14 نوفمبر 2024
هل كان الحكم العثماني استعماراً؟
1
حسب "ويكيبيديا"، الاستعمار ظاهرةٌ تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي، بالتالي، نهب وسلب معظم ثروات البلاد المستعمرة، فضلاً عن تحطيم كرامة شعوب تلك البلاد، وتدمير تراثها الحضاري والثقافي، وفرض ثقافة الاستعمار على أنها الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمرة إلى مرحلة الحضارة. الاستعمار إخضاع جماعةٍ من الناس لحكم أجنبي، ويسمى سكان البلاد المستعمَرين، وتسمى الأراضي الواقعة تحت الاحتلال البلاد المستعمرة. ومعظم المستعمرات مفصولةٌ عن الدولة المستعمِرة (بكسر الميم الثانية) ببحار ومحيطات. وغالباً ما ترسل الدولة الأجنبية سكاناً للعيش في المستعمرات، وحكمها واستغلالها مصادر للثروة. وهذا ما يجعل حكام المستعمرات منفصلين عرقياً عن المحكومين. وتاريخياً، وفي المعنى الاصطلاحي، هو مصطلح يشير إلى ظاهرة سياسية اجتماعية وثقافية، تشمل إقامة مستوطناتٍ أوروبية خارج أوروبا منذ القرن الخامس عشر، واستيلاء الدول الأوروبية، سياسياً واقتصادياً على مناطق واسعة في جميع القارات الأخرى، بما في ذلك إخضاع الشعوب القاطنة فيها لحكم الدول الأوروبية، واستغلال كنوزها الطبيعية وعمل السكان المحليين لصالح الدول الأوروبية.
2
حسب مناهجنا الدراسية، سُمي حكم الدولة العثمانية لبلادنا العربية استعماراً، شأن الاستعمارين البريطاني والفرنسي، ولو حوكم الحكم العثماني بمحدّدات هذا المفهوم، لتبين لنا، من دون كبير فهم وتأمل، تهافت هذا التوصيف من الوهلة الأولى. ولم يقف وصم حكم الدولة العثمانية بكونه استعماراً عند حدود الوصف المدرسي، فهو امتد إلى قاموس فئاتٍ كثيرةٍ من المثقفين اليساريين والعلمانيين خصوصاً، وانسحب، بالطبع، على موقفهم من الدور الإقليمي لتركيا الحديثة، باعتباره إعادة إنتاج لما يسمونه "الاستعمار التركي"، ويلتقي هؤلاء مع حزمةٍ من الدول والقوى التي ترى في انتعاش المشروع التركي الحديث تهديداً لنفوذها، وإحياء للمشروع الإسلامي بمفهومه الحضاري الشامل، كون تركيا تحمل، في أعماقها، هوية إسلامية سنية، تتماهى مع تطلعات (وأشواق) الملايين من أبناء الأمة الإسلامية التي تتطلع إلى الخلاص من بقايا "الاستعمار" بمفهومه الحقيقي، لا بمفهومه المزيف الذي يُدرج الحكم العثماني تحت عباءته.
3
وللحقيقة والتاريخ، لم تكن صورة الحكم العثماني صورةً نموذجية، فقد شابتها مساوئ كبيرة، تسببت في وقوع مظالم كبيرة، ليس على الشعوب التي حكمتها الإمبراطورية العثمانية فقط، بل كانت سبباً في تفكّكها وسقوطها أيضا، وكي نستطيع أن نحكم، بشكل منطقي، على حقبة الخلافة العثمانية، يتعين علينا أن ننظر بعينين، ترى الأولى، مثلا، أن من أهم مآثر هذا الحكم، وفق ما رصد الباحثون المنصفون:
توسعة مساحة الأرض الإسلامية: يكفي أنها فتحت القسطنطينية، ونتذكّر هنا حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) "لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش". وقد تقدّمت في أوروبا، حتى أنها وصلت إلى النمسا وحاصرتها أكثر من مرة، كما أنها استولت على كل جزر البحر المتوسط، وجذبت لها الإسلام. الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات: فتقدّموا في أوروبا الشرقية لتخفيف ضغط هؤلاء على الأندلس، لكن الأندلس سقطت لشدة ضعفها، وأنهوا الوجود البرتغالي في بلاد المسلمين. وجدير بالذكر أن الزحف البرتغالي كان من خططه السيطرة على البحر الأحمر، واجتياح الحجاز والاستيلاء على قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن الوجود العثماني منعهم، ووقفوا في وجه الإسبان، عندما حاولوا الاستيلاء على بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس. ودعموا المسلمين ضد الروس في أواسط آسيا ومنطقة البحر الأسود.
