24 سبتمبر 2020
هل تجدد الهجرة العربية شباب أوروبا؟
فجأة تدفقت على السواحل الأوروبية موجات من المهاجرين واللاجئين القادمين من جنوب المتوسط، أغلبيتهم يحملون جنسيات عربية، في مقدمتها السورية، ومنهم من يحمل جنسيات أخرى من دول الشرق الأوسط البائسة، مثل أفغانستان وباكستان. والموجات لا تتوقف، مئات الآلاف من البشر، ومعظمهم، كما يبدو عبر الفضائيات، من الشباب، ومجموعات من الأسر يصطحبون أطفالهم في عمر الزهور، وأعداد من كبار السن نسبياً، وإن كانوا قادرين على تحمل المشاق والحركة وقطع آلاف الأميال، سعياً إلى الوصول إلى غرب أوروبا بأسبقية ألمانيا، فإنجلترا، وفرنسا، ثم باقي دول غرب أوروبا.
هذا هو المشهد على مدى أكثر من أسبوعين، لكن المثير رد الفعل الغربي عموماً، والأوروبي خصوصاً، وفي المقدمة دول مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، وهي دول كانت تعارض، بل تكافح بشدة عمليات الهجرة غير الشرعية إليها من الشرق الأوسط، بل كانت تلك القضية، بالتحديد، أحد أسباب تأييدها المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد، فإذا بنا نرى رد فعل غير متوقع بالمرة، وهو الترحيب بتلك الموجات من البشر القادمين إليها، بل واستقبالهم بحفاوة مبالغ فيها، وإعداد معسكرات مجهزة لهم، إلى حين تسجيلهم ومنحهم بطاقات الإقامة، وبالطبع، تصاريح العمل، وتوزيعهم على المناطق التي هي بحاجة إليهم على امتداد البلاد، لينخرطوا في سوق العمل، بالحد الأدنى للأجور، وهو ما يكفيهم للعيش مع تمتعهم بالخدمات التي تقدمها الدولة لهم، باعتبارهم لاجئين مُرَحباً بهم، وهو ما لم يكونوا يحلمون به في أوطانهم الأصلية.
وشاهدنا رؤساء الحكومات يتنافسون على استقبال المهاجرين، بأعداد مفتوحة تبدأ من 100 ألف وتتزايد، ودخلت على الخط بعض دول أميركا الجنوبية، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا.
ما سر كل هذه المشاعر الإنسانية الراقية التي ظهرت فجأة على أوروبا الغربية وحكامها
ومواطنيها الذين يقفون على محطات القطارات في ميونيخ ومدريد، وغيرهما، بالورود والأطعمة والحلوى، يستقبلون المهاجرين واللاجئين، وبلغ الأمر بصحف ألمانية، مثل بيلد وبى زِد، أن ترفق بإصداراتها أربع صفحات باللغة العربية بإرشادات مهمة للوافدين العرب، وهم من كانوا يعتبرون أي وافد من الشرق، وخصوصاً بلاد العرب، مجرد ڤيروس يجب عزله والقضاء عليه.
ويجتمع البرلمان الأوروبي، ويتخذ قراراً بتحديد حصص المهاجرين لكل دولة، ويضع في الاعتبار أن أكثر الدول طلبا لهم هي دول غرب أوروبا، والتي شملت ربما، للمرة الأولى، دولاً مثل السويد والنمسا. مع مراعاة تحفظ بعض دول شرق أوروبا لظروفها الاقتصادية، وهي، في الوقت نفسه، غير مرغوبة من المهاجرين. ولعل ألمانيا هي النموذج الأكثر وضوحاً في الترحيب بالمهاجرين، فقد زارت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، معسكرات المهاجرين المؤقتة، ورحبت بهم، واطمأنت إلى أحوالهم. أما الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فقد أعلن، على استيحاء، أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لاستقبال 10 آلاف مهاجر سوري، مع بداية الشهر المقبل، وعلى امتداد العام.
علينا مراجعة المشهد بدقة، لعلنا نتعرف إلى طبيعة المتغيرات التي جرت، فعلى جانب المهاجرين، خصوصاً السوريين منهم، وهم الأغلبية. فإننا إذا دققنا النظر نكتشف أن معظمهم من الشباب يصطحبون أسرهم، وتبدو عليهم مظاهر عدم الاحتياج المادي، ما يعني أنهم خرجوا من ديارهم للهروب من خطر الموت، أو بعد أن فقدوا بيوتهم ومحلاتهم ومصادر رزقهم، تحت وقع براميل بشار المتفجرة، أو سيارات تنظيم الدولة المفخخة؟ شباب في صحة جيدة، وفي مقتبل العمر، ومنهم من يصطحب زوجة شابة وأطفالاً، تبدو عليهم الصحة، ولديهم قدر من التعليم أو الخبرة المهنية والحرفية، أو القدرة على اكتساب مهارات جديدة بعد قدر مناسب من التدريب، والأهم أنهم جميعاً، وبلا استثناء، يتطلعون إلى العيش الآمن، في مجتمعات تقدس الحرية وحقوق الإنسان.
