يدخل النظام النقدي العالمي "المرحلة الرمادية"، أي مرحلة البحث عن نظام نقدي جديد بديل للمعيار الدولاري الذي ظل يهيمن على التجارة العالميةواحتياطات البنوك المركزية وسوق الصرف منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.
ولكن هل تصمد هذه الهيمنة أمام عمالقة المال والاقتصاد الجدد؟ سؤال بدأ يطرح بقوة بعد تعافي أوروبا من الركود الاقتصادي وتوجهها نحو بناء دولة "ولايات أوروبية متحدة"، وشروع الصين في انشاء بورصة لبيع النفط باليوان الذهبي، بعد تشغيل بورصة تبيع الذهب باليوان.
الاحصاءات الرسمية تقول أن المشوار سيكون طويلاً أمام عمالقة المال الجدد للنيل من الدولار. حيث تبلغ حصة الدولارمن إجمالي احتياطات المصارف المركزية بالعملات الحرة في أنحاء العالم، حوالى 5.052 تريليونات دولار، فيما تبلغ حصة اليورو حوالى 1.559 تريليون دولار، وحصة الاسترليني 349 مليار دولار وحصة اليوان 84.51 مليار دولار، وذلك وفقاً لإحصائيات صندوق النقد الدولي الصادرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
كما أن البنوك المركزية العالمية تملك حيازات سندات أميركية تقدر بقرابة 5 ترليونات دولار حتى نهاية العام الماضي. وذلك إضافة إلى أن الدولا، لايزال عملة"سويفت" في التحويل المالي، والعملة الرئيسية لتسوية الصفقات التجارية والمهمينة على سوق الصرف العالمي.
من هذا المنطلق تصبح ازاحة الدولارعن عرش النظام النقدي صعبة المرتقى إن لم تكن مستحيلة ولكن يمكن تقليل الهيمنة، حسب خبراء النقد.
يمنح الدولار أميركا نفوذاً واسعاً في العالم، ليس فقط على الصعيدين المالي والنقدي فحسب، بل كذلك على صعيدي النفوذ السياسي والعسكري وإجبار الدول على تنفيذ سياستها عبر الحظر المالي والاقتصادي، وذلك حسب البحث الذي أصدره أستاذ الاقتصاد السياسي، البروفسور جونثان كيرشنر، الذي يعمل حالياً بجامعة هارفارد الأميركية.
ويكفي التدليل على الميزات التي يمنحها الدولار لأميركا وشركاتها، القول إن طباعة ورقة من فئة مائة دولار تكلف أميركا حوالى 12 سنتاً فقط، ولكنها تشتري بها بضائع وخدمات من العالم قيمتها مائة دولار، وذلك حسب ما ذكرت البروفسورة الأميركية لان كاو، في كتابها الصادر حديثاً بعنوان "حرب العملات وتعري هيمنة الدولار".
من هذا المنطلق تجد دول العالم صاحبة الثقل الاقتصادي الكبير، في البحث عن منفذ من قبضة الدولار، الذي وصفه وزير الخزانة الأميركي، جون كوناللي، في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون بقوله "الدولارهو عملتنا ولكنه بالنهاية هو مشكلتكم". والوزير كوناللي هو الذي أخرج الدولار من المعيار الذهبي (أوقية الذهب تساوي 42 دولار) في العام 1973، إلى التعويم.
وهذا تحديداً ما واجهه العالم، من مشاكل، منذ تحرير الدولار من الارتباط بقيمة ذهبية، إلى الطباعة بدون حساب. منذ ذلك الوقت اصبحت أميركا تطبع أوراق نقدية وتتاجر في سلع وخدمات العالم، لتخلق، مشاكل حرب العملات المتكررة وأزمة المال العالمية في العام 2008، والحصار الاقتصادي والمالي، ويعد تعويم الدولار، من العوامل التي ساهمت في إغراق أميركا في الديون لتصل إلى 20 ترليون دولار في أغسطس الماضي.
الدولار...عملة مهيمنة
وعلى الرغم من أن العديد من التوقعات المتطرفة تحدثت عن نهاية عصر الدولار، ولكن الأرقام الخاصة بحصة العملة الأميركية في التجارة وسوق الصرف لا تدعم ذلك.
ويرى العديد من خبراء الاقتصاد والمال النقد، الذين اطلعت على آرائهم "العربي الجديد"، أن الدولار سيفقد جزءاً من نفوذه خلال العقود المقبلة، ولكنه لن ينتهي.
