هل تنهار السياحة في تونس بسبب كورونا؟

11 مايو 2020
+ الخط -
منذ بداية الوباء، عملت منظمة السياحة الدولية بشكل وثيق، مع منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للتجارة والبنك الدولي، على عقد العديد من الاجتماعات لتدارس التكلفة الاجتماعية لوباء كورونا المستجد، حيث قال الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية "إن هذه الحالة الصحية العامة غير المسبوقة هي بالفعل أزمة اقتصادية ستكون لها تكلفة اجتماعية، وأن السياحة الدولية هي أكثر القطاعات تضررا".

وفي ظل عدم اليقين بشأن مدة الأزمة أو الأثر الاقتصادي والهيكلي النهائي على السياحة، وخاصة فيما يتعلق بملايين الوظائف المعرضة للضياع، حيث توفر السياحة على المستوى الدولي قرابة 313 مليون موطن شغل، وتعتبر 80% من المؤسسات السياحية هي مؤسسات متوسطة وصغرى سريعة التأثر، ما يعني أن الأثر الاجتماعي سيكون كبيرا.

لقد أظهرت السياحة لعقود أنها شريك موثوق به، لتكون عاملا أساسيا لانتعاش اقتصادات بعض المجتمعات، أما الآن، نتيجة لوباء كورونا المستجد، فقد أصبحت سبل عيش الملايين من الناس وأسرهم على المحك، خاصة في المناطق والجهات التي تكون فيها السياحة النشاط المربح الرئيسي، والمقصود هنا الدول غير النفطية.

ولم تكن تونس في مأمن من انعكاسات هذا الوباء، باعتبارها دولة تعتمد كثيرا في اقتصادها على قطاع السياحة، ذلك أنه يوفر قرابة 400 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر، ويساهم بنحو 7% في الناتج المحلي الإجمالي لتونس، وببروز جائحة كورونا المستجد أعلنت تونس، يوم 21 مارس/آذار الماضي، عن خطة طوارئ سعت من خلالها إلى تخفيف العبء عن الأفراد والمؤسسات، خاصة المتضررة بصفة مباشرة من هذه الجائحة مثل قطاع السياحة، وتمثلت هذه الإجراءات في:


- إعفاءات ضريبية واسترداد ضريبة القيمة المضافة.
- إعادة جدولة الديون لتوفير السيولة للقطاع الخاص.
- الحد من تسريح العمال وحماية السكان الأكثر ضعفا وخاصة في القطاعات غير الرسمية.

كما أعلن البنك المركزي التونسي عن حزمة لدعم القطاع الخاص من خلال مطالبة البنوك بتأجيل سداد القروض القائمة وتعليق أي رسوم إضافية، كما قرر تزويدها بالسيولة اللازمة.

ومن المتوقع، حسب بعض الخبراء، أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 4% هذا العام. لم تكن تونس تستطيع أن تجابه آثار هذه الأزمة لولا بعض المساعدات من المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي الذي وافق على صرف مبلغ 15 مليون دولار لتلبية حاجيات مجابهة تفشي جائحة كوفيد 19، وخاصة لاقتناء المعدات الطبية اللازمة، كما تحصلت تونس، في 30 إبريل/نيسان الماضي، على مساهمة ثانية من البنك الدولي تتمثل في 20 مليون دولار، وسيتم استخدام هذا المبلغ لدعم الضمان الاجتماعي ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لتنشيط الاقتصاد، كل هذه الإجراءات سيتمتع بها العمال المسرحون من المؤسسات السياحية بمختلف أصنافها (الفنادق - وكالات الأسفار - وكالات كراء السيارات - النقل البحري والبري والجوي - الصناعات التقليدية).

وقال فريد بالحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "نعمل بلا كلل وبشكل وثيق مع الحكومات في المنطقة لتقديم المساندة الفورية، وسيستمر هذا الجهد طوال هذه الأزمة وما بعدها لإنقاذ الأرواح وإبطاء انتشار الوباء وتسريع الانتعاش في المنطقة".

وفي إطار المزيد من تخفيف الآثار السلبية لفيروس كورونا على قطاع السياحة في تونس تم التوقيع في 22 إبريل على اتفاقية بين وزارة السياحة والاتحاد العام التونسي للشغل ووكالات الأسفار والفنادق، وتنص هذه الاتفاقية على أن تدفع الدولة مساهمة استثنائية ومؤقتة بمبلغ 200 دينار، في حين تدفع الوحدات السياحية 56% من الراتب الفعلي، أي ما يعادل 17 يوم عمل تقريبا. كل ذلك للحيلولة دون أن يفقد عمال السياحة مواطن شغلهم.

وقد سجلت تونس، في شهر فبراير/شباط الماضي، انخفاضا بنسبة 80% في الحجوزات، وشهر مارس بنسبة 90%، وهي فترة ذروة الحجوزات السياحية، مقارنة بعام 2019، ما سيكون له تأثير على جميع القطاعات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بقطاع السياحة. وتجدر الإشارة إلى أنه، خلال الستة أشهر الأخيرة قبل بروز جائحة كورونا، عانى بعض أصحاب النزل من إفلاس توماس كوك.

كما أن وقف نشاط العمرة سيؤثر بشدة على وكالات الأسفار المختصة في هذا المجال، وكذلك إلغاء المؤتمرات والندوات، وأيضا إلغاء موسم زيارة المعبد اليهودي "الغريبة" بجزيرة جربة، حيث جرت العادة أن يقام خلال شهر إبريل أو مايو، ويستقطب أكثر من 2500 سائح من مختلف بقاع العالم في إطار ما يسمى بالسياحة الدينية.

يرى البعض أن موسم السياحة في تونس قد انتهى بسبب تطور الفيروس في البلدان المستهلكة للمنتوج السياحي التونسي، مثل الصين ( 18,341 سائح صيني سنة 2019) والدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا بقرابة مليوني سائح تقريبا.

وبالرغم من أن الحكومة تبحث عن إجراءات عاجلة لتجنب تداعيات أزمة الجائحة على القطاع السياحي، لما يمثله هذا القطاع من أهمية في التوازنات المالية لتونس، إلا أنه في المقابل لا يريد أصحاب المؤسسات السياحية الكبرى تقديم أية تضحيات، بل بالعكس يبحثون عن الاستثمار في الأزمة لمصلحتهم الضيقة ويطلبون من الدولة إعفاءهم من دفع متخلداتهم لدى الصناديق الاجتماعية وإعادة جدولة ديونهم البنكية..

في حين أن المطلوب هو التعاون بين المؤسسات من خلال تعبئة القطاعين العام والخاص، وإدراج التدخلات في الإطار الأوسع لخطط عمل المؤسسات المالية والمنظمات الإقليمية، وإرساء خريطة طريق واضحة من أجل إنقاذ هذا القطاع. فالسياحة تتطلب اليوم أفكارا جديدة مبتكرة لإعادة هذا القطاع إلى مسار تحقيق النمو المستدام، وهو تحد مشترك لا يمكن معالجته إلا بالتنسيق بين كل الأطراف الفاعلة والمتدخلة في السياحة على المستوى الوطني والدولي.