تشهد منطقة جنوب غرب ليبيا حضوراً متنامياً لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعد عدة محاولات باءت بالفشل للسيطرة على مواقع استراتيجية وعسكرية، صدّتها الكتائب المتواجدة في المنطقة، بدعم أهلي كبير.
وتمتد المنطقة التي يسعى حفتر ومواليه للسيطرة عليها أو التواجد فيها، من منطقة الجفرة وسط الجنوب شرقاً، إلى المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية غرباً، وصولاً إلى مناطق الحدود التشادية النيجيرية جنوباً.
وشهدت المنطقة مؤخراً، اشتباكات مسلّحة في شمال سبها، وحول قاعدة تمنهنت، بالإضافة لقصف جوي من قبل طيران حفتر، على مواقع عسكرية بمنطقة الجفرة.
وتتوزع السيطرة على المنطقة بين كتائب موالية لحكومة الوفاق الوطني، ومليشيات أخرى قبلية يقودها ضباط سابقون في نظام معمر القذافي موالون لحفتر حالياً، وتستعين بمرتزقة حركات تمرّد تشادية وسودانية، تتواجد منذ فترة بصحراء ليبيا.
قوات موالية لحكومة الوفاق
وتسيطر كتائب "القوة الثالثة" المكلّفة منذ عام 2014 بتأمين الجنوب الليبي، وينحدر أغلب مقاتليها من مدينة مصراته، على قاعدة تمنهنت الجوية القريبة من سبها، بالإضافة لمواقع عسكرية هامة بمدينة سبها وحولها.
كما تسيطر "كتائب 19 / 9" و"تاقرفت"، على مواقع عسكرية بمنطقة الجفرة وقاعدتها العسكرية. وأعلنت الكتائب تبعيتها لوزارة دفاع حكومة الوفاق، بعدما شاركت ضمن قوات "البنيان المرصوص" في القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سرت، كما أنّ "سرايا الدفاع عن بنغازي" المؤلفة من ضباط وثوار بنغازي، تتواجد هي الأخرى بمنطقة الجفرة.
وفي مناطق أوباري وسبها وغيرها من مناطق الجنوب، تسيطر قوات مؤلفة من قبائل الطوارق وأولاد سليمان، الموالية بدورها لحكومة الوفاق.
وتقوم هذه القوات بمهام الإشراف على بوابات التفتيش المتنقّلة والثابتة في عرض الصحراء، وحماية الحدود، بالإضافة لمهام موكلة إليها تتمثّل بملاحقة عصابات تهريب البشر والمخدرات والسلاح، وتأمين بعض المنشآت النفطية كحقل الشرارة بمنطقة أوباري.
قوات موالية لـحفتر
من جانبها، يغلب الطابع القبلي على المليشيات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وأغلبها موالية لنظام القذافي السابق، ومن أبرزها حلف قبلي يضم القذاذفة والمقارحة والتبو. ويقود أبرز المجموعات المسلّحة والمعروفة باسم "اللواء المجحفل 12"، العقيد السابق بنظام القذافي محمد بن نائل، ويتخّذ من قاعدة براك الشاطئ الجوية في شمال سبها، مركزاً له.
وتستفيد المليشيات الموالية لحفتر، من امتداداتها القبلية في الوصول إلى مناطق أخرى في جنوب غرب ليبيا، حيث تمتلك قبائل التبو امتداداً من أجدابيا شمالاً، إلى الكفرة على الحدود مع السودان جنوباً، وإلى مناطق تراغن ومرزق والقطرون، ومنطقة الشاطئ شمال سبها، بالإضافة لتموقعات أخرى في واحات منتشرة حول منطقة الجفرة، فضلاً عن أنّ قبائل المقارحة والقذاذفة تستفيد من تواجدها في عدة مناطق، لا سيما في سرت.
وتعود موالاة غالبية المليشيات لحفتر إلى سببين رئيسيين، أبرزهما أنّ حفتر يمثّل رمزاً لعودة النظام السابق، حيث إنّ قواته في شرق ليبيا، وإثر إطلاقه "عملية الكرامة" عام 2014، تكوّنت غالبيتها من ضباط سابقين في نظام القذافي، ومقاتلين من قبائل شرق ليبيا التي ينحدر منها رموز في نظام القذافي أمثال الطيب الصافي من قبائل المنفة، ورئيس برلمان القذافي محمد الزوي من قبائل الزوية، وغيرهم.
ويعود السبب الثاني إلى انحياز خصوم هذه القبائل إلى قوات "فجر ليبيا" سابقاً، وموالاتها لحكومة الوفاق في الوقت الحالي كقبائل الطوارق التي خاضت حرباً ضروساً في منطقة أوباري، على مدار العام الماضي ضد قبائل التبو خصمها اللدود، كما أنّ قبائل أولاد سليمان المحسوبين على "ثورة فبراير" في منطقة سبها، اشتبكت عدة مرات بالسلاح مع قبائل القذاذفة.
وسبق أن استفاد حفتر في عملية سيطرته على منطقة الهلال النفطي، من قبائل التبو الذين يتمركزون في حوض زلة جنوب الهلال النفطي، من خلال تجنيد مئات المقاتلين الوافدين من فروع القبيلة في تشاد، والذين يشكل بعضهم فصائل مسلحة معارضة لنظام الرئيس إدريس ديبي إتنو، أمّنت خلال السنوات الماضية مصادر النفط داخل الصحراء، لا سيما حقول تازربو والسرير القريبة من الحدود التشادية.
وبالرغم من بروز خلاف وصراع في الجنوب الليبي بصبغة سياسية، إلا أنّ جذور هذا الصراع تمتد لعشرات السنين، فعلى سبيل المثال مثلت قوات لواء المغاوير المؤلفة من قبائل الطوارق والتي يقودها اللواء علي كنه، ذراعاً عسكرية قوية للقذافي بالجنوب الليبي، إلا أنّها اختارت الانحياز لطرف عملية "فجر ليبيا"، ثم حكومة الوفاق، على اعتبار أنّ خصمها القبلي قبائل التبو اختارت الطرف الآخر.
كما أنّ هذه التحالفات القبلية يمكنها، بحسب أعراف القبائل، السيطرة على مناطقها، وخوض صراعات ضد بعضها البعض في أماكن نفوذها، ولكن غزو مناطق أخرى يبقى محظوراً عليها بفعل خضوعها لسيطرة قبائل أخرى.
ويقلل بالتالي مراقبون للشأن الليبي، من أهمية مساعي حفتر في السيطرة على مناطق حيوية وعسكرية كقاعدة الجفرة وتمنهنت، أو مناطق الغاز والنفط في غدامس والجبل الغربي، لوقوعها داخل أراضي قبائل أخرى، أبرزها قبائل الأشراف التي تحظى باحترام وتقدير معظم قبائل الجنوب، والتي لم يطاولها نير الخصومات والصراعات القبلية، على مر التاريخ.