12 نوفمبر 2024
هل سقط اتفاق استوكهولم في اليمن؟
تتزايد المخاوف في اليمن من احتمال انهيار التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين الفرقاء اليمنيين في مشاورات السويد التي جرت تحت رعاية الأمم المتحدة في الفترة 6 - 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ومعها المسار السياسي كاملًا، والذي نجح مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، مارتين غريفث، في إنشائه، بعد شهور من المفاوضات والمشاورات في اليمن، وفي عواصم إقليمية ودولية لوقف الحرب المستمرة منذ نحو أربع سنوات. فشل الحوثيون في تنفيذ تعهداتهم المتعلقة بتسليم ميناء الحديدة، وفي احترام اتفاقٍ لفتح ممر إنساني بين الحديدة وصنعاء لتسليم المساعدات الإنسانية. وكان الحوثيون أعلنوا في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2018 أنهم بدأوا في إعادة الانتشار في ميناء الحديدة، وفق اتفاق استوكهولم، وأنهم قاموا بتسليمه إلى قوات خفر السواحل، إلا أن الأمم المتحدة شكّكت في ذلك، ولا سيما أن القوات المسؤولة عن الاستلام هي، في حقيقة الأمر، خاضعة للحوثيين.
السياقان المحلي والدولي
مثلت مشاورات السويد بارقة أمل لإنهاء الحرب ووقف معاناة اليمنيين، إذ أتت بعد عامين ونصف من انهيار مفاوضات الكويت في تموز/ يوليو 2016، وبعد الفشل في عقد مشاورات جنيف في 6 أيلول/ سبتمبر 2018. وقد جاءت مشاورات السويد في ظل تجدّد المعارك واشتدادها في مدينة الحديدة، واقتراب القوات الحكومية من حسمها، وتزايد ضغوط القوى الدولية على دول التحالف العربي، وتحديدًا السعودية، لوقف معركة الحديدة، بسبب تدهور الوضع الإنساني على نحو غير مسبوق. وقد توصل الطرفان، في نهاية أسبوع من المفاوضات، إلى اتفاقاتٍ مهمة، منها اتفاق بشأن مدينة الحديدة ومينائها، يقضي بانسحاب الحوثيين منها خلال 14 يومًا. كما تم التوصل إلى اتفاقٍ يسمح بإدخال مساعداتٍ إنسانيةٍ إلى مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون منذ ثلاث سنوات.
داخليًا، أتت مشاورات السويد في وقتٍ استطاعت فيه قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي
استعادة بعض الثقة، عقب إقالة رئيس الحكومة السابق، أحمد بن دغر، إثر الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بعض المحافظات اليمينة في الأسبوع الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2018؛ إذ شرعت الحكومة الجديدة في تبنّي سياساتٍ جديدةٍ لإدارة الملف الاقتصادي، وعملت على استعادة البنك المركزي دوره في وضع حد لانهيار العملة. وقد عكس ذلك توجهات رئيس الحكومة الجديد، معين عبد الملك، الذي أكّد أن من أولوياته التركيز على الملفات، الاقتصادي والخدمي والإنساني. فضلًا عن ذلك، انعكس إيجابيًا تمكُّن حكومته من مزاولة مهماتها في العاصمة المؤقتة، عدن، بعد إلغاء "المجلس الانتقالي الجنوبي" فعاليته التصعيدية التي كان من المقرر إقامتها في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 في عدن. ولم يتسم اعتراضه على عدم تمثيله في المشاورات في السويد بالحدّة نفسها كما في السابق.
أسهمت هذه التطورات في زيادة مظاهر الثقة لدى الوفد الحكومي إلى مشاورات السويد، والتي انعكست في تصريحات وزير الخارجية اليمني رئيس الوفد، خالد اليماني، في بداية عقد المشاورات، بتشديده على السلطة السيادية للحكومة في إدارة ميناء الحديدة ومطار صنعاء؛ الذي يتحول إلى مطار داخلي، طالما ظل في يد الحوثيين، ويصبح مطار عدن المطار الرئيس في اليمن. في المقابل، ساهمت التطمينات التي قدّمت للحوثيين في إقناعهم بالمشاركة في مشاورات السويد. وقد لبّت الأمم المتحدة شروط الحوثيين بمرافقة الوفد وتأمينه وتقديم العلاج للجرحى.
