هل الهوية أداة حرب؟
من يتأمل، اليوم، في الأحداث الكثيرة التي ينقلها لنا التلفزيون يومياً، يعتقد فعلاً أن الهوية أداة حرب.
فسواء نظرت إلى ما يحدث في العراق أو سورية أو حتى إلى العمليات الإرهابية في أوروبا، يعتقد المرء أننا نعيش حرباً بين هويات مختلفة. إن أمين معلوف يؤكد بحق في "الهويات القاتلة" أن اختزال الهوية ومركباتها المختلفة في عنصر قوي واحد كالدين مثلاً، يضر بالهوية ويحولها إلى أداة حرب.
وبالفعل فإن هذا الاختزال للهوية في عنصر واحد، يصنع منها هوية مغلقة، ترى في بقية الهويات تهديداً لها. وإذا كان هذا العنصر القوي دينياً أو إثنيا، فإنه سيعمد إلى نسيان كل المكونات الأخرى، كما حدث في حروب البلقان أو يحدث اليوم في العراق وسورية.
إن الهوية المغلقة هي نسيان للتعدد والاختلاف الذي يصنع هذه الهوية، ويعتبر هذا أكبر تهديد للهوية وليس خصومها المفترضين، لأن الهويات تموت حين تنحصر وتخبو حين تعادي العالم من حولها. ولهذا فإنه برأيي أكبر خطر يتهدد الإسلام والمسلمين هو انقطاعهم عن العالم وتقوقعهم.
لقد كانت الثقافة الإسلامية قوية، لما كانت أكثر انفتاحاً على العالم والثقافات الأخرى، وتمكنت من احتضان هويات مختلفة بداخلها، فلم تهدم كنيسة ولا معبداً يهودياً ولم تتردد في ترجمة الثقافات الأخرى إلى العربية كترجمة الموروث اليوناني، كذا الإيراني والهندي مما سمح بازدهار العلم والفلسفة.
لكن لماذا تحولت، اليوم، المجتمعات المسلمة إلى مجتمعات معادية للتسامح والاختلاف؟ ولماذا استطاع الغرب الذي يمتلك تاريخاً طويلاً من التعصب وعدم التعايش، أن ينتج مجتمعات تحترم حرية التعبير؟
يكتب أمين معلوف في "الهويات القاتلة": "لا أحلم بعالم لا مكان للدين فيه، وإنما بعالم تنفصل فيه الحاجة إلى الروحانية عن الحاجة إلى الانتماء. بعالم لا يستشعر فيه الإنسان، مع بقائه متعلقاً بمعتقداته وعبادته وقيمه الأخلاقية المستلهمة من كتاب مقدس، بالحاجة إلى الانضمام إلى أخوته في الدين. (...) وإذا كنا نريد حقًا تجنب أن يستمر هذا الخليط بتغذية التعصب، والرعب، والحروب الإثنية، يجب التمكن من إشباع الهوية بطريقة أخرى".
إننا في الواقع لا نحتاج إلى إشباع الهوية، بل فقط إلى إدراك تعددها وتغيرها عبر الأزمنة والأمكنة، كما نحتاج إلى مراجعة أحكامنا المسبقة، أو التوقف عن إصدار أحكام متسرعة بحق الآخرين، مثل اعتبار الإسلام السياسي تعبيراً عفوياً عن طبيعة الشعوب العربية. ومن يبحث في تاريخ العالم الإسلامي، لن يجد أي إشارة لتأسيس جمهورية إسلامية أو قيام ثورة إسلامية داعشية، إن هذه الحركات ليست نتاجاً للتاريخ الإسلامي، إنها نتاج عصرنا وتوتراته وانحرافاته وعنفه.