بعد إعلان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عن بدء التجهيز مع المفوضية العليا للانتخابات لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتاء على الدستور، العام المقبل، عقب انتهاء زيارة رئيس المجلس، فائز السراج، لواشنطن، أعلن المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، عن ضرورة إجراء الانتخابات في البلاد في موعدها المحدد، بحسب الخطة الأممية المعلن عنها في سبتمبر/أيلول الماضي.
وكان المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي ذكر، في منشور على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، ليل أمس السبت، أن السراج أكّد لدى لقائه، يوم أمس، بوزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عن بدء تجهيز حكومة الوفاق للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، بدون مزيد من التفاصيل.
زيارة السراج، التي اعتبرها مراقبون تأتي لقطع الطريق أمام مساعي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لتنفيذ تهديداته بحسم الأمر عسكريًا في البلاد، إثر انتهاء مدة الاتفاق السياسي خلال الشهر الجاري؛ جاءت معها تصريحات سلامة لتأكيد اتجاه المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في ليبيا عبر سبل بعيدة عن السلاح، وعن إمكانية إغراق البلاد في فوضى وحروب مجددًا.
وكان مسؤولو الولايات المتحدة قد أكدوا، خلال زيارة السراج الأخيرة لواشنطن، تأكيدهم ضرورة تحقيق السلام في ليبيا، من خلال الاتفاق السياسي ورفض أي حل عسكري في البلاد. ولم يصدر أي موقف رسمي، حتى الآن، من قبل حفتر وحلفائه حيال المساعي الحالية للذهاب إلى الانتخابات، وإن كانت مؤشرات الواقع تشي بتوجّهه لرفضها بسبب فقدانه الكثير من التأييد الشعبي المحلي الذي قد يضمن له الانخراط في أية انتخابات مقبلة.
يشير إلى ذلك الموقف، أيضًا، تصريحات وزير خارجية مصر، سامح شكري، حليف حفتر الأبرز، الجمعة الماضية، في العاصمة الإيطالية روما، والتي حذّر فيها "من حدوث فراغ دستوري في ليبيا بعد 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري؛ تاريخ انتهاء أجل اتفاق الصخيرات"، وهو تصريح يشير إلى المهلة التي أطلقها حفتر للقادة السياسيين في البلاد من أجل إيجاد حل للوضع في ليبيا، قبل أي تدخل عسكري لحسم الأمور؛ بالرغم من عدم وجود ما يشير إلى انتهاء مدة اتفاق الصخيرات في ذلك التاريخ.
تأكيدت سلامة الأخيرة، عقب لقائه وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، على هامش حوارات المتوسط في روما، يوم أمس السبت، بشأن بدء تسجيل الناخبين في ليبيا منذ الشهر الجاري؛ جاءت لتصب في الاتجاه ذاته؛ فقد حدد "سلامة" شروطًا لتنظيم الانتخابات بحلول العام القادم، مؤكدًا سعي المجتمع الدولي بألّا تُتخذ الانتخابات لإضافة مشكلة جديدة في البلاد.
وقال سلامة إن "البعثة ملتزمة بتنظيم الانتخابات ربما قبل حلول الصيف المقبل"، مشترطًا ضرورة توفر الظروف الأمنية، وإعلان مختلف الجهات الفاعلة أنها على استعداد للقبول بالنتائج.
وفي إشارة لسعيه إلى ثني حفتر عن عزمه إدخال البلاد في فوضى مسلّحة من خلال تهديداته المتكررة بالتحرك عسكريًا بعد 17 من ديسمبر/كانون الأول الجاري؛ قال سلامة إنه "يرغب في أن يجتمع قريبًا مع خليفة حفتر ليؤكد له أن البعثة الأممية تأمل، بشكل جدي، تنظيم الانتخابات العام المقبل". وبحسب مصادر إعلامية، فإن سلامة سعى للقاء حفتر خلال زيارته مدينة بنغازي الأسبوع الماضي، لكن هذه الزيارة لم تتم لأسباب لم يعلن عنها.
هذه التوجهات الجديدة للبعثة الأممية، التي توازي اقترابًا أميركيًا جديدًا من الملف الليبي، قد تشير إلى تغير الرؤية الدولية برمّتها للأزمة في ليبيا؛ فعزم الأمم المتحدة على التوجه لمرحلة الانتخابات قد يشي برغبتها في تجاوز مجرد السعي لتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع الحاليين، وربما أيضًا تحجيم فاعليتهما على الأرض، من خلال الضغط على أطراف إقليمية ودولية داعمة لهما. قد يدلل على ذلك تأكيد سلامة، خلال اللقاء ذاته، على وجود "تراجع في التدخل الدولي في الملف الليبي"، معتبرًا أنه فرصة لإنجاح الانتخابات المقبلة.
عطفًا على ذلك، فإن تصريحات وزير خارجية إيطاليا ألفانو، خلال لقائه بسلامة، التي أبدى فيها ترحيب بلاده بإجراء انتخابات في ليبيا؛ قد يعكس تغيرًا دوليًا جديدًا حيال الأزمة الليبية يتماهى مع الموقف الأميركي الأخير.
وكان سلامة قد زار عددًا من المدن الليبية، في غرب وشرق البلاد، لاسيما الفاعلة منها، كبنغازي ومصراته، للقاء أطراف ليبية الأسبوع الماضي، في إطار إعداده لعقد مؤتمر وطني جامع يضم أطرافًا ليبية وصفها في تصريحات سابقة بـ"المهمشة"، في إشارة إلى توسيع دائرة المشاركة السياسية وعدم حصرها في مجلسي النواب والدولة.
وأعقب تلك الزيارات تأكيده ضرورة المضي في تنفيذ مرحلة الخطة الأممية المعلن عنها في 20 سبتمبر/أيلول الماضي بعد المؤتمر الوطني الجامع، وإجراء الانتخابات التي قال عنها: "أجزم أن البلاد ذاهبة إليها في 2018، حتى لو لم يجر التوافق على السلطة التنفيذية".