إقليميًا، أسهمت الضغوط الدولية على السعودية، وخصوصا بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في زيادة فرص البحث عن حل سياسي لإنهاء الحرب التي باتت أحد أهم مصادر استنزاف السعودية ماليًا وسياسيًا. وقد ظهر أثر هذه الضغوط في المرونة التي أبدتها السعودية والإمارات في التعامل مع مقترحات المبعوث الدولي، وإفساحهما المجال للحكومة اليمنية في المضي في المشاورات. وكانت بريطانيا تقدّمت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن لوقف الحرب. سبقتها دعوة وزيرَي الدفاع والخارجية الأميركيين في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بضرورة وقف إطلاق النار في اليمن في غضون 30 يومًا، وهي الدعوة التي جاءت في ظل الانتقادات التي وجّهت إلى الولايات المتحدة لدعمها التحالف العربي. وكان البرلمان الأوروبي دعا في بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2018 إلى حظر بيع السلاح لدول التحالف ووقف الحرب، وهو ما يتفق مع تحرّكات مجلس الشيوخ الأميركي التي توجّت أخيرا بقرار الأخير وقف الدعم الأميركي لدول التحالف في حرب اليمن.
بنود اتفاق استوكهولم
مثلت مسألة وقف معركة الحديدة المدخل الرئيس للمشاورات التي لم تلبث أن اتسعت لتشمل قضايا الأسرى والمعتقلين، وحصار مدينة تعز، ومطار صنعاء الدولي، والملف الاقتصادي. وفي نهاية أسبوعٍ من التفاوض، توصل وفدَا الحكومة والحوثيين، في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، إلى اتفاق استوكهولم، تضمّن ثلاث قضايا رئيسة، هي اتفاق حول مدينة الحديدة، وآلية تنفيذية لاتفاقية تبادل الأسرى، وإعلان تفاهماتٍ حول تعز، مع التزام الطرفين بمواصلة المشاورات من دون قيد أو شرط، في غضون كانون الثاني/ يناير 2019 وفي مكانٍ يُتفق عليه لاحقًا. واكتسب الاتفاق أهميةً دوليةً عندما أصدر مجلس الأمن قرارا يعلن فيه تأييده الاتفاق، ويحضّ على تنفيذه.
ويعدّ اتفاق مدينة الحديدة أبرز ما نتج من المشاورات، إذ اتفق الطرفان على إعلان وقفٍ فوري لإطلاق النار في المدينة، وإعادة الانتشار المشترك للقوات من موانئها إلى خارج المدينة
والموانئ، وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة، وإنشاء لجنة تنسيقٍ لتنفيذ إعادة انتشار مشتركة برئاسة الأمم المتحدة، تضم أعضاءً من الطرفين، لمراقبة وقف إطلاق النار، وإعادة الانتشار والإشراف على عملية إزالة الألغام، وتعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في موانئ الحديدة، وتعزيز وجود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة وموانئها، وأن تودَع جميع إيرادات الموانئ في البنك المركزي اليمني، من خلال فرعه الموجود في الحديدة، للمساهمة في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في جميع أنحاء اليمن، على أن تقع مسؤولية أمن المدينة وموانئها على عاتق قوات الأمن المحلية، وفقًا للقانون اليمني. وستنفذ اللجنة المشتركة الاتفاقية على مراحل، بحيث تتم إعادة الانتشار من الموانئ والأجزاء المهمة من المدينة في غضون أسبوعين، وأن يتم الانتشار المشترك الكامل لكل القوات من مدينة الحديدة وموانئها خلال مدة أقصاها 21 يومًا من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
آفاق تنفيذ الاتفاق
منذ البداية، لم يظهر الحوثيون جدّية في الالتزام ببنود الاتفاق، إذ سحبوا مسلّحيهم صوريًا من ميناء مدينة الحديدة، واستبدلوهم بعناصر منهم، بمسمى خفر السواحل، في محاولة للالتفاف على الاتفاق، وقد حذّر الجنرال جين باتريك كاميريت، رئيس لجنة الانتشار والمراقبة التابعة للأمم المتحدة، من أن أي إعادة انتشار لن يكون لها صدقية، إلا إذا كانت كل الأطراف والأمم المتحدة قادرين على الإشراف والتحقق من تطابق أي إجراءٍ مع بنود اتفاق استوكهولم. ويعدّ سلوك الحركة الحوثية الانفرادي مؤشرًا أوليًا على عدم جديتها، وعلى صعوبة تنازلها عن سيطرتها على مدينة الحديدة.
