08 يناير 2018
هل وعد الله بني إسرائيل بأرض فلسطين؟!
كان بيان رئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس الأربعاء 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، بتنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ضربة قاسية لجميع العرب، وإن لم تكن مفاجئة.
يدّعي الإسرائيليون أن القدس هي عاصمتهم الأبدية، وأن ما يُعرف بأرض فلسطين هي أرض كتبها الله لهم، ولا مجال للتشكيك في ذلك، فهو مسطور في التوراة، بل وفي آيات القرآن أيضًا. فما هي حقيقة تلك المزاعم؟
في موضع واحد من كتاب الله ذكر الله تعالى أنه كتب الأرض المقدسة لبني إسرائيل. ففي سورة المائدة، يقول الله تعالى قاصًا علينا حوارًا بين الرب سبحانه وتعالى وموسى عليه السلام وبني إسرائيل: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم ملُوكًا وَآتَاكُم ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا من الْعَالَمِين يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن ندْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مؤْمِنِين قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا ما دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين﴾ [المائدة 20: 26].
والحوار القرآني يوضح لنا أنهم خالفوا أمره تعالى ولم يمتثلوا لنبيهم موسى عليه السلام بالعودة إلى الأرض المقدسة "أرض فلسطين"، التي كانوا يسكنونها زمن أبيهم يعقوب عليه السلام قبل أن يتركوها ويدخلوا مصر زمن يوسف عليه السلام، وحل محلهم فيها العمالقة.
ورغم أن موسى عليه السلام حذرهم من تبعات عصيان أمر الله تعالى وأنهم إن لم يفعلوا ما أمر الله به سينقلبون خاسرين، فقد تجاسروا على الله تعالى وكليمه عليه السلام، فما كان منه تعالى إلا أن عاقبهم بالتيه أربعين سنة، حتى مات آخر هؤلاء العُصاة، ونشأ من بعدهم جيل آخر دخل أرض فلسطين على يد يوشع بن نون، الذي خلف بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وبعد مدة بعث الله لهم طالوت ملكًا، الذي حارب والمؤمنون معه العماليق بقيادة جالوت، ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: 251]. وتكونت مملكة بني إسرائيل في بلاد الشام كلها، وليس فقط في غربها "أرض فلسطين"، على يد نبي الله داود.
جاء في سورة الأعراف وصفًا لحال بني إسرائيل بعد أن بُعث فيهم النبي الملك داود. يقول تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: 137].
قال الإمام الطبري في تفسير الآية: "يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيرًا واستعبادًا من بني إسرائيل مشارق الأرض الشام، وذلك ما يلي الشرق منها، ﴿وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتًا دائمًا لأهلها. وإنما قال جل ثناؤه: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة".
الملحوظ هنا تغير الصياغة التعبيرية بين دعوة موسى الأولى لهم لدخول الأرض المقدسة، بقوله تعالى: ﴿كَتَبَ﴾، وتقرير حالهم بعد عقوبتهم ثم مبعث داود بقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾. فما الفرق بين "كتب" و "أورث"؟
كتب في العربية أصلها من كتب البعير أي قيّده، ثم استخدمت الدلالة المعنوية للكلمة وغلبت على الدلالة الحسية، حتى لم يعد يعرف الدلالة الحسية للكلمة إلا قليل. وفي "المصباح المنير" كتب أي حكم وقضى وأوجب.
و(كتب) تُستخدم لتقرير أبدية الحكم ما لم يُنسخ، فنجد الأحكام القرآنية تستهل عند تقريرها بـ ﴿كُتِبَ﴾، مثل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] و ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقصَاصُ﴾ [البقرة: 178] و ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: 216]. والله تعالى يخبر عن نفسه ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: 54].
فأي تقرير يبدأ بـ﴿كَتَبَ﴾ أو ﴿كُتِبَ﴾ فهو حكم أبدي ما لم يُنسخ، كآية الوصية ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين﴾ [البقرة: 180]، والتي يكاد يجمع العلماء على أنها نُسخت بآيات المواريث.
وكذا الحال في ما يخص حكم الأرض المقدسة بالنسبة لبني إسرائيل، فقد نُسخ حكم كتابتها لهم، والنصوص القرآنية تؤكد أنهم انقلبوا خاسرين، عقابًا على عدم امتثالهم لأمر الله وأمر نبيهم موسى، وأنه حتى بعد أن نشأ منهم جيل آخر استجاب وحارب العماليق، فقد وهبهم الله تعالى كامل أرض الشام وليس غربها المقدس فقط، ولكنها كانت ميراثًا، والميراث يدور بين الناس، ولا يبقى حكمًا أبديًا لأحد.
