10 نوفمبر 2024
هل حسمت جبهة النصرة خيارها؟
ذهبت أغلب القراءات والتحليلات التي لحقت خطاب أيمن الظواهري الأخير "انفروا إلى الشام" إلى أنّ جبهة النصرة حسمت خياراتها، وأنّ جناح الصقور نجح في تأكيد التزام الجبهة مع تنظيم القاعدة الأم، في مواجهة التيار الذي كان يدفعها نحو الانفصال والتوطين أو "السورنة" الكاملة.
ليس ذلك فحسب، بل قُرئ خطاب الظواهري بأنّه بمثابة إشارة البدء للإعلان عن الإمارة الإسلامية التي كان قد لمّح إليها قبل شهور طويلة أمير الجبهة، أبو محمد الجولاني، ثم توقف الحديث عنها، ليؤكد خطاب الظواهري، أخيراً، هذا التوجه الذي يتم الإعداد والتحضير له عملياً على أرض الواقع!
تعزز هذه القراءة مؤشرات واقعية رئيسة، منها أنّ "النصرة" نقلت أغلب قياداتها المهمة، مثل الأردنيين أبو جليبيب وأسامة العريدي، إلى ريف إدلب من درعا، ومعهم أبو مارية القحطاني ومئات الأعضاء، كما أنّ هنالك أخباراً يتداولها أنصار التيار السلفي الجهادي الأردني أنّ قياداتٍ محسوبةً على القاعدة العالمية وصلت، بالفعل، إلى سورية، ومنها الأردني الملقب بأبي القسام (خالد العروري الذي كان محتجزاً في إيران بعد صفقة بينها وبين القاعدة).
دفع ذلك كله إلى القول إنّ الرهان الإقليمي على فك الارتباط بين "النصرة" والقاعدة فشل، وإنّ الجناح السوري العريض الذي يدفع بذلك الاتجاه أصبح ضعيفاً، وأنّ "النصرة" اليوم تتبنّى، ضمنياً، مقاربة تنظيم الدولة الإسلامية، عبر إقامة إمارة وحكم إسلامييين، بعدما كانت القاعدة ترفض ذلك أيدولوجياً وعملياً، ما شكّل أحد أبرز محاور الاختلاف بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية.
تتوفر تلك القراءة على مؤشراتٍ وأدلة ومعطيات واقعية وجيهة وقوية، لكنّها أيضاً لا تكفي للوصول إلى النتائج السابقة، إذ ما تزال جبهة النصرة تواجه معضلاتٍ حقيقيةٍ في حسم خيارها، سواء على صعيد التنظيم أو على صعيد علاقاتها وتحالفاتها على الجبهة السورية، أو في محاولات قائد "النصرة"، الجولاني، عدم الاصطدام المباشر مع أطرافٍ إقليمية مهمة، وفي مقدمتها تركيا.
تتمثل المعضلة الأولى في أيديولوجيا جبهة النصرة نفسها التي تقوم على التمازج والالتحام بالفصائل الإسلامية الأخرى، وعلى "استرضاء المجتمع"، عبر ما يسمى تكوين الجبهات والتحالفات الداخلية، وهي الأفكار التي من الواضح أنّ الجولاني، ومعه فريق سوري، يؤمن بها تماماً، ولا يريد أن يصل إلى الصدام مع المجتمع أو الحلفاء. المعضلة الثانية في داخل "النصرة" نفسها، إذ ما يزال الجناح المؤمن بالانفصال عن القاعدة قوياً وفاعلاً، وهنالك صراع عميق بينه وبين تيار القاعدة المعولم والجناح الأردني وقيادات السلفية الجهادية في العالم، الأردنيين أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، ما يجعل أي حسم حالي للخيارات أشبه بقنبلةٍ موقوتةٍ في داخل الجبهة نفسها.
فوق هذا وذاك، سيضرب الذهاب إلى تأسيس الإمارة والحسم وفرض الحكم جبهة النصرة بالفصائل الأخرى الحليفة لها، وتحديداً "أحرار الشام" التي أصبحت تقترب، أكثر وأكثر، من الاندماج بالشأن المحلي، عبر قيادتها الجديدة، وخصوصاً تصريحات مسؤول الشؤون الخارجية، لبيب النحاس. فمثل هذا الخيار، أي الذهاب نحو تأكيد العلاقة بالقاعدة بصورة قطعية، وتغيير الاستراتيجية في الساحة السورية، وربما التوجه إلى تنفيد عملياتٍ في الخارج، سيفكّك تحالفاتها على الساحة السورية.
من قرأ ما كتبه أبو بصير الطرطوسي، أحد أبرز حلفاء "النصرة"، والشيخ الروحي لفصائل إسلامية عديدة، تعقيباً على خطاب الظواهري، يلمس مدى الأزمة العميقة التي تعيشها "النصرة"، على صعيدين، أيديولوجي وواقعي. ويدفع هذا وذاك إلى القول إنّ الأيديولوجيا الملتبسة التي أسّست "النصرة" والمساحة الرمادية التي تتحرّك فيها، بين المحلي والعالمي، يجعلان من أي محاولةٍ لحسم خيار بهذا الاتجاه أو ذاك أشبه بعملية تفجيرٍ داخلية، ما قد يجعل الموقف في المدى المنظور، على الأقل، معلّقاً إلى حين.