وبخصوص حصار مدينة تعز الذي فرضه تحالف الحوثي - صالح، منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، على المدينة من مداخلها الشمالية الشرقية، وهي المدينة الأكثر تعرّضًا للدمار والأكثر ضحايا من القتلى والجرحى المدنيين، فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنةٍ مشتركةٍ، تضم ممثلين من المجتمع المدني، وبمشاركة الأمم المتحدة، للإشراف على دخول مساعدات إنسانية إليها، على أن يحدّد موعد الاجتماع الأول ومكانه للجنة المشتركة، يتم فيه تحديد صلاحيتها وآلية عملها، وأن تقدّم اللجنة تقريرًا عن سير أعمالها إلى الاجتماع التشاوري المقبل. لكن لم يتم تنفيذ شيء من هذا الاتفاق حتى الآن، ولا يبدو أن موضوع حصار مدينة تعز سيأخذ القدر نفسه من الاهتمام الذي أخذه حصار مدينة الحديدة.
وبخصوص القضايا الاقتصادية والمعيشية الضاغطة على السكان، لم يتم التوصل إلى اتفاق حول رواتب الموظفين باعتباره موضوعًا مرتبطًا بعموم الملف الاقتصادي ومسائل أخرى ينبغي حلها، مثل تصدير النفط والغاز وتوريد عائدات ميناء الحديدة والإيرادات الأخرى في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الحوثية إلى البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن. وكل ما أُنجز هو التفاهم على ضرورة تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لمعالجة الموضوع. وقد وجّه الرئيس عبد ربه منصور هادي الحكومة إلى صرف رواتب الجهاز الإداري للدولة في محافظة الحديدة ابتداءً من كانون الأول/ ديسمبر 2018. وهي خطوةٌ تزامنت مع بدء كبير المراقبين الأمميين مهماته بخصوص إعادة الانتشار ومراقبة وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة.
قراءة في النتائج
يمكن مما جرى في السويد استخلاص عدة نقاط:
• على الرغم من تكامل جهود القوى الدولية والإقليمية في دفع الحكومة اليمنية والحوثيين إلى
طاولة المشاورات، فإن نتائج المشاورات المحدودة لا تعكس جدية حقيقية في إنهاء الحرب إنهاءً شاملًا، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2216.
• على الرغم من أن الأمم المتحدة عدّت مشاورات استوكهولم نجاحًا، إذ أمكن دفع الحكومة الشرعية والحركة الحوثية إلى التوصل إلى اتفاقاتٍ بشأن قضية الأسرى والمعتقلين ومدينة الحديدة، عبّر عنها حضور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الجلسة الختامية، فإن هذه المشاورات أظهرت حالةً من عدم الثقة بين الطرفين اليمنيين. وقد عكس ذلك تصريح وزير الخارجية اليمني رئيس وفد الحكومة في مؤتمر صحفي أن ما توصلت إليه المشاورات بشأن مدينة الحديدة وتبادل الأسرى هو "اتفاقات افتراضية".
• أفضت نتائج مشاورات السويد إلى وضع الحوثيين في موقع الند للسلطة الشرعية، وخرجوا باتفاقٍ يوقف الحرب في مدينة الحديدة، يجنّبهم هزيمة عسكرية، وفضّلوا أن تكون موانئها تحت إشراف الأمم المتحدة على أن تقع تحت سيطرة الحكومة، وذلك في تناقض مع خطابهم الرافض للانتقاص من السيادة اليمنية.
• فشلت المشاورات في التوصل إلى حلولٍ بشأن مطار صنعاء الدولي لرفض الحوثيين المقترحات التي قدّمت، وإصرارهم على مواقفهم، وهو ما تكرّر بشأن بقية القضايا التي لم يتوصل الطرفان إلى اتفاقاتٍ نهائية بشأنها، وإنما هي تفاهماتٌ فحسب، وأبرز تلك القضايا حصار تعز ورواتب الموظفين، وهي قضايا ذات أبعاد إنسانية.