الإمبراطورية العثمانية تواجه الصهيونية: كان حلم اليهود، منذ زمن بعيد، إقامة وطن لهم في فلسطين. وفي هذه الفترة، زاد نشاطهم، ويذكر أنهم قدّموا عروضاً خيالية مغرية للسلطان عبد الحميد الثاني، لنيل موافقته، فواجهوا الرفض بكل قوةٍ وإصرار. كما أن العثمانيين منعوا اليهود من الإقامة في منطقة سيناء في مصر.
حاربت الإمبراطورية العثمانية الدولة الصفوية، وكان المسلمون في بلاد الخليج والعراق يعانون أشد المعاناة من هذه الدولة، وطموحاتها المذهبية. عملوا على نشر الإسلام: وقد أسلمت أكثر قبائل الشركس على أيديهم، ونشروا الإسلام في البلاد التي وصلوا إليها في أوروبا وأفريقيا. دخول العثمانيين في بعض الأمصار الإسلامية حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرها. كانت تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية (تجاوزت مساحتها 20 مليون كلم2). كانت أوروبا تحارب العثمانيين على أنهم مسلمون، لا بصفتهم تركاً، فدافعها كان الحقد الصليبي، وهي ترى أنهم أحيوا الجهاد الإسلامي من جديد. كانت تمثل المسلمين، فهي مركز الخلافة، ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين. لذا، هو رمز للمسلمين، وينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال واحترام.
وفي العين الثانية، نرى أن مساوئ حقبة الحكم العثماني لم تكن قليلة أيضا، وهي تتركّز فيما يلي، وفق ما اتفق عليه باحثون منصفون:
في قمة السيئات، نظام الحكم المطلق الذي يضع مقدّرات هذه الإمبراطورية الفسيحة في يد شخص واحد هو السلطان، وسلطانه بلا حدود. الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، فمالية الدولة فاسدة، ولا توجد ميزانية، ولا إصلاحات، والرشوة تملأ كل مكان، والحرية مفقودة، والمصادرات تهدّد كل مالك، والجواسيس منتشرون في كل مكان، بينما السلطان لا يهمه إلا هواه وشهواته. توالي السلاطين المنحرفين الطغاة على الحكم، وشهد القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) مجموعة من أشد الخلفاء استبدادًا وأعنفهم بطشًا، بدأت بمصطفى الرابع، فمحمود الثاني، فعبد المجيد الأول، فعبد العزيز، فمراد الخامس. إضعاف العرب (خوفًا من بروزهم) فعزلوهم عن الوظائف المرموقة، وأهملوهم تمامًا، فأصبح العرب، في هذه الفترة، جهلاء، مرضى، متخلفين، فقراء. إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث الشريف، وهما المصدر الأساسي للتشريع، والمحتوى الثقافي والحضاري للأمة. عدم الوعي الإسلامي الصحيح لديهم، وعدم فهم الإسلام على أنه منهج حياةٍ متكامل، فكان كثيرون منهم لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات. كانوا يحرصون على تغيير الولاة باستمرار، خصوصاً في أواخر عهدهم، خوفًا من استقلالهم بولاياتهم. وهذا يؤدي إلى عدم معرفة الوالي الجديد بالمنطقة، وبالتالي، يؤدي إلى الضعف والتأخر.
عرف لدى بعض السلاطين قتل إخوتهم خوفاً من المنافسة. سار العثمانيون على الحكم الوراثي، كالأمويين والعباسيين، فكان ملكهم عضوداً، لا خلافة راشدة. أعطوا العسكريين أكثر من حقهم، ما دعاهم إلى التسلط والتدخل في شؤون الحكم، حتى أفسدوا وطغوا. كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخراج، ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعادات، فالحرص على نشر الإسلام وتطوير المجتمعات لم يكن بالقدر المطلوب.
4
لم تكن الدولة العثمانية استعماراً في أي حال، وكما كان لها مساوئ كان لها إنجازات، وقد ذهبت بهذا كله، وحينما يدور الحديث عن "العثمانية الجديدة"، وإحياء المشروع التركي الجديد، يستدعي بعضهم مساوئ الأتراك فقط، ويترك محاسنهم، وينسى من يؤيد هؤلاء أو يعارضهم أن التاريخ لا يعيد نفسه، فـ "الخلافة" العثمانية ذهبت إلى غير رجعة، لكن خوف بعضهم يتركّز من العام 2023، وهو العام الذي تتحلل فيه الجمهورية التركية من كل التزاماتها العلنية والسرية، الواردة في صكوك هزيمة "دولة الخلافة العثمانية" التي وقعتها مع المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وتلك قصة أخرى.