في هذا الصدد يرى البروفسور بجامعة هارفارد كيرشنر في بحثه الصادر في كتاب نهاية العام الماضي، أن" السيناريو المتوقع، هو أن يتحول الدولار من عملة مهيمنة بشكل مطلق على العالم، إلى عملة رئيسية بين مجموعة من العملات خلال العقود المقبلة".
يذكر أن التحول من الدولار إلى اليوان وعملات أخرى، بدأ بشكل فعلي منذ سنوات، كان آخرها تحول فنزويلا إلى بيع نفطها باليوان، وتسعير خاماتها باليوان في أعقاب الحظر الأميركي الأخير، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر توجيهاته يوم الثلاثاء، أمس الأول، للموانئ ونقاط الجمارك في روسيا بعدم قبول الدولار في أية تسوية، وذلك حسب موقع "زيرو هيدج" المصرفي الأميركي.
لكن ما هو السيناريو المتوقع لمستقبل الدولار خلال العقود المقبلة؟
في هذا الصدد، تشير البروفسيرة لي كاو، في بحث لها، إلى أن حصة اليورو سترتفع في النظام النقدي العالمي، كما أن اليوان كذلك سيقوى كوسيلة لتسوية الصفقات التجارية، وتدريجياً ستقل هيمنة الدولار وكذلك الطلب عليه. يدعم ذلك ما يدور في أوساط منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وتحت تأثير دعوات روسية، لتبني سلة عملات في تسعير النفط بدلاً من الدولار.
وتمثل تجارة النفط البالغة حوالى 1.72 تريليون دولار سنوياً، أهم غطاء للدولار في العالم، وبالتالي، فإن أي تحول لمنظمة "أوبك" من نظام التسعير الدولاري للنفط، الجاري التعامل به منذ السبعينات، سيضعف هيمنة الدولار، لأنه ببساطة سيقلل الطلب عليه.
ويتركز الصراع الجديد، على نوعية النظام النقدي المقبل، أي الصراع على عملة الصرف المهيمنة في السوق العالمي، بين ثلاث كتل تجارية وهي الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة الدولار، ودول الاتحاد الأوروبي صاحبة اليورو، ومجموعة "بريكس" التي تقودها الصين وروسيا والهند وتركز على اليوان والمقايضة في تنفيذ الصفقات.
ويلاحظ أن هذا الصراع بدأ يتبلور من حالة السيولة التي كان عليها في السابق، حينما كانت أميركا متوافقة تجارياً ونقدياً مع العالم، ويأخذه شكله الصلب، منذ وصول دونالد ترامب للسلطة في أميركا، وتناقض سياساته مع مصالح كتلة "بريكس" والكتلة الأوروبية.
يذكر أن ترامب أعلن منذ دخوله البيت الأبيض عن سياسات اقتصادية وتجارية جديدة تقوم على الانعزالية ومبادئ "أميركا أولاً" و"الحماية التجارية"، أي حماية السوق الأميركية ضد البضائع المستوردة.
وكانت ردة الفعل العالمية رفض هذه السياسات التي تمثل في وجهة نظرهم، تقويضا لحرية التجارة العالمية، وعلى رأسها مبادئ منظمة التجارة العالمية وقوانينها الضامنة لانسياب السلع والخدمات بحرية بين دول العالم، وبالتالي فإن الكتلة الأوروبية التي كانت في السابق مناصرة للسياسات الأميركية اصبحت تنظر بريبة إلى أميركا وتتخذ سياسات مستقلة، خاصة بها وتنسق مع دول العالم وفقاً لمصالحها دون التشاور مع واشنطن، كما كان الحال عليه في السابق.
وبدلاً من التعاون الأوروبي مع واشنطن في قيادة العالم الرأسمالي الحر، أصبحت بروكسل تنافس واشنطن، فأوروبا لديها اليوم استراتيجية جديدة للتحول إلى دولة فيدرالية واحدة في العقد المقبل، وحسب المنظور الذي أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يوم الأربعاء الماضي، فإن أوروبا ستتحول لدولة "ولايات متحدة"، في العقد المقبل، يحكمها نظام اقتصادي وتجاري موحد ومصرف مركزي واحد، هو البنك المركزي الأوروبي، وعملة واحدة هي اليورو ونظام ضريبي وهيكل ضمان اجتماعي.
