31 أكتوبر 2024
هل تؤثر أحداث إيران على نفوذها الإقليمي؟
مؤكد أن إيران لا يمكن أن تتجاوز ما حدث من احتجاجات وكأنه لم يحدث. تبدو الأمور هذه المرّة مختلفة عما تعرفه خبراتنا عن إيران، وما حدث سنة 2009 كان "عركة" بين أصحاب البيت، أما اليوم فهناك آخر، "القاع الاجتماعي" يهدّد الجميع، "المحافظين والإصلاحيين". ولأن قادة إيران يعرفون أن شعبها هو صانع السجادة الحقيقي، وأن الصبر والهدوء هو أسلوب عمل وطريقة حياة، يستطيع من خلالهما تضليل الآخر لإيقاعه في الخطأ الحسابي، تماما كما حصل في الثورة ضد الشاه، حيث بدأت أحداثها عادية ورتيبة، واستمرت هكذا عاما، حتى تبدى للشاه وحلفائه أنه تم احتواء الثورة، لتنعطف الأخيرة وتسجل ضربتها القاضية.
على ذلك، سيكون لحدث الاحتجاجات انعكاسات على مستوى قادة وصناع القرار (النخب الحاكمة)، ستظهر آراء تنادي بضرورة الانكفاء داخليا لإدارة الأزمة، وآراء ستطالب بتخفيف الانهماك بالخارج، والالتفات إلى الداخل، ومعالجة أزماته، وتفكيك القنابل الموقوتة الكثيرة في البيت الإيراني. وستتصارع هذه الآراء، وتتفاعل فيما بينها، وبينها وبين الشارع، وسيكون لها أثر على موازين القوى بين المحافظين والإصلاحيين، وقد يتشكل تيار ثالث في السلطة، يتجاوز طروحاتهما، فالحريق وصل إلى البيت الداخلي، ولم تعد مسارح سورية واليمن ساحاته، وبالتالي، يجب أن تكون الترتيبات مختلفة.
وإذا كان من الطبيعي أن تكون لهذه التغييرات المحتملة انعكاساتها على طبيعة إدارة إيران ملفاتها الإقليمية، في ظل وصول الانتشار الإيراني، على مستوى الإقليم، إلى درجاتٍ لم يسبق لأنظمة الحكم الإيرانية معرفتها في العصر الحديث. ولا يمكن لأحد نكران حقيقة أن إيران أسست شبكة إقليمية اخترقت بها مجتمعات الدول المجاورة وأنظمتها، كما أنها أوصلت وكلاءها في المنطقة إلى سدة السلطة، أو جعلتهم يتحكمون بمخرجات السياسة والسلطة في تلك البلدان. والأكثر من ذلك، غيرت إيران خريطة الجغرافيا السياسية للمنطقة بشكل كبير، إلى درجةٍ أصبحت جارة لدول المنطقة جميعها، بفضل وكلائها.
وليس خافياً أن إيران بذلت الجزء الأكبر من طاقتها الاقتصادية والسياسية، في العقد الأخير، في مسعى ترتيب الشؤون الإقليمية لمصلحتها، واستثمار الفرص التي قدّرت أنها لا تعوّض، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت إيران فاعلاً إقليميا ومؤثراً في مجمل قضايا الإقليم، وزعم قادتها أن لا شيء يمكن تقريره بخصوص دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء من دون الرجوع إلى طهران.
وبالمعنى الإستراتيجي، جرى تفسير الفعل الإيراني في المنطقة ب "صناعة الفراغ وملئه"، فبعد أن أوجدت مجالاً فوضويا في غالبية الدول التي وقعت تحت تأثيراتها، من خلال تحطيم ركائز وطنيتها، وتدمير أنسجتها الاجتماعية، صنعت بدائل للجيوش تمثلت بالمليشيات، وقسّمت المجتمعات عقائدياً ومذهبياً، ثم صدّرت رجالاتها، قاسم سليماني وأضرابه لإدارة هذا المجال الفوضوي، وحرّكت دبلوماسيتها للتفاوض على جملة أوراق الدول التي تساقطت في خريف النظام الدولي المعاصر.
مؤكّدٌ أن إنشغال إيران بداخلها وبصراعاتها الداخلية المحتملة، ورفع يدها الثقيلة عن المنطقة، سيولد فراغا كبيرا. والسؤال البديهي الذي يشغل كثيرين اليوم، كيف سيكون شكل المعادلات في المنطقة في حال حصول هذا التطور، وهو ليس افتراضياً بالمطلق، بل يقع في الدائرة القريبة لتداعيات الأحداث الإيرانية، هل ستتغير قواعد اللعبة كليا لصالح الأطراف التي تضرّرت من الوجود الإيراني، أم أن وكلاء إيران أصبحوا من القوة، بحيث لم يعودوا في حاجة لإشراف مباشر منها، أم أن خصومها وصلوا إلى مرحلة من الضعف لم تعد لديهم القدرة على إدارة مسارح المناطق التي تنسحب منها إيران؟
لا أحد في المنطقة لديه الاستعداد لملء الفراغ ، فأدوات ملء الفراغ هي ذاتها أدوات مواجهة المشروع الإيراني، والتي لم يجر تأسيسها وتنظيمها، بل كان هناك حركة تفكيك واضحة لهياكل وبنىً كان ممكنا أن تكون أدوات فاعلة في مواجهة المشروع الإيراني؟ هل تتوزع روسيا وأميركا حصة إيران الإقليمية؟ لا يبدو هذا الاحتمال ممكنا، فالتوجه الروسي الأميركي "الاستعماري" المحدّث يقوم على أساس انتخاب ديمغرافيا وجغرافيا محدّدة للاستثمار فيها، ومنع قيام أيٍّ من أشكال النظام والدولة في جوارهما، إما بهدف تظهير نجاح تجاربهما في مناطق سيطرتهما، أو اعتبار ذلك شرطا لازما لنجاح تلك التجارب في الأصل.
