06 نوفمبر 2024
هل نحن أمام إرهاصات "ربيع عربي" جديد؟
منذ فترة غير قصيرة، يعيش السودان والجزائر على وتيرة احتجاجاتٍ شعبيةٍ تتسع رقعتها يوماً بعد يوم، ويرتفع سقف مطالبهما الذي أصبح يدعو إلى إسقاط النظامين في الخرطوم والجزائر العاصمة. وهناك من المراقبين من بات يرى في ما يحدث في أكبر دولتين عربيتين من حيث المساحة، وأكبر دولتين عربيتين من حيث عدد السكان بعد مصر، إرهاصاتٍ لموجة جديدة من الثورات الشعبية، التي بدأت رياحها تهبّ في المنطقة العربية قد لا تقلّ قوتها عن التي شهدتها دول عربية قبل ثماني سنوات إبّان فترة ما سمي "الربيع العربي". وما يدفع إلى هذا القول هو الزخم الشعبي لهذه الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من شهرين في السودان، التي بدأت تأخذ منحىً تصاعدياً منذ أسابيع في الجزائر.
ثمّة نقاط التقاء وتشابه كثيرة بين ما يحدث في البلدين، فالسودان مثل الجزائر، كانا من بين الدول العربية القليلة التي نجا نظاماهما من موجات "الربيع العربي" عام 2011، إذ نجح السودان في احتواء التظاهرات التي خرجت إلى الشارع، وقمعها بسرعة قبل أن تتطوّر إلى ثورة شعبية عارمة. وفي الجزائر، سارعت الدولة إلى شراء صمت الشارع بفضل عائدات النفط والغاز، التي كانت تختنق بها خزينتها. وفي كلا البلدين، توجد حياة سياسية حقيقية، تتمثل في وجود أحزابٍ قويةٍ وتاريخية، ومجتمعٍ مدني حيوي، ونقابات عمالية، وصحافة حرّة وناقدة، ومستوى عال من الوعي السياسي لدى الشعبين اللذين قادا عدة ثورات وانتفاضات ضد الاستعمار والظلم والاستبداد في مناسبات كثيرة.
وفي المقابل، يوجد في كلا البلدين أقدم وأقوى نظامين استبداديين في المنطقة العربية يحكمان
بلديهما فترةً ناهزت ثلاثة عقود في السودان، وتتجاوز العقدين في الجزائر، وذلك على الرغم من أن رئيس الدولة في كل منهما أصبح فاقداً أهلية قيادتها، ففي السودان يوجد الرئيس عمر البشير منذ عام 2008، على قائمة المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بالتورّط في "أعمال إبادة جماعية" في دارفور. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت تحركاته خارج بلاده محدودة، ولا يمكنه حتى اليوم زيارة أي بلد غربي. أما في الجزائر، فأصبح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أصيب بجلطة دماغية عام 2013 عاجزاً عن الحركة، ولم يخاطب شعبه منذ أكثر من ست سنوات، وفي الوقت الذي يتم ترشيحه لولاية خامسة يرقد في مكان ما على سرير في أحد مستشفيات سويسرا.
وعلى المستوى الاقتصادي، يعيش البلدان أزمة اقتصادية بنيوية مستمرة، بسبب عدم تنوع مصادر الدخل فيهما التي ظلت عدة عقود تعتمد على واردات النفط والغاز، مع أن البلدين يضمّان أكبر الأراضي الصالحة للفلاحة في المنطقة العربية، فبعد تقسيم السودان أصبحت المناطق المنتجة للنفط توجد في الدولة المنفصلة عنه، وهو ما حرم الخرطوم من أهم موارد خزينتها المالية. وفي الجزائر، أدّى تقلب أسعار النفط والغاز، اللذين يمثلان أهم مورد للدخل في البلاد من العملة الصعبة، إلى حالة اختناقٍ اقتصادي. ولا غرو أن الأزمة الاقتصادية في البلدين، هي التي دفعت الشارع فيهما إلى التحرّك والخروج في تظاهراتٍ رفعت في البداية مطالب اجتماعية، قبل أن تتحول إلى شعارات سياسية، تطالب بإسقاط النظامين في الخرطوم والجزائر.