ليس ذلك فحسب، بل قُرئ خطاب الظواهري بأنّه بمثابة إشارة البدء للإعلان عن الإمارة الإسلامية التي كان قد لمّح إليها قبل شهور طويلة أمير الجبهة، أبو محمد الجولاني، ثم توقف الحديث عنها، ليؤكد خطاب الظواهري، أخيراً، هذا التوجه الذي يتم الإعداد والتحضير له عملياً على أرض الواقع!
تعزز هذه القراءة مؤشرات واقعية رئيسة، منها أنّ "النصرة" نقلت أغلب قياداتها المهمة، مثل الأردنيين أبو جليبيب وأسامة العريدي، إلى ريف إدلب من درعا، ومعهم أبو مارية القحطاني ومئات الأعضاء، كما أنّ هنالك أخباراً يتداولها أنصار التيار السلفي الجهادي الأردني أنّ قياداتٍ محسوبةً على القاعدة العالمية وصلت، بالفعل، إلى سورية، ومنها الأردني الملقب بأبي القسام (خالد العروري الذي كان محتجزاً في إيران بعد صفقة بينها وبين القاعدة).
دفع ذلك كله إلى القول إنّ الرهان الإقليمي على فك الارتباط بين "النصرة" والقاعدة فشل، وإنّ الجناح السوري العريض الذي يدفع بذلك الاتجاه أصبح ضعيفاً، وأنّ "النصرة" اليوم تتبنّى، ضمنياً، مقاربة تنظيم الدولة الإسلامية، عبر إقامة إمارة وحكم إسلامييين، بعدما كانت القاعدة ترفض ذلك أيدولوجياً وعملياً، ما شكّل أحد أبرز محاور الاختلاف بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية.
تتوفر تلك القراءة على مؤشراتٍ وأدلة ومعطيات واقعية وجيهة وقوية، لكنّها أيضاً لا تكفي للوصول إلى النتائج السابقة، إذ ما تزال جبهة النصرة تواجه معضلاتٍ حقيقيةٍ في حسم خيارها، سواء على صعيد التنظيم أو على صعيد علاقاتها وتحالفاتها على الجبهة السورية، أو في محاولات قائد "النصرة"، الجولاني، عدم الاصطدام المباشر مع أطرافٍ إقليمية مهمة، وفي مقدمتها تركيا.
تتمثل المعضلة الأولى في أيديولوجيا جبهة النصرة نفسها التي تقوم على التمازج والالتحام بالفصائل الإسلامية الأخرى، وعلى "استرضاء المجتمع"، عبر ما يسمى تكوين الجبهات والتحالفات الداخلية، وهي الأفكار التي من الواضح أنّ الجولاني، ومعه فريق سوري، يؤمن بها تماماً، ولا يريد أن يصل إلى الصدام مع المجتمع أو الحلفاء. المعضلة الثانية في داخل "النصرة" نفسها، إذ ما يزال الجناح المؤمن بالانفصال عن القاعدة قوياً وفاعلاً، وهنالك صراع عميق بينه وبين تيار القاعدة المعولم والجناح الأردني وقيادات السلفية الجهادية في العالم، الأردنيين أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، ما يجعل أي حسم حالي للخيارات أشبه بقنبلةٍ موقوتةٍ في داخل الجبهة نفسها.
فوق هذا وذاك، سيضرب الذهاب إلى تأسيس الإمارة والحسم وفرض الحكم جبهة النصرة بالفصائل الأخرى الحليفة لها، وتحديداً "أحرار الشام" التي أصبحت تقترب، أكثر وأكثر، من الاندماج بالشأن المحلي، عبر قيادتها الجديدة، وخصوصاً تصريحات مسؤول الشؤون الخارجية، لبيب النحاس. فمثل هذا الخيار، أي الذهاب نحو تأكيد العلاقة بالقاعدة بصورة قطعية، وتغيير الاستراتيجية في الساحة السورية، وربما التوجه إلى تنفيد عملياتٍ في الخارج، سيفكّك تحالفاتها على الساحة السورية.
من قرأ ما كتبه أبو بصير الطرطوسي، أحد أبرز حلفاء "النصرة"، والشيخ الروحي لفصائل إسلامية عديدة، تعقيباً على خطاب الظواهري، يلمس مدى الأزمة العميقة التي تعيشها "النصرة"، على صعيدين، أيديولوجي وواقعي. ويدفع هذا وذاك إلى القول إنّ الأيديولوجيا الملتبسة التي أسّست "النصرة" والمساحة الرمادية التي تتحرّك فيها، بين المحلي والعالمي، يجعلان من أي محاولةٍ لحسم خيار بهذا الاتجاه أو ذاك أشبه بعملية تفجيرٍ داخلية، ما قد يجعل الموقف في المدى المنظور، على الأقل، معلّقاً إلى حين.