هل تفتح تداعيات الحدث الإيراني على متغيراتٍ جديدة غير محسوبة، من نوع حصول تغييرات في البيئة المؤيدة لإيران، من خلال ظهور أصوات داخلية أو بروز تيارات تنتهز فرصة ضعف اليد الإيرانية؟
على ذلك، سيكون لحدث الاحتجاجات انعكاسات على مستوى قادة وصناع القرار (النخب الحاكمة)، ستظهر آراء تنادي بضرورة الانكفاء داخليا لإدارة الأزمة، وآراء ستطالب بتخفيف الانهماك بالخارج، والالتفات إلى الداخل، ومعالجة أزماته، وتفكيك القنابل الموقوتة الكثيرة في البيت الإيراني. وستتصارع هذه الآراء، وتتفاعل فيما بينها، وبينها وبين الشارع، وسيكون لها أثر على موازين القوى بين المحافظين والإصلاحيين، وقد يتشكل تيار ثالث في السلطة، يتجاوز طروحاتهما، فالحريق وصل إلى البيت الداخلي، ولم تعد مسارح سورية واليمن ساحاته، وبالتالي، يجب أن تكون الترتيبات مختلفة.
وإذا كان من الطبيعي أن تكون لهذه التغييرات المحتملة انعكاساتها على طبيعة إدارة إيران ملفاتها الإقليمية، في ظل وصول الانتشار الإيراني، على مستوى الإقليم، إلى درجاتٍ لم يسبق لأنظمة الحكم الإيرانية معرفتها في العصر الحديث. ولا يمكن لأحد نكران حقيقة أن إيران أسست شبكة إقليمية اخترقت بها مجتمعات الدول المجاورة وأنظمتها، كما أنها أوصلت وكلاءها في المنطقة إلى سدة السلطة، أو جعلتهم يتحكمون بمخرجات السياسة والسلطة في تلك البلدان. والأكثر من ذلك، غيرت إيران خريطة الجغرافيا السياسية للمنطقة بشكل كبير، إلى درجةٍ أصبحت جارة لدول المنطقة جميعها، بفضل وكلائها.
وليس خافياً أن إيران بذلت الجزء الأكبر من طاقتها الاقتصادية والسياسية، في العقد الأخير، في مسعى ترتيب الشؤون الإقليمية لمصلحتها، واستثمار الفرص التي قدّرت أنها لا تعوّض، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت إيران فاعلاً إقليميا ومؤثراً في مجمل قضايا الإقليم، وزعم قادتها أن لا شيء يمكن تقريره بخصوص دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء من دون الرجوع إلى طهران.
وبالمعنى الإستراتيجي، جرى تفسير الفعل الإيراني في المنطقة ب "صناعة الفراغ وملئه"، فبعد أن أوجدت مجالاً فوضويا في غالبية الدول التي وقعت تحت تأثيراتها، من خلال تحطيم ركائز وطنيتها، وتدمير أنسجتها الاجتماعية، صنعت بدائل للجيوش تمثلت بالمليشيات، وقسّمت المجتمعات عقائدياً ومذهبياً، ثم صدّرت رجالاتها، قاسم سليماني وأضرابه لإدارة هذا المجال الفوضوي، وحرّكت دبلوماسيتها للتفاوض على جملة أوراق الدول التي تساقطت في خريف النظام الدولي المعاصر.
مؤكّدٌ أن إنشغال إيران بداخلها وبصراعاتها الداخلية المحتملة، ورفع يدها الثقيلة عن المنطقة، سيولد فراغا كبيرا. والسؤال البديهي الذي يشغل كثيرين اليوم، كيف سيكون شكل المعادلات في المنطقة في حال حصول هذا التطور، وهو ليس افتراضياً بالمطلق، بل يقع في الدائرة القريبة لتداعيات الأحداث الإيرانية، هل ستتغير قواعد اللعبة كليا لصالح الأطراف التي تضرّرت من الوجود الإيراني، أم أن وكلاء إيران أصبحوا من القوة، بحيث لم يعودوا في حاجة لإشراف مباشر منها، أم أن خصومها وصلوا إلى مرحلة من الضعف لم تعد لديهم القدرة على إدارة مسارح المناطق التي تنسحب منها إيران؟
لا أحد في المنطقة لديه الاستعداد لملء الفراغ ، فأدوات ملء الفراغ هي ذاتها أدوات مواجهة المشروع الإيراني، والتي لم يجر تأسيسها وتنظيمها، بل كان هناك حركة تفكيك واضحة لهياكل وبنىً كان ممكنا أن تكون أدوات فاعلة في مواجهة المشروع الإيراني؟ هل تتوزع روسيا وأميركا حصة إيران الإقليمية؟ لا يبدو هذا الاحتمال ممكنا، فالتوجه الروسي الأميركي "الاستعماري" المحدّث يقوم على أساس انتخاب ديمغرافيا وجغرافيا محدّدة للاستثمار فيها، ومنع قيام أيٍّ من أشكال النظام والدولة في جوارهما، إما بهدف تظهير نجاح تجاربهما في مناطق سيطرتهما، أو اعتبار ذلك شرطا لازما لنجاح تلك التجارب في الأصل.
هل تفتح تداعيات الحدث الإيراني على متغيراتٍ جديدة غير محسوبة، من نوع حصول تغييرات في البيئة المؤيدة لإيران، من خلال ظهور أصوات داخلية أو بروز تيارات تنتهز فرصة ضعف اليد الإيرانية؟