ومن المؤكد أن هذا الدولة الفيدرالية العملاقة التي ستولد خلال سنوات قليلة، ستنعكس إيجاباً على موقع عملة اليورو ووزنها التجاري وثقلها في سوق الصرف العالمي، وبالتأكيد سيكون ذلك على حساب نفوذ الدولار، فدول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها حالياً 30 دولة يقارب حجم اقتصادها 17 ترليون دولار.
وعلى صعيد تجمع دول البريكس، والتي تضم كلاً من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، فإنها تخطط بقيادة الصين للتخلص التدريجي من هيمنة الدولار على التجارة العالمية. وتستخدم في ذلك مجموعة من الأدوات والسياسات التجارية، من بينها، الصفقات التبادلية، حيث تجري المتاجرة حالياً بين الصين وروسيا بنظام المقايضة والمعيار الذهبي. كما يجري بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" ترتيبات مع مجموعة من شركاء التجارة على تسوية الصفقات باليوان الصيني.
وعلى صعيد تجارة النفط والمعادن التي تشكل الغطاء الرئيسي للدولار، فإن الصين أسست بورصة للذهب باليوان، الذي تتم المتاجرة في معظم صفقاته عالمياً بالدولار. وتقدر قيمة تجارة الذهب العالمية بحوالى 170 مليار دولار سنوياً. وهو ثاني حجم تجارة مؤثرة في الطلب العالمي على الدولار بعد النفط.
كما تخطط بكين لإنشاء بورصة نفطية في نهاية العام الجاري يتم التعامل في صفقاتها بـ"اليوان الذهبي"، أي أن قيمة الصفقات يمكن تحويلها من اليوان إلى الذهب. ومعروف أن النفط تتم المتاجرة فيه بالدولار، منذ سبعينات القرن الماضي التي شهدت حصر دول "أوبك" بيع النفط بالدولار فقط. وكانت في ذلك الوقت أميركا أكبر مستورد للنفط في العالم، وكانت السعودية أكبر مصدر له.
وفي تعاقد غير رسمي بين الرياض وواشنطن، في سبعينات القرن الماضي، تم الاتفاق على تحديد بيع النفط بالدولار. وهو ما شكل أكبر غطاء للدولار الذي تخلى عن المعيار الذهبي وقتها.
وفي حال نجاح البورصة النفطية، فإن ذلك سيسحب جزءا كبيرا من الطلب الحالي على الدولار، حيث يستهلك العالم يومياً 94 برميلاً من النفط تباع معظمها بالدولار.
اقــرأ أيضاً
الاحصاءات الرسمية تقول أن المشوار سيكون طويلاً أمام عمالقة المال الجدد للنيل من الدولار. حيث تبلغ حصة الدولارمن إجمالي احتياطات المصارف المركزية بالعملات الحرة في أنحاء العالم، حوالى 5.052 تريليونات دولار، فيما تبلغ حصة اليورو حوالى 1.559 تريليون دولار، وحصة الاسترليني 349 مليار دولار وحصة اليوان 84.51 مليار دولار، وذلك وفقاً لإحصائيات صندوق النقد الدولي الصادرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
كما أن البنوك المركزية العالمية تملك حيازات سندات أميركية تقدر بقرابة 5 ترليونات دولار حتى نهاية العام الماضي. وذلك إضافة إلى أن الدولا، لايزال عملة"سويفت" في التحويل المالي، والعملة الرئيسية لتسوية الصفقات التجارية والمهمينة على سوق الصرف العالمي.
من هذا المنطلق تصبح ازاحة الدولارعن عرش النظام النقدي صعبة المرتقى إن لم تكن مستحيلة ولكن يمكن تقليل الهيمنة، حسب خبراء النقد.
يمنح الدولار أميركا نفوذاً واسعاً في العالم، ليس فقط على الصعيدين المالي والنقدي فحسب، بل كذلك على صعيدي النفوذ السياسي والعسكري وإجبار الدول على تنفيذ سياستها عبر الحظر المالي والاقتصادي، وذلك حسب البحث الذي أصدره أستاذ الاقتصاد السياسي، البروفسور جونثان كيرشنر، الذي يعمل حالياً بجامعة هارفارد الأميركية.
