هل تشهد مصر حرباً أهلية؟

11 يونيو 2015
القصاص من القتلة مطلب لا تنازل عنه(فر انس برس)
+ الخط -
لم يكن متوقعا أن تتحول دول الربيع العربي، بعد أن سقطت أنظمتها بثورات سلمية، إلى ساحات للاقتتال الداخلي والمعارك الطاحنة، وأن تشهد هذا الكم من العنف وانتشار الجماعات والتنظيمات المسلحة.

التحريض على العنف

بالتزامن مع الانقلاب العسكري، شهدت مصر انقساما مجتمعيا وموجات من العنف، وبدأت عملية تخوين واسعة لرافضي الانقلاب ووضعهم في خانة الإرهاب، وأفاد التقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، بأن مصر شهدت أكبر موجة من أحداث العنف والإرهاب منذ يونيو/حزيران 2013 لم تحدث منذ 30 عاما.


هذا العنف المتبادل تزداد حدته مع تطور الأحداث يوما بعد يوم، ويتأجج مع سياسة التحريض التي باتت واضحة من الطرفين، ففي خطاب له مؤخرا، أشاد الجنرال السيسي بموقف زعماء قبائل سيناء من "التكفيريين" على حد وصفه، مطالبا إياهم بالتصدي لهم في إطار حربه المزعومة على الإرهاب، وتعهد عدد من قبائل سيناء بتشكيل ائتلاف "اتحاد القبائل" وقالوا إنه سيكون مجموعات مسلحة لمحاربة الإرهاب.

وخرج المحامي "سمير صبري"، صاحب كل الدعوات ضد رافضي الانقلاب، داعيا إلى ضرورة حرق الجثث بعد تنفيذ حكم الإعدام عليها من أجل قهر أهلهم وذويهم.

وعلى الجانب الآخر زادت تنظيمات العنف التابعة للجماعات الإسلامية في سيناء والقاهرة ومدن الدلتا والتي تحمل دوافع انتقامية تجاه الأجهزة الأمنية القمعية، وتبنت عمليات قتل وتعذيب لأفراد من الشرطة، وزادت من حدة العمليات المسلحة ضد القوات الأمنية في سيناء، حتى وصل عدد القتلى في عناصر الجيش والشرطة بحسب بعض المصادر إلى أكثر من 400 قتيل.

ومع النطق بالحكم وإحالة أوراق الرئيس المعزول محمد مرسي لمفتي الجمهورية، قتل ثلاثة من القضاة في العريش، وظهرت جليا رغبة الإخوان المسلمين في الانتقام وإعلان تخليهم عن السلمية بشكل رسمي بعد تأييدهم بيان "نداء الكنانة"، الذي جاء فيه، أن الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يثبت يقينا اشتراكهم، ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق، حكمهم في الشرع أنهم قتلة، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية.

وصاروا يلوحون بالعنف على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، فكتب محمد منتصر المتحدث الإعلامي باسم الجماعة "لا صوت يعلو فوق صوت القصاص، لا صوت يعلو فوق صوت دماء الشهداء التي سالت ظلمًا وفجورًا من قتلة لا يُجدي معهم سوى القصاص.. لا تجدي معهم سوى ثورة تجتث الرؤوس من فوق أجساد عفنة".

فهل تكون مصر على شفا حرب أهلية؟ وكيف تؤثر اللا سلمية على مسار ثورات الربيع العربي؟

