تترقب الأوساط السياسية العراقية، منتصف الشهر المقبل، حكماً قضائياً بالشكوى المقدمة ضد البرلمان بشأن تصويته على إلغاء مجالس المحافظات نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ضمن حزمة قرارات صوّت عليها، إثر تفجّر الاحتجاجات الشعبية في البلاد وصفت بأنها استجابة لمطالب المتظاهرين.
الشكوى التي تقدم بها أعضاء في تلك المجالس اعتبروا فيها قرار البرلمان مخالفا للدستور الذي نص على وجود تلك المجالس ضمن التشكيل الإداري للمحافظات العراقية ضمن النظام الاتحادي للدولة. ويحذّر مراقبون من أن يكون أي حكم لصالح إعادة العمل بها هو بمثابة استفزاز للمتظاهرين. في المقابل، يتخوف مراقبون من أن يكون حراك إعادة العمل بتلك المجالس بمثابة تمهيد للأحزاب والقوى السياسية للانتخابات التشريعية المقبلة، إذ كان لتلك المجالس دور في تحصيل الأصوات من الناخبين لصالح الأحزاب الرئيسية.
وبحسب مصادر في البرلمان العراقي، فإن كتلاً وأحزاباً سياسية تدفع نحو إعادة العمل بمجالس المحافظات التي تم إلغاؤها، مستغلة تلاشي تأثير التظاهرات التي تراجعت بفعل جائحة كورونا.
وقال نائب في البرلمان العراقي، في حديث مع "العربي الجديد"، رفض الكشف عن هويته، إن "جهات مختلفة تخطط لاستعادة تلك المجالس عملها، وشجعت على التحرك نحو القضاء الإداري لإبطال القرار لأسباب سياسية تتعلق بتفرّد محافظي عدة محافظات جنوبية وغربية محسوبين على أحزاب معينة بإدارة المحافظات".
وربط ذلك كذلك بالاستعداد للانتخابات المبكرة، قائلاً إن "أعضاء مجالس المحافظات وبما يملكونه من غطاء ونفوذ يشاركون في كل انتخابات ضمن مناطقهم لصالح الأحزاب التي ينتمون إليها بتحصيل الأصوات".
وأشار إلى أن "تلك الجهات تعول على نصوص دستورية وقانونية، وتعتبر أن هناك ثغرات كبيرة في قرار التجميد، وقد أوكلت عددا من المحامين لمتابعة الملف".
وتقدّر نفقات تلك المجالس المالية بنحو 220 مليون دولار سنويا، موزعة على 15 مجلساً، بحسب إحصاءات غير رسمية.
وتبدي كتل سياسية عدة تفاؤلا بإعادة تلك المجالس، من خلال قرار المحكمة المرتقب، مرجحة أن يصدر القضاء حكما بإعادة المجالس.
وقال عضو مجلس محافظة بغداد، عن ائتلاف "دولة القانون"، سعد المطلبي، إن "قضية إعادة مجالس المحافظات تنتظر قرار المحكمة الاتحادية العليا، التي ستنظر في الدعوى القضائية المقامة ضد قرار البرلمان بحل المجالس، من دون تعويضه بمجلس جديد". وأضاف أن "الدعوى المقامة ستركز على مواد دستورية خاصة تؤكد أن العراق بلد اتحادي، وفيه أعضاء مجالس محافظات للتمثيل المحلي"، مرجحاً أن "تقضي المحكمة بإعادة المجالس، كون قرار حلها ينطوي على خروقات دستورية".
وقال عضو اللجنة القانونية البرلمانية، النائب حسين العقابي، إن "فض النزاع القانوني بشأن إعادة مجالس المحافظات ستبت فيه المحكمة الاتحادية، ولا يمكن لأي سياسي أو برلماني إبداء رأيه أو وجهة نظره في هذا الشأن".
في المقابل، تؤكد جهات سياسية أن محاولات إعادة تلك المجالس، هي لتحقيق مكاسب خاصة، وقال عضو "الحزب الشيوعي العراقي"، علي الخزعلي، إن "مجالس المحافظات بؤرة من بؤر هدر المال العام في العراق، وأن محاولات إعادتها خطيرة جداً، وأنها ستكلف ميزانية الدولة أموالا كبيرة في ظل الأزمة المالية الحالية".
وأشار إلى أن "الضغوط التي تمارس على السلطة القضائية، تضعها أمام اختبار صعب، وعليها أن تثبت مهنيتها بالعمل، وألا تخضع لأي ضغوط وابتزاز"، محملاً الحكومة "مسؤولية كبيرة في الوقوف في وجه تلك الجهات الساعية لعودة الفساد".
ويحذّر ناشطون من مغبة إبطال الإصلاحات التي جاءت نتيجة للضغط الشعبي. وقال الناشط عبد الله العبيدي، إن "بعض الجهات المنتفعة من الفساد تستغل أزمة كورونا التي حجمت من مساحات التظاهرات الشعبية، لأجل إعادة العمل بمجالس المحافظات كمنفذ للفساد"، قائلا لـ"العربي الجديد" إنه "يجب على السلطة القضائية أن تعي خطورة ذلك، وأن لا تخضع للضغوط".
وأكد أن أي "تراجع عن قرار التجميد، يعني عودة نحو الفساد، وهذا ما لا يقبله الشعب"، مشدداً "ستكون لنا تظاهرات غاضبة في حال أصدرت السلطة القضائية قرارا بإعادتها، وأن ذلك سيكون دليلاً على عدم حيادية القضاء، ما قد يدفعنا إلى التظاهر ضد السلطة القضائية".
الخبير القانوني طارق حرب، أكد أن موضوع المجالس وعودتها متروك للقضاء، لكن الأسس القانونية تؤشر إلى عدم إمكانية إعادة المجالس.
وقال حرب لـ"العربي الجديد" إن "الدعوة التي أقيمت من قبل المجالس منذ 6 أشهر، لم تحسم بسبب ظروف مختلفة، منها جائحة كورونا وأثرها على عمل المؤسسات"، مبيناً أن "القراءة الأولية للقضية تؤشر إلى أنه لا يمكن عودة تلك المجالس، بعدما نص قانون الانتخابات الجديد على إلغاء الحكم القانوني الذي تضمّن تمديد عمل المجالس إلى ما بعد الأربع سنوات".
وزاد قائلاً "ما يعني أن عمر تلك المجالس انتهى، أي أن السند القانوني للتمديد قد زال، من دون أن نعود إلى قرار البرلمان أو غيره"، قبل أن يستدرك بأن "الأمر متروك في كل الأحوال إلى المحكمة الاتحادية العليا".