ويكفي التدليل على الميزات التي يمنحها الدولار لأميركا وشركاتها، القول إن طباعة ورقة من فئة مائة دولار تكلف أميركا حوالى 12 سنتاً فقط، ولكنها تشتري بها بضائع وخدمات من العالم قيمتها مائة دولار، وذلك حسب ما ذكرت البروفسورة الأميركية لان كاو، في كتابها الصادر حديثاً بعنوان "حرب العملات وتعري هيمنة الدولار".
من هذا المنطلق تجد دول العالم صاحبة الثقل الاقتصادي الكبير، في البحث عن منفذ من قبضة الدولار، الذي وصفه وزير الخزانة الأميركي، جون كوناللي، في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون بقوله "الدولارهو عملتنا ولكنه بالنهاية هو مشكلتكم". والوزير كوناللي هو الذي أخرج الدولار من المعيار الذهبي (أوقية الذهب تساوي 42 دولار) في العام 1973، إلى التعويم.
وهذا تحديداً ما واجهه العالم، من مشاكل، منذ تحرير الدولار من الارتباط بقيمة ذهبية، إلى الطباعة بدون حساب. منذ ذلك الوقت اصبحت أميركا تطبع أوراق نقدية وتتاجر في سلع وخدمات العالم، لتخلق، مشاكل حرب العملات المتكررة وأزمة المال العالمية في العام 2008، والحصار الاقتصادي والمالي، ويعد تعويم الدولار، من العوامل التي ساهمت في إغراق أميركا في الديون لتصل إلى 20 ترليون دولار في أغسطس الماضي.
الدولار...عملة مهيمنة
وعلى الرغم من أن العديد من التوقعات المتطرفة تحدثت عن نهاية عصر الدولار، ولكن الأرقام الخاصة بحصة العملة الأميركية في التجارة وسوق الصرف لا تدعم ذلك.
ويرى العديد من خبراء الاقتصاد والمال النقد، الذين اطلعت على آرائهم "العربي الجديد"، أن الدولار سيفقد جزءاً من نفوذه خلال العقود المقبلة، ولكنه لن ينتهي.
في هذا الصدد يرى البروفسور بجامعة هارفارد كيرشنر في بحثه الصادر في كتاب نهاية العام الماضي، أن" السيناريو المتوقع، هو أن يتحول الدولار من عملة مهيمنة بشكل مطلق على العالم، إلى عملة رئيسية بين مجموعة من العملات خلال العقود المقبلة".
يذكر أن التحول من الدولار إلى اليوان وعملات أخرى، بدأ بشكل فعلي منذ سنوات، كان آخرها تحول فنزويلا إلى بيع نفطها باليوان، وتسعير خاماتها باليوان في أعقاب الحظر الأميركي الأخير، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر توجيهاته يوم الثلاثاء، أمس الأول، للموانئ ونقاط الجمارك في روسيا بعدم قبول الدولار في أية تسوية، وذلك حسب موقع "زيرو هيدج" المصرفي الأميركي.
لكن ما هو السيناريو المتوقع لمستقبل الدولار خلال العقود المقبلة؟
في هذا الصدد، تشير البروفسيرة لي كاو، في بحث لها، إلى أن حصة اليورو سترتفع في النظام النقدي العالمي، كما أن اليوان كذلك سيقوى كوسيلة لتسوية الصفقات التجارية، وتدريجياً ستقل هيمنة الدولار وكذلك الطلب عليه. يدعم ذلك ما يدور في أوساط منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وتحت تأثير دعوات روسية، لتبني سلة عملات في تسعير النفط بدلاً من الدولار.
وتمثل تجارة النفط البالغة حوالى 1.72 تريليون دولار سنوياً، أهم غطاء للدولار في العالم، وبالتالي، فإن أي تحول لمنظمة "أوبك" من نظام التسعير الدولاري للنفط، الجاري التعامل به منذ السبعينات، سيضعف هيمنة الدولار، لأنه ببساطة سيقلل الطلب عليه.
ويتركز الصراع الجديد، على نوعية النظام النقدي المقبل، أي الصراع على عملة الصرف المهيمنة في السوق العالمي، بين ثلاث كتل تجارية وهي الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة الدولار، ودول الاتحاد الأوروبي صاحبة اليورو، ومجموعة "بريكس" التي تقودها الصين وروسيا والهند وتركز على اليوان والمقايضة في تنفيذ الصفقات.
