هل يتجه المغرب نحو حكومة وحدة وطنية بسبب كورونا؟

19 ابريل 2020
تعمل الحكومة المغربية على محاصرة تداعيات كورونا(فاصل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

في وقتٍ تسابق فيه حكومة سعد الدين العثماني في المغرب الزمن من أجل محاصرة تداعيات انتشار فيروس كورونا، أثارت دعوة قيادة حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المغربي، المشارك في الائتلاف الحكومي، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للوباء، جدلاً ونقاشاً في المغرب.

وبشكل لافت، اختار الأمين العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي"، إدريس لشكر، الزمن السياسي الحالي المتسم بالإجماع على تثمين سياسة الحكومة، حتى من قبل أشرس معارضيها، للرمي بحجر ثقيل في بركة الائتلاف الحكومي الحالي، بعد أن اقترح إمكانية إنهاء حكومة العثماني والتحوّل نحو حكومة وحدة وطنية، معتبراً أنّ "المغرب في حالة حرب تتطلّب وحدة وطنية".

وفيما طفت خلال الأيام الماضية أسئلة عن مآرب زعيم الاتحاديين من دعوته إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، تدير المرحلة السياسية الراهنة في المغرب في ظلّ الأزمة التي خلقها انتشار فيروس كورونا، دخل على خطّ النقاشات السياسية الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض، عبد اللطيف وهبي، معتبراً أنّ الوضع الآن في المغرب لا يحتاج إلى حلّ الحكومة الحالية وتشكيل "حكومة وحدة وطنية" لإدارة أزمة وباء كورونا.

وبينما اعتبر وهبي أنّ الداعين إلى تشكيل تلك الحكومة، بذريعة مواجهة تداعيات جائحة كورونا، يهدفون إلى "قلب (إطاحة) حكومة سعد الدين العثماني"، وإقالة رئيسها، كان لافتاً تأكيده أنّ موقفه سيتغير إذا ما تقرّر تأجيل انتخابات 2021. وقال: "إذا اقتضى الأمر تأخير الانتخابات، آنذاك سنقول إنه لا يجوز لهذه الحكومة أن تسير إلى ما بعد 2021 لأنها تفتقر إلى المشروعية الانتخابية التي كانت لديها سابقاً. وبناء عليه، يمكن الحديث آنذاك عن تشكيل حكومة وطنية، وسنرى في حدود ماذا".

وفيما يبدو واضحاً أنّ الزعيمين الحزبيين يتفقان على الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية وإن اختلفا في توقيت الإعلان عنها، وصف أستاذ القانون الدستوري، في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، النقاش الذي أثاره لشكر ووهبي بـ"المغلوط الذي يكشف حجم الإفلاس السياسي للقيادات الحزبية التي تتمادى في إطلاق العنان لأفكارها الشعبوية"، معتبراً، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية أمر "لا يستند إلى أي أساس في النسق الدستوري المغربي، وإنما يكشف عن انتهازية سياسية مرفوضة، نتيجة تغليب المصالح الشخصية الذاتية".

وعبّر لزرق عن اعتقاده بأنّ تلك الدعوة "هي محاولة لتوريط أكبر عدد ممكن من الأطراف السياسية، سواء قبلت المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية المزعومة أو رفضت ذلك، إذ إنّ الرفض في حدّ ذاته سينظر إليه كهروب من تحمّل مسؤولية إنقاذ البلاد". وتابع: "إذا كانت الغاية من حكومة الوحدة الوطنية هي تحقيق قرارات سياسية تكون بإجماع كل الأطراف لمواجهة الوباء، كما يدعي لشكر ووهبي، فأخال أن الأمر واقع حالياً، بفضل الإجراءات الملكية لمواجهة الوباء، والقرارات المؤسساتية التي ضمنت السرعة والفعالية ببعد إنساني لا مثيل له، وما على الفاعل الحزبي إلا الإخلاص في أداء مهامه الدستورية حتى لا يتسبب للمغرب في الكارثة".