نحن على مشارف تحولاتٍ كبيرة في السودان، كما في الجزائر، فعلى الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنها عمر البشير، عاد المتظاهرون إلى الخروج إلى الشارع، وفيما يقوى موقف المتظاهرين يوماً بعد يوم، يضعف موقف البشير الذي لجأ إلى العسكر، لتعزيز سلطته المتهاوية. وفي الجزائر، لم تنفع رسالة وعود بوتفليقة بتغيير النظام بعد إعادة انتخابه لولاية خامسة في طمأنة الشارع الغاضب. ولكن يجب توقع كل شيء من النظامين في السودان والجزائر، فكلاهما صاحب سجل سيئ في احترام حقوق الإنسان، ولهما تاريخ طويل في قمع الانتفاضات الشعبية التي شهدها البلدان. وعدا عن ذلك، فبنية النظامين ما زالت قوية، على الرغم من ضعف الرئيسين، البشير وبوتفليقة، لأن من يحكم حقيقة في الخرطوم والجزائر العاصمة هما المؤسستان العسكريتان في البلدين، مدعومتين بأنظمة مخابراتية قوية، تتحكم في كل أجهزة الدولة ودواليب الاقتصاد والأعمال فيها، وتخترق الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وتراقب المجتمع المدني، وتتحكّم في الإعلام.
وفي المقابل، ما أدى إلى سقوط أنظمة قوية، قبلهما في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية،
هي أخطاء الأنظمة نفسها التي قضت بقراراتها الطائشة في لحظة يأسٍ كامل على نفسها، وما نشهده اليوم في السودان، كما في الجزائر من حالة تخبطٍ في القرارات، هو تكرار للسيناريو الكلاسيكي لأخطاء الدكتاتوريات العربية، التي أسقطها الربيع العربي في لحظة يأسٍ تشبّث أصحابها بالسلطة؛ ففي السودان، انتصرت التظاهرات على حالة الطوارئ التي فرضها النظام عاماً كاملاً. وفي الجزائر، انتصر الشعب على حالة الخوف التي ظلت تسكنه منذ ما سميت "العشرية السوداء"، التي عرفتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي. وحتى الآن، لا يبدو في الأفق أن غضب الشارعين السوداني والجزائري سيهدأ. كان يقال إن الأنظمة الدكتاتورية التي صمدت أمام رياح "الربيع العربي" تعلّمت من شعوبها كيف تحافظ على تماسكها، وضمان استمرارها. ويبدو اليوم، من التظاهرات التي تخرج في شوارع مدن السودان والجزائر، رافعة شعار السلمية والاستقلالية، أن الشعوب أيضاً تعلمت من تاريخ قمع أنظمتها لها، وأيضاً من الثورات المضادّة التي سرقت ثوراتها عام 2011.
يقدّم النظامان في كل من السودان والجزائر حالة من الاستعارة، التي يمكن أن نصف بها النظام الرسمي العربي اليوم، فهو نظامٌ مريضٌ مقعد عاجز عن الحركة. وفي الوقت نفسه، مطلوب من العدالة بعد سنوات طويلة من اللامحاسبة والإفلات من العقاب. وبعد ثماني سنواتٍ من صمود هذا النظام، يبدو اليوم أن الشعوب المكتوية بقمعه لم يعد لها ما تخسره سوى السلاسل الذي ظل يكبّلها بها، وهو ما قد يفتح الباب أمام موجةٍ جديدةٍ من الثورات، التي بدأت تظهر بعض إرهاصاتها في السودان والجزائر، فظروف الاضطرابات الكبرى، المتمثلة في الاستبداد والفساد وغياب العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، ما زالت قائمة في أكثر من بلد عربي، إن لم تكن قد زادت سوءاً أكثر مما كانت عليه قبل ثماني سنوات، فهي التي دفعت الشارع إلى التحرّك في السودان والجزائر، ولو نجحت فيهما، فإن تداعياتها ستتجاوز حدودهما لا محالة.
ثمّة نقاط التقاء وتشابه كثيرة بين ما يحدث في البلدين، فالسودان مثل الجزائر، كانا من بين الدول العربية القليلة التي نجا نظاماهما من موجات "الربيع العربي" عام 2011، إذ نجح السودان في احتواء التظاهرات التي خرجت إلى الشارع، وقمعها بسرعة قبل أن تتطوّر إلى ثورة شعبية عارمة. وفي الجزائر، سارعت الدولة إلى شراء صمت الشارع بفضل عائدات النفط والغاز، التي كانت تختنق بها خزينتها. وفي كلا البلدين، توجد حياة سياسية حقيقية، تتمثل في وجود أحزابٍ قويةٍ وتاريخية، ومجتمعٍ مدني حيوي، ونقابات عمالية، وصحافة حرّة وناقدة، ومستوى عال من الوعي السياسي لدى الشعبين اللذين قادا عدة ثورات وانتفاضات ضد الاستعمار والظلم والاستبداد في مناسبات كثيرة.
