وكشف مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في حكومة الوفاق لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، أن مسؤولين بالحكومة تلقوا تطمينات فرنسية حول تغير قريب في السياسة الفرنسية تجاه ليبيا، لا سيما موقفها إزاء حفتر الذي يخوض حالياً حرباً للسيطرة على طرابلس.
وقال الدبلوماسي، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، إنّ "مسؤولين فرنسيين باتوا يجاهرون بمعارضة سياسة بلادهم تجاه ليبيا"، كاشفاً النقاب عن مساعي عدد من أعضاء مجلس النواب الفرنسي للدفع بشخصية دبلوماسية جديدة لتولي منصب وزارة الخارجية، خلفاً لجان إيف لودريان، بالحكومة المقبلة في سبتمبر/أيلول المقبل".
وأثارت قضية العثور على صواريخ "جافلن" الأميركية التي باعتها لفرنسا، في مدينة غريان الليبية نهاية الشهر الماضي، جدلاً فرنسياً انتهى إلى قيام البرلمان الفرنسي بتشكيل لجنة تحقيق من ثلاثين عضواً لتوضيح طبيعة عمل فرنسا في ليبيا، والتحقق من امتثالها للالتزامات الدولية.
ولفت المصدر إلى أنّ اللجنة البرلمانية الفرنسية المكلّفة سوف تترأسها نائبة في البرلمان تتولى في الوقت ذاته رئاسة جمعية الصداقة الليبية الفرنسية وتتمتع باطلاع واسع على ملف الأزمة في ليبيا، كما أنها عضو في تيار نيابي يضغط باتجاه تغيير السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي.
ورأى المصدر أن تلك التأثيرات الداخلية الفرنسية الجديدة كانت حاضرة في لقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس السبت، مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، بالعاصمة التونسية.
وقال المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أمس السبت، إن السراج ناقش مع ماكرون "مستجدات الوضع في ليبيا وتداعيات الاعتداء على العاصمة طرابلس". ونقل عن الرئيس الفرنسي "رفضه الكامل مهاجمة العاصمة وتهديد حياة المدنيين، مطالباً ضرورة وقف القتال والعودة إلى المسار السياسي".
بدورها، ذكرت السفارة الفرنسية في ليبيا، في تغريدة على حسابها على "تويتر"، أن لقاء ماكرون بالسراج "بحث الدعوة لاتفاق سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة"، مشيرة إلى أن المقابلة بين الرئيسين "تدعو إلى وقف التصعيد العسكري ووقف الأعمال العدائية، وتدعو إلى اتفاق سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة والحشد لمكافحة الإرهاب".
Twitter Post
|
ويعرف عن الحكومة الفرنسية ميلها لجانب معسكر حفتر ودعم مساعيه العسكرية للسيطرة على البلاد بعيداً عن أي حل سياسي للأزمة.
ويرى المراقبون أن وزير الخارجية الفرنسي الحالي، جان ايف لودريان، هو مهندس السياسة الفرنسية الحديثة في ليبيا، سبق أن شغل وزير الدفاع في عهد الرئيس الأسبق، فرنسوا هولاند، ويميل إلى دعم حفتر.
وفي مارس/آذار 2018 أعلن لودريان عن مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في بنغازي أثناء عمليات حفتر العسكرية، ما اعتبر وقتها مؤشرا واضحا على وقوف فرنسا عسكرياً إلى جانب اللواء المتقاعد.
ورغم الدعم الفرنسي الواضح إلا أن حفتر فشل في إنجاح عمليته العسكرية للسيطرة على طرابلس منذ إطلاقها في الرابع من إبريل/نيسان الماضي، وآخر مؤشرات فشله العسكري صد هجوم عسكري واسع شنه عبر محاور عدّة جنوب طرابلس، أمس السبت، للسيطرة على معسكر النقلية بطريق المطار، وكوبري القربولي شرق طرابلس.
في المقابل، لا يزال موقف حكومة الوفاق يراهن على سحب فرنسا دعمها لحفتر، فرغم إعلان وزارة الداخلية الليبية، منتصف إبريل/نيسان الماضي، عن وقف التعامل الأمني مع فرنسا، وفق الاتفاقات الأمنية الموقعة بين الطرفين، إلا أنها عادت وأعلنت، منتصف مايو/أيار الماضي، عن استئنافها وسط ترحيب فرنسي بالقرار.
وفيما أكد المصدر أنّ نواباً وأعضاءً من مجلس الشيوخ الفرنسي عازمون على تعقب سياسة الحكومة في ليبيا، وبذل جهود أكبر لمساءلتها إزاء حوادث عدّة من بينها قضية العثور على صواريخ "جافلين"، إلى جانب حادثة اعتراض السلطات التونسية قافلة فرنسية محملة بالأسلحة على الحدود مع ليبيا منتصف إبريل الماضي؛ إلا أن هؤلاء النواب، بحسب المصدر، طالبوا بضرورة الاستجابة للمطالب الفرنسية بشأن تقييم سلوك مقاتلي المجموعات المسلّحة التي تقاتل قوات حفتر. وهو مقترح كانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت عنه أوائل مايو/أيار الماضي، طالبت خلاله بـ"إجراء تقييم لسلوك المجموعات المسلحة في ليبيا بالتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة" فيما ردت حكومة الوفاق بالإيجاب شريطة أن "يتم القيام به في شكل أكثر شمولاً"، في إشارة لأن يشمل التقييم قوات حفتر.
غير أن المصدر يرى أن تحول الموقف الفرنسي لشكل أكثر اعتدالاً لن يؤثر بشكل مباشر في الملف الليبي والدفع بالحل السياسي فيه، موضحاً أن شروط حكومة الوفاق المتشددة في رفض حفتر كشريك سياسي، يقابلها استمرار دعم أطراف إقليمية على رأسها أبوظبي لعمليات حفتر العسكرية حول طرابلس، ما يجعل تأثير تغيّر الموقف الفرنسي محدوداً.