خاتمة
مع أن السياقات المحلية والإقليمية والدولية جاءت داعمةً لانعقاد مشاورات السويد، فإن مستوى التقدّم الذي تحقق لم يرقَ إلى مستوى التوقعات، مع وجود مؤشراتٍ على احتمال فشل تطبيق حتى الاتفاقات الجزئية التي تم التوصل إليها بشأن مدينة الحديدة وموانئها. فضلًا عن ذلك، تغيب أي مؤشراتٍ على إمكانية تطبيق قرار مجلس الأمن 2216، الذي ينص على إنهاء انقلاب الحركة الحوثية على العملية السياسية، وعودة الحكومة الشرعية إلى ممارسة مهماتها من صنعاء. كما أن المشاورات، بوضعها الحركة الحوثية في موقف مساوٍ مع الحكومة، غيّرت المسار الذي تحوّل من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة إلى التفاوض عمليًا بين ندّين وسلطتين، أي إن المسار أصبح يعكس الواقع على الأرض، وليس تنفيذ قرارات دولية. وبقيت الحرب مشتعلةً في بقية الجبهات.
وعلى الرغم من النتائج المحدودة التي أسفرت عنها المشاورات، تبدي الأمم المتحدة تفاؤلًا بشأن نجاحها، هذه المرة، في التوصل إلى اتفاق سلام شامل؛ ذلك أن جولة المشاورات في السويد نجحت على الأقل في جدولة قضايا المشاورات لجولةٍ مقبلة، وفتحت الباب حول إمكانية وقف الحرب التي أخذت تفقد أي مبرّر لاستمرارها.
السياقان المحلي والدولي
مثلت مشاورات السويد بارقة أمل لإنهاء الحرب ووقف معاناة اليمنيين، إذ أتت بعد عامين ونصف من انهيار مفاوضات الكويت في تموز/ يوليو 2016، وبعد الفشل في عقد مشاورات جنيف في 6 أيلول/ سبتمبر 2018. وقد جاءت مشاورات السويد في ظل تجدّد المعارك واشتدادها في مدينة الحديدة، واقتراب القوات الحكومية من حسمها، وتزايد ضغوط القوى الدولية على دول التحالف العربي، وتحديدًا السعودية، لوقف معركة الحديدة، بسبب تدهور الوضع الإنساني على نحو غير مسبوق. وقد توصل الطرفان، في نهاية أسبوع من المفاوضات، إلى اتفاقاتٍ مهمة، منها اتفاق بشأن مدينة الحديدة ومينائها، يقضي بانسحاب الحوثيين منها خلال 14 يومًا. كما تم التوصل إلى اتفاقٍ يسمح بإدخال مساعداتٍ إنسانيةٍ إلى مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون منذ ثلاث سنوات.
داخليًا، أتت مشاورات السويد في وقتٍ استطاعت فيه قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي
أسهمت هذه التطورات في زيادة مظاهر الثقة لدى الوفد الحكومي إلى مشاورات السويد، والتي انعكست في تصريحات وزير الخارجية اليمني رئيس الوفد، خالد اليماني، في بداية عقد المشاورات، بتشديده على السلطة السيادية للحكومة في إدارة ميناء الحديدة ومطار صنعاء؛ الذي يتحول إلى مطار داخلي، طالما ظل في يد الحوثيين، ويصبح مطار عدن المطار الرئيس في اليمن. في المقابل، ساهمت التطمينات التي قدّمت للحوثيين في إقناعهم بالمشاركة في مشاورات السويد. وقد لبّت الأمم المتحدة شروط الحوثيين بمرافقة الوفد وتأمينه وتقديم العلاج للجرحى.