وفي المقابل، يوجد في كلا البلدين أقدم وأقوى نظامين استبداديين في المنطقة العربية يحكمان
وعلى المستوى الاقتصادي، يعيش البلدان أزمة اقتصادية بنيوية مستمرة، بسبب عدم تنوع مصادر الدخل فيهما التي ظلت عدة عقود تعتمد على واردات النفط والغاز، مع أن البلدين يضمّان أكبر الأراضي الصالحة للفلاحة في المنطقة العربية، فبعد تقسيم السودان أصبحت المناطق المنتجة للنفط توجد في الدولة المنفصلة عنه، وهو ما حرم الخرطوم من أهم موارد خزينتها المالية. وفي الجزائر، أدّى تقلب أسعار النفط والغاز، اللذين يمثلان أهم مورد للدخل في البلاد من العملة الصعبة، إلى حالة اختناقٍ اقتصادي. ولا غرو أن الأزمة الاقتصادية في البلدين، هي التي دفعت الشارع فيهما إلى التحرّك والخروج في تظاهراتٍ رفعت في البداية مطالب اجتماعية، قبل أن تتحول إلى شعارات سياسية، تطالب بإسقاط النظامين في الخرطوم والجزائر.
نحن على مشارف تحولاتٍ كبيرة في السودان، كما في الجزائر، فعلى الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنها عمر البشير، عاد المتظاهرون إلى الخروج إلى الشارع، وفيما يقوى موقف المتظاهرين يوماً بعد يوم، يضعف موقف البشير الذي لجأ إلى العسكر، لتعزيز سلطته المتهاوية. وفي الجزائر، لم تنفع رسالة وعود بوتفليقة بتغيير النظام بعد إعادة انتخابه لولاية خامسة في طمأنة الشارع الغاضب. ولكن يجب توقع كل شيء من النظامين في السودان والجزائر، فكلاهما صاحب سجل سيئ في احترام حقوق الإنسان، ولهما تاريخ طويل في قمع الانتفاضات الشعبية التي شهدها البلدان. وعدا عن ذلك، فبنية النظامين ما زالت قوية، على الرغم من ضعف الرئيسين، البشير وبوتفليقة، لأن من يحكم حقيقة في الخرطوم والجزائر العاصمة هما المؤسستان العسكريتان في البلدين، مدعومتين بأنظمة مخابراتية قوية، تتحكم في كل أجهزة الدولة ودواليب الاقتصاد والأعمال فيها، وتخترق الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وتراقب المجتمع المدني، وتتحكّم في الإعلام.
وفي المقابل، ما أدى إلى سقوط أنظمة قوية، قبلهما في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية،
يقدّم النظامان في كل من السودان والجزائر حالة من الاستعارة، التي يمكن أن نصف بها النظام الرسمي العربي اليوم، فهو نظامٌ مريضٌ مقعد عاجز عن الحركة. وفي الوقت نفسه، مطلوب من العدالة بعد سنوات طويلة من اللامحاسبة والإفلات من العقاب. وبعد ثماني سنواتٍ من صمود هذا النظام، يبدو اليوم أن الشعوب المكتوية بقمعه لم يعد لها ما تخسره سوى السلاسل الذي ظل يكبّلها بها، وهو ما قد يفتح الباب أمام موجةٍ جديدةٍ من الثورات، التي بدأت تظهر بعض إرهاصاتها في السودان والجزائر، فظروف الاضطرابات الكبرى، المتمثلة في الاستبداد والفساد وغياب العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، ما زالت قائمة في أكثر من بلد عربي، إن لم تكن قد زادت سوءاً أكثر مما كانت عليه قبل ثماني سنوات، فهي التي دفعت الشارع إلى التحرّك في السودان والجزائر، ولو نجحت فيهما، فإن تداعياتها ستتجاوز حدودهما لا محالة.