مع انسحاب حزب "المسار" التونسي (اليساري)، أمس الأربعاء، من حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها يوسف الشاهد، لم يبق في الحكومة غير حركة "النهضة" و"نداء تونس"، و"المستقلين"، لتنتهي عملياً تلك الحكومة التي خرجت من رحم اتفاق "قرطاج الأول"، بمباركة تسعة أحزاب وثلاث منظمات وطنية.
وولدت حكومة الشاهد منذ نحو عامين، تحديداً في 13 يوليو/تموز 2016، بالتقاء عدد من الأحزاب والمنظمات التي وقّعت وثيقة قرطاج الأولى، وهي "نداء تونس"، حركة "النهضة"، "الاتحاد الوطني الحر"، "آفاق تونس"، حركة "مشروع تونس"، حركة "الشعب"، حزب "المبادرة الوطنية الدستورية"، الحزب "الجمهوري"، وحزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي".
أمّا المنظمات التي وقّعت على الوثيقة، فهي "الاتحاد العام التونسي للشغل"، و"الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية"، و"الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري".
وفي وقت لاحق، أعلن كل من "آفاق تونس" و"الجمهوري" عن خروجهما من الحكومة، في حين تمسّك وزراؤهما بمناصبهم، بما قاد إلى إقالتهم أو تجميد عضويتهم من حزبيهما، بينما أعلن "اتحاد الشغل" و"الوطني الحر" و"رجال الأعمال" عن رغبتهم في تغيير حكومة الشاهد تغييراً كلياً يشمله، ما يشير إلى أنه لم يبق غير "النهضة" و"النداء" و"المستقلين" في حكومة الوحدة الوطنية.
ويدرك المتابعون في تونس أن كل هذه الأحزاب المنسحبة لا تمثل امتداداً برلمانياً أو شعبيًا قوياً، وإنما جاءت لتساند تحالف "النداء" و"النهضة" وتوسع من الحزام السياسي لحكومة الشاهد، في وقت احتاجت فيه للقيام بإصلاحات كبيرة لإنقاذ الاقتصاد المتردي، على الرغم من أن نواة هذه الحكومة الأساسية، تحالف الحزبين الكبيرين، سقط أيضاً مع انتهاء مرحلة التوافق، ودخول "النهضة" و"النداء" في مواجهة مفتوحة بتمسّك الأولى بالشاهد، يقابلها رغبة الثانية في إبعاده، مع أنه عضو في "النداء"، وهو الذي اقترحه رئيساً للحكومة بعد إقالة الحبيب الصيد.
ولم يسلم "نداء تونس" من الانشقاقات بسبب الموقف من الشاهد، وتحوّل الحزب بدوره إلى حزبين، والكتلة إلى كتلتين، ما خلق حالة من الفوضى التي زادت من ضبابية الموقف، ولم يعد مساندو الشاهد ومعارضوه متيقنين من حصولهم على أغلبية برلمانية تمكن أحدهما من ضمان نجاح موقفه إذا ما تم اللجوء إلى البرلمان لحسم هذه الأزمة التي طالت كثيراً من دون التوصل إلى أي حل.
ويتساءل المتابعون اليوم عمّا بقي من مفهوم الوحدة الوطنية في حكومة الشاهد، بعد ما تخلى الجميع عنه، بمن فيهم الرئيس الباجي قائد السبسي الذي جاء به؟ وبالخصوص كيف يمكن تجاوز هذه المرحلة وسط هذا الانقسام الكبير الذي أطاح بأي مفهوم للوحدة أو حتى للتحالف؟
وترافق هذه الحيرة أسئلة أخرى حول نوعية نظام الحكم الذي قام على مؤسسات تُعطل إحداها الأخرى وتمنعها من أي تغيير يمكن أن يحلحل أزمة؟ وكيف يمكن التفكير أصلاً في تغيير هذه القوانين وبناء مؤسسات دستورية يتم اللجوء إليها عند الحاجة، والبرلمان تقريباً في شلل تام نتيجة انقسام كتله، وفشله في تحصيل توافقات حول المواضيع الكبرى.