فلِم الاستمرار في الكذب على العالمين يا بني إسرائيل؟! فهذا ما جناه آباؤكم عليكم بعصيانهم، ولم تجف أرجلهم من ماء البحر بعد!
يدّعي الإسرائيليون أن القدس هي عاصمتهم الأبدية، وأن ما يُعرف بأرض فلسطين هي أرض كتبها الله لهم، ولا مجال للتشكيك في ذلك، فهو مسطور في التوراة، بل وفي آيات القرآن أيضًا. فما هي حقيقة تلك المزاعم؟
في موضع واحد من كتاب الله ذكر الله تعالى أنه كتب الأرض المقدسة لبني إسرائيل. ففي سورة المائدة، يقول الله تعالى قاصًا علينا حوارًا بين الرب سبحانه وتعالى وموسى عليه السلام وبني إسرائيل: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم ملُوكًا وَآتَاكُم ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا من الْعَالَمِين يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن ندْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مؤْمِنِين قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا ما دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين﴾ [المائدة 20: 26].
والحوار القرآني يوضح لنا أنهم خالفوا أمره تعالى ولم يمتثلوا لنبيهم موسى عليه السلام بالعودة إلى الأرض المقدسة "أرض فلسطين"، التي كانوا يسكنونها زمن أبيهم يعقوب عليه السلام قبل أن يتركوها ويدخلوا مصر زمن يوسف عليه السلام، وحل محلهم فيها العمالقة.
ورغم أن موسى عليه السلام حذرهم من تبعات عصيان أمر الله تعالى وأنهم إن لم يفعلوا ما أمر الله به سينقلبون خاسرين، فقد تجاسروا على الله تعالى وكليمه عليه السلام، فما كان منه تعالى إلا أن عاقبهم بالتيه أربعين سنة، حتى مات آخر هؤلاء العُصاة، ونشأ من بعدهم جيل آخر دخل أرض فلسطين على يد يوشع بن نون، الذي خلف بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وبعد مدة بعث الله لهم طالوت ملكًا، الذي حارب والمؤمنون معه العماليق بقيادة جالوت، ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: 251]. وتكونت مملكة بني إسرائيل في بلاد الشام كلها، وليس فقط في غربها "أرض فلسطين"، على يد نبي الله داود.
جاء في سورة الأعراف وصفًا لحال بني إسرائيل بعد أن بُعث فيهم النبي الملك داود. يقول تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: 137].
قال الإمام الطبري في تفسير الآية: "يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيرًا واستعبادًا من بني إسرائيل مشارق الأرض الشام، وذلك ما يلي الشرق منها، ﴿وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتًا دائمًا لأهلها. وإنما قال جل ثناؤه: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة".
الملحوظ هنا تغير الصياغة التعبيرية بين دعوة موسى الأولى لهم لدخول الأرض المقدسة، بقوله تعالى: ﴿كَتَبَ﴾، وتقرير حالهم بعد عقوبتهم ثم مبعث داود بقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾. فما الفرق بين "كتب" و "أورث"؟
كتب في العربية أصلها من كتب البعير أي قيّده، ثم استخدمت الدلالة المعنوية للكلمة وغلبت على الدلالة الحسية، حتى لم يعد يعرف الدلالة الحسية للكلمة إلا قليل. وفي "المصباح المنير" كتب أي حكم وقضى وأوجب.
و(كتب) تُستخدم لتقرير أبدية الحكم ما لم يُنسخ، فنجد الأحكام القرآنية تستهل عند تقريرها بـ ﴿كُتِبَ﴾، مثل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] و ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقصَاصُ﴾ [البقرة: 178] و ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: 216]. والله تعالى يخبر عن نفسه ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: 54].
فأي تقرير يبدأ بـ﴿كَتَبَ﴾ أو ﴿كُتِبَ﴾ فهو حكم أبدي ما لم يُنسخ، كآية الوصية ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين﴾ [البقرة: 180]، والتي يكاد يجمع العلماء على أنها نُسخت بآيات المواريث.
وكذا الحال في ما يخص حكم الأرض المقدسة بالنسبة لبني إسرائيل، فقد نُسخ حكم كتابتها لهم، والنصوص القرآنية تؤكد أنهم انقلبوا خاسرين، عقابًا على عدم امتثالهم لأمر الله وأمر نبيهم موسى، وأنه حتى بعد أن نشأ منهم جيل آخر استجاب وحارب العماليق، فقد وهبهم الله تعالى كامل أرض الشام وليس غربها المقدس فقط، ولكنها كانت ميراثًا، والميراث يدور بين الناس، ولا يبقى حكمًا أبديًا لأحد.
فلِم الاستمرار في الكذب على العالمين يا بني إسرائيل؟! فهذا ما جناه آباؤكم عليكم بعصيانهم، ولم تجف أرجلهم من ماء البحر بعد!