وبرأي أستاذ القانون الدستوري، فإنّ هذا النقاش السياسي "يؤكد عدم تحمل الأحزاب مسؤولياتها الدستورية، إذ إنها تعمل بمنطق الغنيمة السياسية حتى في زمن كورونا"، معتبراً أنّ دعوة لشكر ووهبي "تضمّنت إشارات سلبية على أنّ الوضع يسير نحو اهتزاز اجتماعي يقتضي وحدة الأحزاب من دون تقديم برنامج عملي، ما يؤكد حالة الترهل الحزبي، وعدم فهم القيادات الشعبوية لطبيعة النظام السياسي المغربي، الذي تعدّ فيه الملكية ضامنة للاستقرار".

وبحسب المتحدث عينه، فإنّ "هناك تسرعاً وتهافتاً جعل الزعيمين الحزبيين لا يستوعبا السياق السياسي والإقليمي والدولي الذي تمرّ به البلاد المحتاجة إلى التوازن وحماية الاختيار الديمقراطي الذي يناضل من أجله الملك محمد السادس"، مضيفاً: "أجزم بخطورة هذه الصيغة (حكومة وحدة وطنية) على المؤسسات والخيار الديمقراطي والمكتسبات المحققة، وإدخال البلاد في متاهات الأحزاب التي ليست لها القدرة على إبداع حلول جديدة".

وذهب لزرق إلى حدّ اعتبار حديث لشكر ووهبي وترويجهما لمثل هذه الصيغة في المغرب أنه "يحمل خطورة كبيرة تتجسد في زرع الشك في مناعة النظام السياسي، وتتمثّل كذلك في إضفاء الشرعية والمشروعية لصالح قوى لا تؤمن بالشرعية المؤسساتية باسم الثورة أو العمل خارج المؤسسات"، معتبراً أنّ "ابتداع مثل هذه الصيغ التي لا تجد سندها في الدستور المغربي مغامرة خطيرة يمكن أن تؤدي نحو المجهول".

من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، محمد زين الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الشروط الموضوعية لخلق حكومة وحدة وطنية بعد تداعيات أزمة كورونا أصبحت تفرض نفسها بإلحاح شديد، بالنظر إلى التداعيات المتعددة لهذه الأزمة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما في ظلّ مناخ دولي صعب سيؤثر على الوضعية الاقتصادية العالمية، ومناخ إقليمي يبدو أكثر صعوبة، من دون نسيان تأثيرات الجفاف على الاقتصاد المغربي".

وفي تقدير زين الدين، فإنّ هذه الوضعية ستفرض على الدولة "اتخاذ قرارات صعبة وجريئة وإجراءات استثنائية لتجاوز تبعات ومضاعفات غير مسبوقة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، ما يجعل وجود حكومة وحدة وطنية أمراً ضرورياً من أجل مواجهة الظرف الاستثنائي الصعب، وتحقيق تعبئة وطنية كبيرة حول تلك القرارات والإجراءات، وهو أمر لا يمكن تحققه مع وجود أربعة أو خمسة أحزاب في الحكومة، وإنما مع تحمّل جميع الفرقاء السياسيين للمسؤولية".

ووفق زين الدين، فإنّ "حالة الطوارئ تفرض على الحكومة الحالية الاستمرار في أدائها، خصوصاً على مستوى الملفات التي لها ارتباط وثيق بمحاربة وباء كورونا، وعدم إدخال أي تغيير جذري عليها إلى ما بعد انتهاء الأزمة، وحينها يمكن التفكير في سيناريو حكومة وحدة وطنية". ولفت إلى أنّ "تدبير الزمن السياسي بعد تراجع وباء كورونا، ومحاولة احتواء تداعيات الأخير الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وانعكاساته السلبية، يفرضان التفكير في حكومة وحدة وطنية تزخر بكفاءات لها القدرة على إدارة المرحلة بتجرد ومسؤولية، بعيداً عن المزايدات السياسية والصراعات الانتخابية"، مؤكداً أنّ "الظرفية الاستثنائية تحتم كذلك وجود حكومة تستحضر البعد الوطني وحسّ المواطنة".

المساهمون