تلك هي الصورة على جانب المهاجرين واللاجئين. أما على الجانب الآخر، فإن التفسير الحقيقي لذلك الترحيب يكمن، أساساً، في حاجة تلك المجتمعات الماسة إلى الأيدي العاملة المؤهلة (في دراسة أخيرة لمكتب العمل السويدي أن 38% من المهاجرين السوريين يحملون شهادات جامعية)، وإلى ضخ دماء جديدة إلى سوق العمل الذي يعاني من النقص الحاد في ظل وجود مشروعات طموحة للتنمية والتطور. هكذا يكون أولئك المهاجرون فرصة حقيقية لتلك المجتمعات، خصوصاً أنهم، في ظروف تجعلهم يقبلون الحد الأدنى من الأجور والخدمات والحقوق فترات طويلة، وليس علينا سوى الاستماع لأحد المهاجرين السوريين يقول: كل ما أطلبه مسكن صغير لي ولأسرتي، ومصدر للعيش في أمان، بعد ما شاهدناه من رعب، ومستعد للعمل فوراً.
قوى عاملة بعشرات الآلاف لا تحتاج أكثر من استقبال مطمئن وفحص، وتصنيف وفرز وتسجيل، أو التدريب المركّز لمن يحتاج إلى تدريب، ثم الدفع بهم إلى أسواق العمل.
في ظل تلك الظروف، لا بد أن تتنافس بعض دول أوروبا الغربية، خصوصاً تلك التي تعاني من نقص في القوى العاملة، مثل ألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وفرنسا، لاستقبال هذه النوعية من المهاجرين الذين قدم معظمهم بحثا فقط عن الأمان وبغطاء إنساني، وهو استقبال ورعاية اللاجئين الفارين من جحيم نظام الأسد وبراميله المتفجرة. لذا، كانت الأسبقية في القبول لمن يحمل الهوية السورية، فظهرت على الفور تجارة تزوير بطاقات الهوية وجوازات السفر السورية، لبيعها لغير السوريين.
ومن دون استرسال، لأن المشهد معروض بكل تفاصيله على شاشات الفضائيات، الدم العربي الفتي يتم ضخه في عروق أوروبا، بعد سحبه من أوطانه، وبأقل التكاليف.
والمهم أنه لم يعد هناك مبرر لأي حاكم، لأن يقول لشعبه: أنقذتكم من مصير سورية والعراق. بعد أن أصبح جواز السفر السوري صعب المنال، ولسان حال المواطن في دول عربية كثيرة ترفع شعار "مش أحسن من سورية والعراق" يقول يا ليتني كنت سورياً، حتى تتاح له فرصة اللجوء في ألمانيا أو النمسا أو السويد.
فهل أصبح على الإنسان العربي الذي ينجو من إراقة دمه على يد حاكم متغلب في وطنه، أن يتحول إلى دم جديد، يتم ضخه في شرايين أوروبا لتجديد شبابها؟ من دون أن تتكبد مشقة إعداد الأساطيل والحملات الاستعمارية للغزو والاحتلال؟ بل تنتظر منا الشكر والعرفان على إنسانيتها.
هذا هو المشهد على مدى أكثر من أسبوعين، لكن المثير رد الفعل الغربي عموماً، والأوروبي خصوصاً، وفي المقدمة دول مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، وهي دول كانت تعارض، بل تكافح بشدة عمليات الهجرة غير الشرعية إليها من الشرق الأوسط، بل كانت تلك القضية، بالتحديد، أحد أسباب تأييدها المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد، فإذا بنا نرى رد فعل غير متوقع بالمرة، وهو الترحيب بتلك الموجات من البشر القادمين إليها، بل واستقبالهم بحفاوة مبالغ فيها، وإعداد معسكرات مجهزة لهم، إلى حين تسجيلهم ومنحهم بطاقات الإقامة، وبالطبع، تصاريح العمل، وتوزيعهم على المناطق التي هي بحاجة إليهم على امتداد البلاد، لينخرطوا في سوق العمل، بالحد الأدنى للأجور، وهو ما يكفيهم للعيش مع تمتعهم بالخدمات التي تقدمها الدولة لهم، باعتبارهم لاجئين مُرَحباً بهم، وهو ما لم يكونوا يحلمون به في أوطانهم الأصلية.
وشاهدنا رؤساء الحكومات يتنافسون على استقبال المهاجرين، بأعداد مفتوحة تبدأ من 100 ألف وتتزايد، ودخلت على الخط بعض دول أميركا الجنوبية، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا.
