ارتفع حجم التداول بالذهب في البورصات العربية منذ أن تراجع سعر النفط إلى مستويات قياسية خلال الفترة الماضية. ولكن، هل الذهب فعلاً ملاذ آمن؟ وإلى متى سيكون محور الاستثمار؟ وقدم كل من الخبير الاقتصادي الجزائري محمد بو جلال، ورئيس هيئة الأوراق المالية العراقية عبد الرزاق السعدي، لـ"العربي الجديد" وجهة نظرهما، وتوقعاتهما بخصوص مستقبل الاستثمار في الذهب.
عبد الرزاق السعدي: لا خوف من المعدن الأصفر
قال رئيس هيئة الأوراق المالية العراقية والخبير في البورصة، الدكتور عبدالرزاق السعدي، إن استمرار تحكم الذهب في مداولات البورصات العربية سوف يستمر إلى نهاية العام الحالي. وأضاف المتحدث ذاته في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن هذا التحكم سيتجاوز سقف نهاية عام 2015 لعدة عوامل سياسية واقتصادية. وأوضح رئيس هيئة الأوراق المالية العراقية، أن أسعار الذهب، ورغم بعض التراجعات التي تشهدها بين فينة وأخرى، تظل أكثر ثقة وأمانا بالنسبة للمستثمرين العرب. وزاد الدكتور عبدالرزاق السعدي، أن قوة الذهب تكمن في صغر هامش التلاعبات السياسية والاقتصادية في سوق تداولاته، والتي تدفع إما إلى انتعاشها أو تأزيمها، على عكس النفط الذي قد تتضرر أو تنتعش أسعاره العالمية لفترة طويلة، بسبب القرارات السياسية والاقتصادية للدول المنتجة له. وشرح الدكتور السعدي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن توجهات التداولات خلال بداية هذه السنة اتسمت بفصلين أو اتجاهين عنوانها الذهب والأوراق المالية. وقد فضل من اختاروا الاتجاه الأول وضع ثقتهم في الذهب عبر الاستثمار بعيد المدى. في المقابل، بحث المضاربون عن الربح السريع في الأوراق المالية، والتي تكون عوائدها مباشرة. لكن الدكتور السعدي، أكد أن الاختيار الأول هو الطاغي على تداولات البورصة، نظرا لقناعة المستثمرين بحفاظ أونصة الذهب على قيمتها الأصلية، دون حساب هامش الربح، ولو بعد 50 سنة من شرائها، عكس الأوراق المالية التي تتأثر بعدة عوامل ومتغيرات اقتصادية. وعن نوعية المستثمرين العرب الذين يلجؤون بقوة إلى التداول في الذهب، قال رئيس هيئة الأوراق المالية العراقية لـ"العربي الجديد"، إن جل المستثمرين العرب الذين ينشطون عبر شركاتهم في البورصات الخارجية، هم الأكثر تضرراً من تراجع أسعار النفط العالمية. وأضاف المتحدث ذاته، أن هؤلاء اليوم هم الأكثر لجوءاً إلى شراء الذهب والمضاربة فيه. عكس المستثمرين الذين ينشطون عبر استثماراتهم في الأسواق المحلية فقط، خاصة المستثمرين في القطاعات الخاصة المنتجة. وشدد الدكتور عبدالرزاق السعدي، على أن أسعار النفط لن تعود إلى سابق عهدها؛ نظرا لتمسك أعضاء دول "أوبك" بسقف الإنتاج الحالي، رغم تراجع أسعاره بنسبة 30% منذ آخر اجتماع لها. وهذا الواقع، بحسب السعدي، يفرض على المستثمرين الاستمرار في وضع ثقة أكبر في الذهب، لأنه الاختيار الآمن للمتعاملين في تداولات البورصات العربية.
محمد بو جلال: الذهب ليس ملاذاَ آمناً
توقع الخبير الاقتصادي الجزائري محمد بوجلال، أن يستمر الذهب محوراً لتداولات البورصات العربية في المنظور المتوسط من عام 2015. وبرر الخبير الجزائري في حديثه لـ"العربي الجديد" توقعاته، بمعطيات سوق أسعار النفط العالمية، والتي تؤكد مؤشراتها عدم قرب تجاوز أزمة الطاقة التي تعرفها الدول المنتجة للنفط، والذي لن يعود إلى سابق عهده من حيث الأسعار، نظرا لاستمرار تشبث معظم دول "أوبك" بقرار عدم خفض الإنتاج اليومي من الذهب الأسود. لكن اعتبر أنه لا وجود لمنطق الاستثمار الآمن في قطاع معين بعيدا عن تنويع الاقتصادات العربية. وأوضح محمد بوجلال، أن المستثمرين يتعاملون مع الذهب بمنطق التاريخ الاقتصادي في مواجهة الأزمات. وأكد أنهم "يعتبرونه الملاذ الآمن حين تشتد الأزمة في القطاعات الاستثمارية". وشدد المتحدث ذاته على أن الذهب سيحافظ على قيمته في تداولات البورصات العربية، مستدلا بانتعاش أسعاره بعد تراجع طفيف شهدته الأسابيع الماضية، حيث استقر مع نهاية الأسبوع المنصرم على سعر يتراوح بين 1204 و1205 دولارات للأونصة، مستفيدا من التصريحات الأخيرة لرئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، جانيت يلين، والتي دفعت المستثمرين إلى استبعاد رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة في وقت قريب. وعبر الخبير الاقتصادي محمد بوجلال، عن تخوفه من استمرار الاعتماد على الذهب واللجوء إليه، نظرا لارتباطه المباشر بالقرارات السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية. وذكر في هذا الصدد، بأزمة قروض الرهن العقاري التي شهدتها أميركا بداية عام 2008، والتي تحولت إلى أزمة مالية عالمية، ودفعت رؤوس الأموال العربية إلى التخلي عن الطرق التقليدية في التعامل مع القطاع، وجعلتهم متحفظين في توظيف أموالهم فيه. ولفت محمد بوجلال في تصريحه لـ"العربي الجديد" إلى ضرورة التخلي عن منطق "الملاذ الآمن في الاستثمار وتداولات البورصة". وقال في السياق ذاته: "في الأدبيات الاقتصادية لا وجود لمصطلح الاستثمار أو الملاذ الآمن في قطاع معين، أو مصادر طاقة، وكذلك المعادن، بل هناك ما يصطلح عليه بالمخاطرة في الاستثمار. وحتى إيداع الأموال في المصارف، أظهرت التجارب على مر التاريخ، أنها عملية غير آمنة، ويمكن أن يفلس المصرف وتذهب معه جميع ودائع عملائه".
وطرح الخبير الاقتصادي الجزائري ضرورة ملاءمة تعاملات البورصات العربية مع الواقع الاستثماري القائم في مختلف الدول. مع تقوية دور المؤسسات المالية الوسيطة. لأن، ومن وجهة نظره، فإن حجم التمويلات وأسعار السلع الطاقية والمعادن منفصلة عن الواقع الاقتصادي العربي. وشدد الخبير الاقتصادي محمد بوجلال، في ختام تصريحه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة البحث عن فرص استثمارية واقعية ومنتجة، عوض اللجوء إلى المضاربات في أسعار الذهب، لأن استقرار الأسواق المالية العربية رهن بمستوى التطور الاقتصادي الوطني لكل دولة، والذي ينعش تداولات البورصات، عبر الأداء القوي للشركات الإنتاجية والاستثمارية في مختلف القطاعات.
إقرأ أيضاً: ملف الملحق: الاستثمار العربي في الإنترنت..."لايكات" اقتصادية