على الرغم من الحرب التجارية الشرسة التي تخوضها الصين مع أميركا وسياسة الحياد في الصراعات العسكرية التي حدثت في منطقة الخليج الغنية بالنفط، والحيوية بالنسبة للاقتصاد الصيني، فإنها لم تستبعد هذه المرة الاشتراك في التحالف العسكري البحري الدولي الذي تعكف واشنطن على تشكيله "لحراسة الناقلات النفطية" في مضيق هرمز.
ونقلت وكالة رويترز عن السفير الصيني في أبوظبي، ني جيان، في تصريحات مساء الثلاثاء، قوله "في حال أصبحت الملاحة البحرية غير آمنة في الخليج، فسنفكر في مصاحبة أسطولنا البحري للسفن التجارية في مضيق هرمز". وأضاف السفير جيان: "ندرس المقترح الأميركي حول ترتيبات مصاحبة سفن حربية للبواخر التجارية". ودعت الولايات المتحدة، خلال الشهر الماضي، أكثر من 60 دولة للاشتراك في هذا التحالف العسكري البحري لحماية أمن ملاحة الناقلات التجارية في الخليج.
وحتى الآن، وجدت واشنطن استجابة من بريطانيا، ولكن الدعوة لم تحظ بقبول من دول مهمة من بينها كل من فرنسا وألمانيا اللتين تسعيان إلى طرح مبادرة أوروبية منفصلة بشأن أمن ملاحة السفن التجارية في الخليج. وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد دعا، في تغريدة نشرها في 24 يونيو/حزيران بطريقة غير مباشرة، كلا من الصين واليابان ودولا أخرى إلى حماية إمدادات نفطها التي تمر عبر مضيق هرمز.
وقال ترامب في التغريدة: "تحصل الصين على 91% من إمدادات النفط من الناقلات عبر مضيق هرمز، واليابان على 62%، إلى جانب دول أخرى. وبالتالي، لماذا نحمي الممرات المائية ولسنوات عديدة لهذه الإمدادات النفطية ولا نحصل على تعويضات مالية؟ وعلى كل هذه الدول حماية ناقلاتها النفطية في الخليج". ولكن من غير المعروف ما إذا كانت هناك دعوة رسمية قدمها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لبكين، خلال جولته لبناء هذا التحالف في شهر يوليو/تموز الماضي.
وخلافاً للولايات المتحدة التي باتت شبه مكتفية نفطياً بعد ثورة النفط الصخري، فإن ماكينة النمو الاقتصادي في الصين تعتمد على النفط المستورد من روسيا والدول الخليجية. ولا يخفى أيضاً أن هناك تحالفا استراتيجيا بين بكين وموسكو لمحاصرة خطط ترامب الخاصة بأحادية "النظام العالمي". وبالتالي، فإن الصين ليست بعيدة عن السباق الجاري بين موسكو وواشنطن على الهيمنة على أمن الطاقة العالمية وإمداداتها وأسعارها.
ويرى خبراء غربيون أن الصين تتخوف من استخدام أميركا أمن الملاحة في الخليج واستخدامه لحرمانها من تدفق النفط ولو إلى حين، وسط التصعيد الجاري في الحرب التجارية. بالتالي، لا يمكن فصل الدور الذي تريد أن تلعبه الصين في الخليج كأكبر مستورد للنفط العالمي عن مصالحها النفطية وتحالفها مع موسكو ضمن استراتيجية الهيمنة على أمن الطاقة التي ينفذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولدى بكين اتفاقية دفاع مشترك مع دولة الإمارات. وكان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد قد زار بكين قبل نحو شهرين، والتقى الرئيس الصيني شي جين بينغ ووقّع معه اتفاقية تحالف دفاعي وعسكري مشترك. كما قال السفير جيان إن الاتفاق قد يتناول في المستقبل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز أمس الأربعاء.
ومنذ الثاني من مايو/أيار الماضي، وكان للصين نصيب الأسد منها. وقال تقرير نيويورك تايمز، إن ست ناقلات نفطية من الناقلات الإيرانية على الأقل أفرغت شحناتها في موانئ صينية، فيما عبرت البقية قناة السويس، وربما تكون أفرغت حمولتها في سورية. ومعروف أن شراء النفط الإيراني لا يخرق القانون الدولي، لأن الحظر النفطي على إيران المنفذ حالياً هو حظر أميركي أحادي.
ولكن الدول والشركات العالمية المستوردة والمتاجِرة في النفط تنصاع للإرادة الأميركية، خوفاً من العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية على من يخرق حظرها، فيما يعرف باسم "الحظر الثانوي". ويعاقب "الحظر الثانوي" الشركات والدول بحرمانها من المتاجرة مع أميركا واستخدام الدولار وأدواته المالية من سندات وأسهم وغيرها.
وحسب بيانات نشرها بريد أي انسون، الاقتصادي في شركة كيبلر الأميركية التي تراقب حركة السفن التجارية التي تنقل السلع، "منذ إلغاء الإعفاءات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتفعيل القرار الأميركي بتصفير الصادرات الإيرانية، فإن شحنات النفط الإيرانية تراجعت من 2.5 مليون برميل يومياً إلى 500 ألف برميل يومياً. ومعظم هذه الشحنات تذهب إلى الصين".
وحسب بيانات الاقتصادي انسون، كانت الصين تستورد حوالى 500 ألف برميل يومياً من إيران قبل تشديد الحظر، غير أن هذه الصادرات انخفضت إلى 360 ألف برميل يومياً بعد تشديد الحظر. وهو ما يعني أن بكين لم تنفذ الحظر الأميركي إلا بنسبة ضئيلة.
ولكن استراتيجية الصين في استخدام النفط الخليجي واستغلال حاجة كل من السعودية المصدر الأكبر للنفط وأبوظبي، تتخطى أهداف الإمدادات النفطية إلى خدمة أهداف كسب الحرب التجارية الشرسة مع الولايات المتحدة، والتي تتحول تدريجياً إلى مواجهة شبيهة بالحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.
وأهم هذه الأهداف هو إضعاف الدولار كعملة تجارة واحتياط دولية وتدويل اليوان عبر إدخاله كعملة لشراء النفط ينافس الدولار. في هذا الصدد، تسعى بكين إلى تحويل مبيعات النفط التي تستوردها من الدولار إلى "اليوان الذهبي" الذي طرحته في العام الماضي كعملة بديلة للدولار في تنفيذ صفقات العقود الآجلة في بورصة شنغهاي النفطية حين تم تدشينها.
ويرى خبراء أن الصين قد تضطر في حال اشتعال حرب العملات بينها وبين واشنطن، على إجبار بعض الدول الخليجية النفطية التي تعتمد في صادراتها النفطية على السوق الصيني، للتحول إلى بيع نفطها باليوان الذهبي.
وتطبيق مثل هذا الإجراء إذا حدث، سيكون مضراً بمستقبل الدولار كعملة احتياط دولية، لأن الدولار يعتمد في جزء كبير من قوته على أنه العملة الرسمية لشراء النفط، وذلك منذ تخليه عن المعيار الذهبي في منتصف السبعينات.
ويقدر حجم الصفقات النفطية في أسواق الطاقة العالمية بحوالى 1.71 تريليون دولار سنوياً. وبالتالي فهنالك العديد من علامات الاستفهام حول الدور الذي ستعلبه بكين في أمن الخليج.