ما سر كل هذه المشاعر الإنسانية الراقية التي ظهرت فجأة على أوروبا الغربية وحكامها
ويجتمع البرلمان الأوروبي، ويتخذ قراراً بتحديد حصص المهاجرين لكل دولة، ويضع في الاعتبار أن أكثر الدول طلبا لهم هي دول غرب أوروبا، والتي شملت ربما، للمرة الأولى، دولاً مثل السويد والنمسا. مع مراعاة تحفظ بعض دول شرق أوروبا لظروفها الاقتصادية، وهي، في الوقت نفسه، غير مرغوبة من المهاجرين. ولعل ألمانيا هي النموذج الأكثر وضوحاً في الترحيب بالمهاجرين، فقد زارت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، معسكرات المهاجرين المؤقتة، ورحبت بهم، واطمأنت إلى أحوالهم. أما الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فقد أعلن، على استيحاء، أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لاستقبال 10 آلاف مهاجر سوري، مع بداية الشهر المقبل، وعلى امتداد العام.
علينا مراجعة المشهد بدقة، لعلنا نتعرف إلى طبيعة المتغيرات التي جرت، فعلى جانب المهاجرين، خصوصاً السوريين منهم، وهم الأغلبية. فإننا إذا دققنا النظر نكتشف أن معظمهم من الشباب يصطحبون أسرهم، وتبدو عليهم مظاهر عدم الاحتياج المادي، ما يعني أنهم خرجوا من ديارهم للهروب من خطر الموت، أو بعد أن فقدوا بيوتهم ومحلاتهم ومصادر رزقهم، تحت وقع براميل بشار المتفجرة، أو سيارات تنظيم الدولة المفخخة؟ شباب في صحة جيدة، وفي مقتبل العمر، ومنهم من يصطحب زوجة شابة وأطفالاً، تبدو عليهم الصحة، ولديهم قدر من التعليم أو الخبرة المهنية والحرفية، أو القدرة على اكتساب مهارات جديدة بعد قدر مناسب من التدريب، والأهم أنهم جميعاً، وبلا استثناء، يتطلعون إلى العيش الآمن، في مجتمعات تقدس الحرية وحقوق الإنسان.
تلك هي الصورة على جانب المهاجرين واللاجئين. أما على الجانب الآخر، فإن التفسير الحقيقي لذلك الترحيب يكمن، أساساً، في حاجة تلك المجتمعات الماسة إلى الأيدي العاملة المؤهلة (في دراسة أخيرة لمكتب العمل السويدي أن 38% من المهاجرين السوريين يحملون شهادات جامعية)، وإلى ضخ دماء جديدة إلى سوق العمل الذي يعاني من النقص الحاد في ظل وجود مشروعات طموحة للتنمية والتطور. هكذا يكون أولئك المهاجرون فرصة حقيقية لتلك المجتمعات، خصوصاً أنهم، في ظروف تجعلهم يقبلون الحد الأدنى من الأجور والخدمات والحقوق فترات طويلة، وليس علينا سوى الاستماع لأحد المهاجرين السوريين يقول: كل ما أطلبه مسكن صغير لي ولأسرتي، ومصدر للعيش في أمان، بعد ما شاهدناه من رعب، ومستعد للعمل فوراً.
قوى عاملة بعشرات الآلاف لا تحتاج أكثر من استقبال مطمئن وفحص، وتصنيف وفرز وتسجيل، أو التدريب المركّز لمن يحتاج إلى تدريب، ثم الدفع بهم إلى أسواق العمل.
في ظل تلك الظروف، لا بد أن تتنافس بعض دول أوروبا الغربية، خصوصاً تلك التي تعاني من نقص في القوى العاملة، مثل ألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وفرنسا، لاستقبال هذه النوعية من المهاجرين الذين قدم معظمهم بحثا فقط عن الأمان وبغطاء إنساني، وهو استقبال ورعاية اللاجئين الفارين من جحيم نظام الأسد وبراميله المتفجرة. لذا، كانت الأسبقية في القبول لمن يحمل الهوية السورية، فظهرت على الفور تجارة تزوير بطاقات الهوية وجوازات السفر السورية، لبيعها لغير السوريين.
ومن دون استرسال، لأن المشهد معروض بكل تفاصيله على شاشات الفضائيات، الدم العربي الفتي يتم ضخه في عروق أوروبا، بعد سحبه من أوطانه، وبأقل التكاليف.
والمهم أنه لم يعد هناك مبرر لأي حاكم، لأن يقول لشعبه: أنقذتكم من مصير سورية والعراق. بعد أن أصبح جواز السفر السوري صعب المنال، ولسان حال المواطن في دول عربية كثيرة ترفع شعار "مش أحسن من سورية والعراق" يقول يا ليتني كنت سورياً، حتى تتاح له فرصة اللجوء في ألمانيا أو النمسا أو السويد.
فهل أصبح على الإنسان العربي الذي ينجو من إراقة دمه على يد حاكم متغلب في وطنه، أن يتحول إلى دم جديد، يتم ضخه في شرايين أوروبا لتجديد شبابها؟ من دون أن تتكبد مشقة إعداد الأساطيل والحملات الاستعمارية للغزو والاحتلال؟ بل تنتظر منا الشكر والعرفان على إنسانيتها.