيف المصري. "إنني أشيد بالجهود التي يبذلها الرئيس (عبد الفتاح) السيسي لتعزيز الحريات الدينية، والتي تشكل مثالا يُحتذى لجميع القادة والشعوب في الشرق الأوسط". ولأن بومبيو لا يفرق بين الإخوان المسلمين و"داعش" وغيره من التيارات العنفية، فكلهم يتبنّون ذات "إيديولوجيا الإرهاب"، ومن ثمَّ فإن الانقلاب، عام 2013، كان إنقاذا لمصر، حسب منطقه ضمنا، فإنه لم يُعر اهتماما لملف حقوق الإنسان الكارثي في مصر، بشهادة منظماتٍ دوليةٍ مستقلة، كما لم يعر اهتماما لأكثر من ستين ألف سجين سياسي فيها. كل ما همّه أن يعبر عن سعادته بتبرئة نظام السيسي مواطنين أميركيين كانوا يعملون في منظمات غير حكومية في مصر.
ما سبق هو "الحقيقة" التي أصرّ بومبيو أن يحدّثنا عنها. ولكنها ليست "حقيقة" أبدا، بقدر ما