العنف مقابل الاستبداد والقمع

لمزيد من توضيح الصورة، التقى "جيل العربي الجديد" مجموعة من الشباب المشارك في الثورة. تقول منى سليم: ما يحدث في مصر لم يصل إلى حد الحرب الأهلية، بمعنى أنه لا يقع بين طوائف أو عرقيات داخل المجتمع ولكن يحمل بعضا من صفاتها بسبب حالة الانقسام الشديد التي يعيشها أفراد المجتمع أمام صور الدم، فتكون ثلاث أفرقاء، الأول، لا يجد غضاضة في قتل وتعذيب وتصفية النظام لمعارضيه، وفريق آخر، أغلبه يتبع الفريق الإسلامي لديه تعاطف صريح أو ضمني مع عمليات قتل الجنود والإرهاب وانتشار حالة العنف والانتقام، بل هناك من ينادي بها بشكل مباشر، وفريق ثالث، تمثله أصوات سياسية أغلبها من الشباب المحسوبين على معسكر الثورة، يطالبون بوقف الدم ومحاسبة القتلة من كل الأطراف والاتجاه للسياسة من خلال حل يقوم على انسحاب الرئيس الحالي من المشهد، وتوقف الإخوان المسلمين عن طرح خطاب الشرعية، ومن اللافت أن الغالبية العظمى من الشعب المصري التي تنشغل بأحوالها اليومية الكئيبة على كافة المستويات، تذبذب موقفها بين الآراء الثلاثة، لكن مع استمرار العنف والدم على يد النظام الاستبدادي والجماعات الإرهابية وعدم حدوث تطور على مستوى حياتهم الاقتصادية، فيكون الميل للطرف الثالث.


وتضيف سليم: تبقى على جماعة الإخوان المسلمين الخطوة الأولى في حقن دماء أبنائها وإعلان رفض كافة ممارسات النظام الحالي ومقاطعته والمطالبة بمحاسبته عن أعمال القتل والتعذيب وإدانة كاملة ومفتوحة للإرهاب، وعلى القوى الثورية إعلان تورطها دون قصد من خلال مظاهرات 30 يونيو/ حزيران، في السماح للثورة المضادة للعودة من جديد، خصوصاً منذ فض اعتصام رابعة، ومن ثم الوصول لنقطة يمكن عندها بدء عملية سياسية جديدة.

وتتابع: للأسف قناعتي بإمكانية حدوث هذا "صفر" بعد حالة التأجيج لتوجيه الشباب نحو العنف من خلال استهداف ضباط وقضاة متورطين في أعمال قتل، القصاص من القتلة مطلب لا تنازل عنه لكن يحتاج إلى عمل واسع وممتد حتى يكمل هذا الشعب ثورته وينفذ مطالبها وأولها القصاص، لكن التوجه نحو تنفيذ عمليات قتل سرية الآن أو عنف موسع في الشارع سيؤدي بشكل مباشر إلى مد أمد الاستبداد والقمع بل وإعطاء غطاء شرعي أمام الشعب للاستمرار في هذه الممارسات، أي يعني وأد الثورة، كما سيسمح باحتمالية قتل أبرياء من ناحية واستهداف الأجهزة الأمنية لكثير من المدنيين وقتلهم تحت بند الاشتباه مع توسع عمليات العنف اللا سلمية.

الرغبة في الانتقام

ويعلق القيادي بحركة شباب "6 إبريل"، زيزو عبده، قائلا: إن حمامات الدم زادت بسبب زيادة الرغبة في الانتقام، فالشاب الذي يُعتقل دون وجه حق، أو يدفع ثمن تظاهره بالسجون، يخرج وقد تشبع بالرغبة الانتقامية، والعنف هو الأداة الوحيدة التي ستصل بنا إلى نفق مظلم، وعلى الجهات المسؤولة تحكيم العقل قبل تحكيم السلاح، ومحاولة الربط بين جميع فئات الشعب بنوع من الألفة والتعايش بتحقيق الحد الأدنى من كرامة البشر، وأن تحكمنا راية واحدة نتفق عليها، هي بالطبع راية الوطنية بمعناها الحقيقي بعيدا عن استخدامها في شعارات وهمية ومزيفة، وزراعة أفكار العدالة الانتقالية الحقيقية بعيدا عن القبضة الأمنية، ويؤكد آسفا أن هذا أبعد ما يكون عن تفكير السلطة التي تنتهج سياسة "زوار لليل" وتزيد من أدواتها القمعية، وبالتالي يهيئ النظام لخلق بيئات حاضنة للإرهاب، هذه البيئة تضعنا أمام تخوفات من حدوث حرب أهلية، بالأخص مع إعجاب قطاع من الشباب بنموذج "ولاية سيناء" بعد كفره بالسلمية وبالعملية الديمقراطية.

