منطق المال والربح هو المتحكم في قرارات من يمول هذه الصحيفة العريقة وغيرها، وبما أن الصحيفة سجلت خسارات كبيرة وانخفاضا حادا في المبيعات (انخفضت المبيعات سنة 2013 بنسبة 28 في المائة قياسا مع سنة 2012)، فإن خيارات بقائها تظل ضئيلة. وليست "ليبراسيون" وحدها من يعرف هذه المتاعب فصحيفة "لوموند" عرفت الشيء ذاته وتدخل أثرياء لشرائها كما أن صحيفة "فرانس سوار" اختفت نهائيا من المشهد الإعلامي الفرنسي.
ما هي خيارات الصحيفة؟
إمّا أن تتحول إلى فضاء ثقافي وشبكة اجتماعية، وهو ما يحتاج بالضرورة إلى تمويل، أو إعلان إفلاسها، مع معاودة جزئية لنشاطها.
وكان من نتائج هذه الأزمة الحديثة (إذ عرفت الصحيفة أزمات كثيرة طيلة حياتها) استقالة مديرها الصحافي نيكولا ديموراند، الذي عارَضَتْه أغلبية تريد الحفاظ على الصحيفة الورقيّة وأضربت احتجاجا على التغييرات المعلنة.
وتَدِينُ الصحيفة في استمراريتها للدولة التي منحتها، بصفة استعجالية، جزءًا من المساعدات التي تُقدَّم للصحافة. ولا يزال بمستطاع الدولة مساعدتها بمليون يورو، وهو ما يغطّي بضعة أسابيع لا أكثر.
وإذا كانت "ليبراسيون" مَعْلماً من معالِم الصحافة الفرنسية، إلى جوار "لوموند" و"لوفيغارو"، فإن الكثير من أصحاب القرار، حتى من ساسة اليمين، لا يُريدون اختفاءها نهائيا من المشهد الإعلامي. وحتى القضاء الفرنسي، محكمة التجارة، أعلن عن موافقته تمديد فترة تسديد الصحيفة لديونها التي تتجاوز 6 ملايين يورو إلى غاية 2017، شرط وضع خطة لتحصيل 4 ملايين يورو. ولكن من يستطيع فعلا شراء مشروع مثقل بالديون؟
تعيش الصحيفة، فعلا، في ورطة، إذ أن هموم مشاغل رجال الأعمال والممولين ليست هي هموم الصحافيين "الحالمين". ومن يقرأ الصحيفة منذ العاشر من فبراير/ شباط 2014 ، لا بد وأن يجد صفحة أو صفحتين تحملان عنوان: "نحن صحيفة". وهي موجهة للقارئ الوفيّ وأيضا للمُساهِمين، الذين يريدون "خلق شبكة اجتماعية وتحويل مقر الصحيفة إلى فضاء ثقافي". وفي هذه الصفحة نقرأ على مدار الأيام: "ليبراسيون ليست مشروعا عقاريا" ..و"يجب على ليبراسيون أن تكون، قبل كل شيء، نقاشاً حول محتوى تحريريّ"...
يراهِن الصحافيون، الذين يعلنون عن استعدادهم لتحمل أعباء التقشف ،الذي لا بد منه، بقصد توفير بعض الأموال، على "قُطب صحافة يسارية" بدأ يتشكل في فرنسا، ومن ورائه رجال الأعمال كزافيي نْييل وماثيو بيغاس وبيير بيرجي، مالِكُو صحيفة "لوموند" ومجلة "لونوفيل أوبسرفاتور" الأسبوعية، ولكن هل سيتدخل هذا الثلاثي لإنقاذ هذه الصحيفة المشاكسة؟
لا أحد يريد اختفاء هذه الصحيفة، ولكن لا يبدو أن حلا قريبا سيرى النور. ولهذا فإن الكثيرين، وخصوصا من القراء، أصحاب الحنين إلى سارتر وزمنه، بدأوا يُعوِّدون أنفسهم على رؤية أكشاك تغص بالصحافة ولا توجد فيها "ليبراسيون".
مُقترح رونشيلد
"في هذا الإطار ومن أجل البحث عن بديل قويّ يتيح لصحيفة "ليبراسيون" مواصلة طريقها، فإن المُساهِمين، وبمساعدة من فيليب ستارك، يُفكِّرون، حاليا، في الإمكانات التي تتيح، إلى جانب الانتقال من هذا المقرّ الذي أصبح لا مفر منه، الاحتفاظ بمساحة 4500 متر مربع في البناية في شارع بيرانجي، المقر التاريخي للصحيفة، من خلال إنشاء فضاء ثقافي ومحاضرات يتضمن منصة تلفزيون وأستوديو إذاعة وغرفة رقمية جديدة ومطعماً، وباختصار: مكانا للتبادل مفتوحا ويرتاده الجميع، من صحافيين وفنانين وكتّاب وفلاسفة ورجال سياسة، إلخ... "