إقليميًا، أسهمت الضغوط الدولية على السعودية، وخصوصا بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في زيادة فرص البحث عن حل سياسي لإنهاء الحرب التي باتت أحد أهم مصادر استنزاف السعودية ماليًا وسياسيًا. وقد ظهر أثر هذه الضغوط في المرونة التي أبدتها السعودية والإمارات في التعامل مع مقترحات المبعوث الدولي، وإفساحهما المجال للحكومة اليمنية في المضي في المشاورات. وكانت بريطانيا تقدّمت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن لوقف الحرب. سبقتها دعوة وزيرَي الدفاع والخارجية الأميركيين في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بضرورة وقف إطلاق النار في اليمن في غضون 30 يومًا، وهي الدعوة التي جاءت في ظل الانتقادات التي وجّهت إلى الولايات المتحدة لدعمها التحالف العربي. وكان البرلمان الأوروبي دعا في بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2018 إلى حظر بيع السلاح لدول التحالف ووقف الحرب، وهو ما يتفق مع تحرّكات مجلس الشيوخ الأميركي التي توجّت أخيرا بقرار الأخير وقف الدعم الأميركي لدول التحالف في حرب اليمن.
بنود اتفاق استوكهولم
مثلت مسألة وقف معركة الحديدة المدخل الرئيس للمشاورات التي لم تلبث أن اتسعت لتشمل قضايا الأسرى والمعتقلين، وحصار مدينة تعز، ومطار صنعاء الدولي، والملف الاقتصادي. وفي نهاية أسبوعٍ من التفاوض، توصل وفدَا الحكومة والحوثيين، في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، إلى اتفاق استوكهولم، تضمّن ثلاث قضايا رئيسة، هي اتفاق حول مدينة الحديدة، وآلية تنفيذية لاتفاقية تبادل الأسرى، وإعلان تفاهماتٍ حول تعز، مع التزام الطرفين بمواصلة المشاورات من دون قيد أو شرط، في غضون كانون الثاني/ يناير 2019 وفي مكانٍ يُتفق عليه لاحقًا. واكتسب الاتفاق أهميةً دوليةً عندما أصدر مجلس الأمن قرارا يعلن فيه تأييده الاتفاق، ويحضّ على تنفيذه.
ويعدّ اتفاق مدينة الحديدة أبرز ما نتج من المشاورات، إذ اتفق الطرفان على إعلان وقفٍ فوري لإطلاق النار في المدينة، وإعادة الانتشار المشترك للقوات من موانئها إلى خارج المدينة
آفاق تنفيذ الاتفاق
منذ البداية، لم يظهر الحوثيون جدّية في الالتزام ببنود الاتفاق، إذ سحبوا مسلّحيهم صوريًا من ميناء مدينة الحديدة، واستبدلوهم بعناصر منهم، بمسمى خفر السواحل، في محاولة للالتفاف على الاتفاق، وقد حذّر الجنرال جين باتريك كاميريت، رئيس لجنة الانتشار والمراقبة التابعة للأمم المتحدة، من أن أي إعادة انتشار لن يكون لها صدقية، إلا إذا كانت كل الأطراف والأمم المتحدة قادرين على الإشراف والتحقق من تطابق أي إجراءٍ مع بنود اتفاق استوكهولم. ويعدّ سلوك الحركة الحوثية الانفرادي مؤشرًا أوليًا على عدم جديتها، وعلى صعوبة تنازلها عن سيطرتها على مدينة الحديدة.
وبخصوص حصار مدينة تعز الذي فرضه تحالف الحوثي - صالح، منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، على المدينة من مداخلها الشمالية الشرقية، وهي المدينة الأكثر تعرّضًا للدمار والأكثر ضحايا من القتلى والجرحى المدنيين، فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنةٍ مشتركةٍ، تضم ممثلين من المجتمع المدني، وبمشاركة الأمم المتحدة، للإشراف على دخول مساعدات إنسانية إليها، على أن يحدّد موعد الاجتماع الأول ومكانه للجنة المشتركة، يتم فيه تحديد صلاحيتها وآلية عملها، وأن تقدّم اللجنة تقريرًا عن سير أعمالها إلى الاجتماع التشاوري المقبل. لكن لم يتم تنفيذ شيء من هذا الاتفاق حتى الآن، ولا يبدو أن موضوع حصار مدينة تعز سيأخذ القدر نفسه من الاهتمام الذي أخذه حصار مدينة الحديدة.