ويتابع عبده: ثورات الربيع العربي كلها بدأت بحسن نوايا وأفكار شبابية تطمع في تغيير سلمي حقيقي وتحقيق أمم ناهضة، ولكن هذا الشباب اقتنع الآن أننا كنا نعمل ونثور وسط "شياطين" فاللعب الخارجي والرؤية الإقليمية لتهميش هذه الثورات وإبراز العنف الطائفي أو التدخل لإشعال فتيل الحروب الطائفية، أعطاهم الفرصة لاستحواذ ثورات الربيع، ومازالوا يسعون لتقسيم هذه الدول إلى دويلات، ولأن المشهد يتم تحريكه من قوى أكبر، فلم يعد هناك أمل في النجاح المرجو لثورات الربيع العربي وكل ما يشغلنا في اللحظة الراهنة هو حماية البلد من الانزلاق في حرب أهلية.

وتلتقط الباحثة، شيرين شريف، أطراف الحديث مؤكدة أن السبب الرئيسي للعنف الموجود في مصر هو الشحن الإعلامي تجاه فصيل معين واستغلاله، بجانب استغلال حوادث لا تمت له بصله ولكن تُنسب إليه للترهيب ونشر الذعر بين المجتمعات الصغيرة مثل القرى والأحياء السكنية الصغيرة، إضافة إلى أن فصيل الإخوان المسلمين أخذ يدعو إلى العنف في الفترة الأخيرة لأنه فقد الأمل في تحقيق مكاسب بطرق أخرى، نضيف إلى ذلك، تلاشي صوت المعارضة بسبب قمع النظام المصري لأي انتقاد، ومن هنا تركزت الأصوات المعارضة في كيانات تنتهج العنف، هذا العنف يخدم ترسيخ حالة القمع التي يفرضها النظام المصري على حرية الرأي والثوريين أو المعارضة الحقيقية.

الربيع العربي يحتضر

ومن جهتها توضح "شريف": الأوضاع الراهنة في ليبيا واليمن وسورية تخطت مرحلة ما سمي بثورات الربيع العربي، وتحولت إلى حروب أهلية طائفية في عمقها، على عكس الوضع في مصر الذي أعاد إفراز نظام عسكري يخدم أهدافاً رأسمالية تحديدا، وإجمالا نجد أن ثورات الربيع العربي لم تحقق لشعوبها، حتى اليوم، نوعا من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وعلى الشباب محاولة دفع النظام لتحقيق مزيد من المكاسب.

ويتفق معها في الرأي، الناشط السياسي محمد عواد، قائلا: الأزمة في مصر لم تتحول بعد إلى حرب أهلية، خصوصاً أن المجموعات المتعاطفة مع جماعة الإخوان أصبح أغلبها يحاول تحييد نفسه، حتى الجماعة نفسها في حالة انقسام حاليا حول طريقة التعامل مع وضعهم، ومعناه أن هناك مراجعات تتم بين قيادات الجماعة، في محاولة تغيير آلية التعامل مع النظام، وتبدو وكأنها صفقة مصالحة للعودة.

ويتابع عواد: الشباب الثوري يرفض كل أشكال العنف لأنه يخرج الثورة عن سلميتها ويدخلنا في مخطط الفتنة بين الأطراف وقد يحول المشهد إلى نافورة لا تتوقف من الدماء، مع قوة الذراع الأمنية، وعلى السلطة أن تتفهم حاله إحباط الشباب بعد 30 يونيو/ حزيران، فضلًا عن القمع والتضييق على الحريات والتظاهرات، حتى لا تنتهي ثورتنا كما انتهت في ليبيا وسورية واليمن التي تتجه إلى سيناريو العراق، وحتى لا ينزلق الشباب في دوامة العنف، وعلينا أن نؤمن بجدوى التغييرات الصغيرة والسعي إليها، فهذه التغييرات تتشابك مع بعضها مع مرور الوقت محققة السلام المجتمعي والعدالة الحقيقية.

جدير بالذكر أن الحرب الأهلية -بحسب ويكيبيديا-، هي عبارة عن حرب داخلية ضمن حدود بلد ما، يكون طرفا أو أطراف النزاع فيها من جماعات مختلفة، يشكلون من سكان تلك البلد، ومن أراد البقاء على الحياد في تلك الأوضاع يعتبر خائنا، والصراع على السلطة هو السبب المباشر في هذه الحرب.

(مصر)