حسب "ويكيبيديا"، الاستعمار ظاهرةٌ تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي، بالتالي، نهب وسلب معظم ثروات البلاد المستعمرة، فضلاً عن تحطيم كرامة شعوب تلك البلاد، وتدمير تراثها الحضاري والثقافي، وفرض ثقافة الاستعمار على أنها الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمرة إلى مرحلة الحضارة. الاستعمار إخضاع جماعةٍ من الناس لحكم أجنبي، ويسمى سكان البلاد المستعمَرين، وتسمى الأراضي الواقعة تحت الاحتلال البلاد المستعمرة. ومعظم المستعمرات مفصولةٌ عن الدولة المستعمِرة (بكسر الميم الثانية) ببحار ومحيطات. وغالباً ما ترسل الدولة الأجنبية سكاناً للعيش في المستعمرات، وحكمها واستغلالها مصادر للثروة. وهذا ما يجعل حكام المستعمرات منفصلين عرقياً عن المحكومين. وتاريخياً، وفي المعنى الاصطلاحي، هو مصطلح يشير إلى ظاهرة سياسية اجتماعية وثقافية، تشمل إقامة مستوطناتٍ أوروبية خارج أوروبا منذ القرن الخامس عشر، واستيلاء الدول الأوروبية، سياسياً واقتصادياً على مناطق واسعة في جميع القارات الأخرى، بما في ذلك إخضاع الشعوب القاطنة فيها لحكم الدول الأوروبية، واستغلال كنوزها الطبيعية وعمل السكان المحليين لصالح الدول الأوروبية.
2
حسب مناهجنا الدراسية، سُمي حكم الدولة العثمانية لبلادنا العربية استعماراً، شأن الاستعمارين البريطاني والفرنسي، ولو حوكم الحكم العثماني بمحدّدات هذا المفهوم، لتبين لنا، من دون كبير فهم وتأمل، تهافت هذا التوصيف من الوهلة الأولى. ولم يقف وصم حكم الدولة العثمانية بكونه استعماراً عند حدود الوصف المدرسي، فهو امتد إلى قاموس فئاتٍ كثيرةٍ من المثقفين اليساريين والعلمانيين خصوصاً، وانسحب، بالطبع، على موقفهم من الدور الإقليمي لتركيا الحديثة، باعتباره إعادة إنتاج لما يسمونه "الاستعمار التركي"، ويلتقي هؤلاء مع حزمةٍ من الدول والقوى التي ترى في انتعاش المشروع التركي الحديث تهديداً لنفوذها، وإحياء للمشروع الإسلامي بمفهومه الحضاري الشامل، كون تركيا تحمل، في أعماقها، هوية إسلامية سنية، تتماهى مع تطلعات (وأشواق) الملايين من أبناء الأمة الإسلامية التي تتطلع إلى الخلاص من بقايا "الاستعمار" بمفهومه الحقيقي، لا بمفهومه المزيف الذي يُدرج الحكم العثماني تحت عباءته.
3
وللحقيقة والتاريخ، لم تكن صورة الحكم العثماني صورةً نموذجية، فقد شابتها مساوئ كبيرة، تسببت في وقوع مظالم كبيرة، ليس على الشعوب التي حكمتها الإمبراطورية العثمانية فقط، بل كانت سبباً في تفكّكها وسقوطها أيضا، وكي نستطيع أن نحكم، بشكل منطقي، على حقبة الخلافة العثمانية، يتعين علينا أن ننظر بعينين، ترى الأولى، مثلا، أن من أهم مآثر هذا الحكم، وفق ما رصد الباحثون المنصفون:
توسعة مساحة الأرض الإسلامية: يكفي أنها فتحت القسطنطينية، ونتذكّر هنا حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) "لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش". وقد تقدّمت في أوروبا، حتى أنها وصلت إلى النمسا وحاصرتها أكثر من مرة، كما أنها استولت على كل جزر البحر المتوسط، وجذبت لها الإسلام. الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات: فتقدّموا في أوروبا الشرقية لتخفيف ضغط هؤلاء على الأندلس، لكن الأندلس سقطت لشدة ضعفها، وأنهوا الوجود البرتغالي في بلاد المسلمين. وجدير بالذكر أن الزحف البرتغالي كان من خططه السيطرة على البحر الأحمر، واجتياح الحجاز والاستيلاء على قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن الوجود العثماني منعهم، ووقفوا في وجه الإسبان، عندما حاولوا الاستيلاء على بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس. ودعموا المسلمين ضد الروس في أواسط آسيا ومنطقة البحر الأسود.