وبخصوص القضايا الاقتصادية والمعيشية الضاغطة على السكان، لم يتم التوصل إلى اتفاق حول رواتب الموظفين باعتباره موضوعًا مرتبطًا بعموم الملف الاقتصادي ومسائل أخرى ينبغي حلها، مثل تصدير النفط والغاز وتوريد عائدات ميناء الحديدة والإيرادات الأخرى في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الحوثية إلى البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن. وكل ما أُنجز هو التفاهم على ضرورة تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لمعالجة الموضوع. وقد وجّه الرئيس عبد ربه منصور هادي الحكومة إلى صرف رواتب الجهاز الإداري للدولة في محافظة الحديدة ابتداءً من كانون الأول/ ديسمبر 2018. وهي خطوةٌ تزامنت مع بدء كبير المراقبين الأمميين مهماته بخصوص إعادة الانتشار ومراقبة وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة.
قراءة في النتائج
يمكن مما جرى في السويد استخلاص عدة نقاط:
• على الرغم من تكامل جهود القوى الدولية والإقليمية في دفع الحكومة اليمنية والحوثيين إلى
• على الرغم من أن الأمم المتحدة عدّت مشاورات استوكهولم نجاحًا، إذ أمكن دفع الحكومة الشرعية والحركة الحوثية إلى التوصل إلى اتفاقاتٍ بشأن قضية الأسرى والمعتقلين ومدينة الحديدة، عبّر عنها حضور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الجلسة الختامية، فإن هذه المشاورات أظهرت حالةً من عدم الثقة بين الطرفين اليمنيين. وقد عكس ذلك تصريح وزير الخارجية اليمني رئيس وفد الحكومة في مؤتمر صحفي أن ما توصلت إليه المشاورات بشأن مدينة الحديدة وتبادل الأسرى هو "اتفاقات افتراضية".
• أفضت نتائج مشاورات السويد إلى وضع الحوثيين في موقع الند للسلطة الشرعية، وخرجوا باتفاقٍ يوقف الحرب في مدينة الحديدة، يجنّبهم هزيمة عسكرية، وفضّلوا أن تكون موانئها تحت إشراف الأمم المتحدة على أن تقع تحت سيطرة الحكومة، وذلك في تناقض مع خطابهم الرافض للانتقاص من السيادة اليمنية.
• فشلت المشاورات في التوصل إلى حلولٍ بشأن مطار صنعاء الدولي لرفض الحوثيين المقترحات التي قدّمت، وإصرارهم على مواقفهم، وهو ما تكرّر بشأن بقية القضايا التي لم يتوصل الطرفان إلى اتفاقاتٍ نهائية بشأنها، وإنما هي تفاهماتٌ فحسب، وأبرز تلك القضايا حصار تعز ورواتب الموظفين، وهي قضايا ذات أبعاد إنسانية.
خاتمة
مع أن السياقات المحلية والإقليمية والدولية جاءت داعمةً لانعقاد مشاورات السويد، فإن مستوى التقدّم الذي تحقق لم يرقَ إلى مستوى التوقعات، مع وجود مؤشراتٍ على احتمال فشل تطبيق حتى الاتفاقات الجزئية التي تم التوصل إليها بشأن مدينة الحديدة وموانئها. فضلًا عن ذلك، تغيب أي مؤشراتٍ على إمكانية تطبيق قرار مجلس الأمن 2216، الذي ينص على إنهاء انقلاب الحركة الحوثية على العملية السياسية، وعودة الحكومة الشرعية إلى ممارسة مهماتها من صنعاء. كما أن المشاورات، بوضعها الحركة الحوثية في موقف مساوٍ مع الحكومة، غيّرت المسار الذي تحوّل من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة إلى التفاوض عمليًا بين ندّين وسلطتين، أي إن المسار أصبح يعكس الواقع على الأرض، وليس تنفيذ قرارات دولية. وبقيت الحرب مشتعلةً في بقية الجبهات.
وعلى الرغم من النتائج المحدودة التي أسفرت عنها المشاورات، تبدي الأمم المتحدة تفاؤلًا بشأن نجاحها، هذه المرة، في التوصل إلى اتفاق سلام شامل؛ ذلك أن جولة المشاورات في السويد نجحت على الأقل في جدولة قضايا المشاورات لجولةٍ مقبلة، وفتحت الباب حول إمكانية وقف الحرب التي أخذت تفقد أي مبرّر لاستمرارها.