ويلاحظ أن هذا الصراع بدأ يتبلور من حالة السيولة التي كان عليها في السابق، حينما كانت أميركا متوافقة تجارياً ونقدياً مع العالم، ويأخذه شكله الصلب، منذ وصول دونالد ترامب للسلطة في أميركا، وتناقض سياساته مع مصالح كتلة "بريكس" والكتلة الأوروبية.
يذكر أن ترامب أعلن منذ دخوله البيت الأبيض عن سياسات اقتصادية وتجارية جديدة تقوم على الانعزالية ومبادئ "أميركا أولاً" و"الحماية التجارية"، أي حماية السوق الأميركية ضد البضائع المستوردة.
وكانت ردة الفعل العالمية رفض هذه السياسات التي تمثل في وجهة نظرهم، تقويضا لحرية التجارة العالمية، وعلى رأسها مبادئ منظمة التجارة العالمية وقوانينها الضامنة لانسياب السلع والخدمات بحرية بين دول العالم، وبالتالي فإن الكتلة الأوروبية التي كانت في السابق مناصرة للسياسات الأميركية اصبحت تنظر بريبة إلى أميركا وتتخذ سياسات مستقلة، خاصة بها وتنسق مع دول العالم وفقاً لمصالحها دون التشاور مع واشنطن، كما كان الحال عليه في السابق.
وبدلاً من التعاون الأوروبي مع واشنطن في قيادة العالم الرأسمالي الحر، أصبحت بروكسل تنافس واشنطن، فأوروبا لديها اليوم استراتيجية جديدة للتحول إلى دولة فيدرالية واحدة في العقد المقبل، وحسب المنظور الذي أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يوم الأربعاء الماضي، فإن أوروبا ستتحول لدولة "ولايات متحدة"، في العقد المقبل، يحكمها نظام اقتصادي وتجاري موحد ومصرف مركزي واحد، هو البنك المركزي الأوروبي، وعملة واحدة هي اليورو ونظام ضريبي وهيكل ضمان اجتماعي.
ومن المؤكد أن هذا الدولة الفيدرالية العملاقة التي ستولد خلال سنوات قليلة، ستنعكس إيجاباً على موقع عملة اليورو ووزنها التجاري وثقلها في سوق الصرف العالمي، وبالتأكيد سيكون ذلك على حساب نفوذ الدولار، فدول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها حالياً 30 دولة يقارب حجم اقتصادها 17 ترليون دولار.
وعلى صعيد تجمع دول البريكس، والتي تضم كلاً من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، فإنها تخطط بقيادة الصين للتخلص التدريجي من هيمنة الدولار على التجارة العالمية. وتستخدم في ذلك مجموعة من الأدوات والسياسات التجارية، من بينها، الصفقات التبادلية، حيث تجري المتاجرة حالياً بين الصين وروسيا بنظام المقايضة والمعيار الذهبي. كما يجري بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" ترتيبات مع مجموعة من شركاء التجارة على تسوية الصفقات باليوان الصيني.
وعلى صعيد تجارة النفط والمعادن التي تشكل الغطاء الرئيسي للدولار، فإن الصين أسست بورصة للذهب باليوان، الذي تتم المتاجرة في معظم صفقاته عالمياً بالدولار. وتقدر قيمة تجارة الذهب العالمية بحوالى 170 مليار دولار سنوياً. وهو ثاني حجم تجارة مؤثرة في الطلب العالمي على الدولار بعد النفط.
كما تخطط بكين لإنشاء بورصة نفطية في نهاية العام الجاري يتم التعامل في صفقاتها بـ"اليوان الذهبي"، أي أن قيمة الصفقات يمكن تحويلها من اليوان إلى الذهب. ومعروف أن النفط تتم المتاجرة فيه بالدولار، منذ سبعينات القرن الماضي التي شهدت حصر دول "أوبك" بيع النفط بالدولار فقط. وكانت في ذلك الوقت أميركا أكبر مستورد للنفط في العالم، وكانت السعودية أكبر مصدر له.
وفي تعاقد غير رسمي بين الرياض وواشنطن، في سبعينات القرن الماضي، تم الاتفاق على تحديد بيع النفط بالدولار. وهو ما شكل أكبر غطاء للدولار الذي تخلى عن المعيار الذهبي وقتها.
وفي حال نجاح البورصة النفطية، فإن ذلك سيسحب جزءا كبيرا من الطلب الحالي على الدولار، حيث يستهلك العالم يومياً 94 برميلاً من النفط تباع معظمها بالدولار.