الإمبراطورية العثمانية تواجه الصهيونية: كان حلم اليهود، منذ زمن بعيد، إقامة وطن لهم في فلسطين. وفي هذه الفترة، زاد نشاطهم، ويذكر أنهم قدّموا عروضاً خيالية مغرية للسلطان عبد الحميد الثاني، لنيل موافقته، فواجهوا الرفض بكل قوةٍ وإصرار. كما أن العثمانيين منعوا اليهود من الإقامة في منطقة سيناء في مصر.
حاربت الإمبراطورية العثمانية الدولة الصفوية، وكان المسلمون في بلاد الخليج والعراق يعانون أشد المعاناة من هذه الدولة، وطموحاتها المذهبية. عملوا على نشر الإسلام: وقد أسلمت أكثر قبائل الشركس على أيديهم، ونشروا الإسلام في البلاد التي وصلوا إليها في أوروبا وأفريقيا. دخول العثمانيين في بعض الأمصار الإسلامية حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرها. كانت تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية (تجاوزت مساحتها 20 مليون كلم2). كانت أوروبا تحارب العثمانيين على أنهم مسلمون، لا بصفتهم تركاً، فدافعها كان الحقد الصليبي، وهي ترى أنهم أحيوا الجهاد الإسلامي من جديد. كانت تمثل المسلمين، فهي مركز الخلافة، ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين. لذا، هو رمز للمسلمين، وينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال واحترام.
وفي العين الثانية، نرى أن مساوئ حقبة الحكم العثماني لم تكن قليلة أيضا، وهي تتركّز فيما يلي، وفق ما اتفق عليه باحثون منصفون:
في قمة السيئات، نظام الحكم المطلق الذي يضع مقدّرات هذه الإمبراطورية الفسيحة في يد شخص واحد هو السلطان، وسلطانه بلا حدود. الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، فمالية الدولة فاسدة، ولا توجد ميزانية، ولا إصلاحات، والرشوة تملأ كل مكان، والحرية مفقودة، والمصادرات تهدّد كل مالك، والجواسيس منتشرون في كل مكان، بينما السلطان لا يهمه إلا هواه وشهواته. توالي السلاطين المنحرفين الطغاة على الحكم، وشهد القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) مجموعة من أشد الخلفاء استبدادًا وأعنفهم بطشًا، بدأت بمصطفى الرابع، فمحمود الثاني، فعبد المجيد الأول، فعبد العزيز، فمراد الخامس. إضعاف العرب (خوفًا من بروزهم) فعزلوهم عن الوظائف المرموقة، وأهملوهم تمامًا، فأصبح العرب، في هذه الفترة، جهلاء، مرضى، متخلفين، فقراء. إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث الشريف، وهما المصدر الأساسي للتشريع، والمحتوى الثقافي والحضاري للأمة. عدم الوعي الإسلامي الصحيح لديهم، وعدم فهم الإسلام على أنه منهج حياةٍ متكامل، فكان كثيرون منهم لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات. كانوا يحرصون على تغيير الولاة باستمرار، خصوصاً في أواخر عهدهم، خوفًا من استقلالهم بولاياتهم. وهذا يؤدي إلى عدم معرفة الوالي الجديد بالمنطقة، وبالتالي، يؤدي إلى الضعف والتأخر.
عرف لدى بعض السلاطين قتل إخوتهم خوفاً من المنافسة. سار العثمانيون على الحكم الوراثي، كالأمويين والعباسيين، فكان ملكهم عضوداً، لا خلافة راشدة. أعطوا العسكريين أكثر من حقهم، ما دعاهم إلى التسلط والتدخل في شؤون الحكم، حتى أفسدوا وطغوا. كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخراج، ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعادات، فالحرص على نشر الإسلام وتطوير المجتمعات لم يكن بالقدر المطلوب.
4
لم تكن الدولة العثمانية استعماراً في أي حال، وكما كان لها مساوئ كان لها إنجازات، وقد ذهبت بهذا كله، وحينما يدور الحديث عن "العثمانية الجديدة"، وإحياء المشروع التركي الجديد، يستدعي بعضهم مساوئ الأتراك فقط، ويترك محاسنهم، وينسى من يؤيد هؤلاء أو يعارضهم أن التاريخ لا يعيد نفسه، فـ "الخلافة" العثمانية ذهبت إلى غير رجعة، لكن خوف بعضهم يتركّز من العام 2023، وهو العام الذي تتحلل فيه الجمهورية التركية من كل التزاماتها العلنية والسرية، الواردة في صكوك هزيمة "دولة الخلافة العثمانية" التي وقعتها مع المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وتلك قصة أخرى.