الإقرار بفضل الآخرين علينا أو بفضل ما قدّمته الحياة لنا، هو أكثر من فضيلة أخلاقيّة أو ميزة عاطفيّة. والامتنان هو كذلك محرّك لطيب العيش. هذا ما تؤكّده مجلّة "بسيكولوجي" المتخصّصة في علم النفس، في مقال كتبته الصحافية فلافيا مازلين سالفي المتخصصة في علم النفس والنموّ الشخصيّ.
والامتنان قد يكون مجرّد فعل احترام أو فرض أخلاقيّ ورثناه عبر الأجيال. وتوضح مازلين سالفي: "أن تقول شكراً لفاعل خير لطالما كان المجاملة الأساسيّة في المجتمع". أمّا اليوم، فإنّ الامتنان لا يُعَد ميزة في مجتمعاتنا. ويبدو كثيرون، لا سيّما الأطفال، كأنّهم لا يعرفون كيفيّة التفوّه بكلمة "شكراً".
تُبيّن دراسات أميركيّة عدّة في علم النفس الإيجابيّ أنّ الامتنان يساهم بفاعليّة في سلامة الصحة العاطفيّة للذين يستخدمون "شكراً" بصورة منتظمة. والامتنان يمتّن الروابط الاجتماعيّة، في حين يُضعف المشاعر السلبيّة ويمنح شعوراً مستداماً بالراحة وطيب العيش.
كريس بيترسون أستاذ علم النفس في جامعة ميشيغان الأميركية، يُعَد واحداً من الاختصاصيّين الكبار في هذا المجال. بانتظام، في كلّ عام دراسيّ، يطلب بيترسون من طلابه كتابة "رسالة امتنان" وتوجيهها إلى شخص يعني لهم وقد أدّى دوراً في حياتهم. وفي كلّ عام، يخرج بالاستنتاج نفسه: "كتابة تلك النصوص يمنح مدوّنيها شعوراً مستداماً بالراحة وطيب العيش".
بالنسبة إلى بيترسون، فإنّ الشعور يأتي متوطّداً إذا عمد كاتب الرسالة إلى قراءتها بصوت عالٍ أمام الشخص الذي وجّهها إليه. يضيف أنّ المشاعر الإيجابيّة سوف تولّد بالتالي أثر "كرة الثلج" الشهير. ويشرح أنّ المرسَل إليه وعند شعوره بأنّه ذو قيمة، يوجّه بدوره رسالة ممتنّة إلى كاتب الرسالة الأساسيّة. تجدر الإشارة إلى أنّه من الممكن التدرّب على الامتنان من دون رسائل ولا اعترافات رسميّة. يكفي أن يتنبّه الواحد منّا إلى حياته اليوميّة.
"أن نُسَرّ بما يُعَدّ مكتسبات من قبيل العائلة والسقف الذي يؤوينا والصحة الجيّدة، أمر يجعلنا نقدّر حياتنا". هذا ما يلاحظه فيليب واتكينز الباحث في علم النفس في جامعة واشنطن، مضيفاً أنّ "هذا الاعتراف الواعي يدفعنا إلى تقدير ما نملك، بدلاً من أن نأسف ونتندّم على ما ينقصنا". ويتابع واتكينز أنّ "الأشخاص الذين ينمّون بوعي شعورهم بالامتنان يبدون أقلّ تثبيطاً وخيبة وأكثر انفتاحاً وتفاؤلاً من سواهم".