تمر هذه الأيام ذكرى زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لإسرائيل، وقد أفضت الزيارة لجملة تداعيات وردود أفعال رافضة وغاضبة على عدة مستويات عربية وفلسطينية كان من بينها إخراج مصر من جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. وذهب الموقف الفلسطيني بعيدا في رفض الزيارة ورفض ما قدمه السادات وما عرضه. قامت الدنيا على السادات، رغم أن الرجل كان لتوه قد خرج منتصرا من حرب أكتوبر وأعاد سيناء. هذه ليست إشادة بخطوة السادات إطلاقا، لكن بعد أربعة عقود سيصبح الذهاب لإسرائيل ضرورة عربية واجبة، ولن يجد وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أحد أبرز رؤوس التطرف، حرجا في توجيه الدعوة للرؤساء العرب لزيارة إسرائيل والسير على خطى السادات. عندما ذهب الأخير حرص على أن يكون الفلسطينيون جزءا من الحل، في حين الذهاب الآن لم يعد مهمّاً أن يكون الفلسطينيون جزءا من الحل، يكفي فقط إحضارهم لبيت الطاعة العربي.
بعد أربعة عقود، بات التطبيع العربي مع إسرائيل الآن يمر عبر البوابة الفلسطينية، ولا أحد يعترض. بعض الفلسطينيين يباركون الأمر ولا يرفضونه، والرافضون يكتفون ببيانات الإدانة والشجب وعلى استحياء، بل بات بعض الفلسطينيين يباركون الزيارات ويرعونها مثلما حدث عندما قام أمين عام منظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، وهو بالمناسبة وزير لوزارة الحج والثقافة والإعلام في السعودية سابقا، بزيارة مدينة القدس المحتلة ودعا المسلمين لزيارة المدينة. الأمر هنا لا يتعلق بزيارة مسؤول ما أو وزير عربي ما، ولكنه أمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي يمر على القدس عبر البوابة الإسرائيلية. وتكرر الأمر ذاته مع زيارة أنور عشقي، ضابط الاستخبارات السعودي السابق، لتل أبيب ولقائه بالمسؤولين هناك.
تطبيع السعودية مع إسرائيل لا يعني إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي فقط، ولا يعني انتهاء الحاضنة العربية الرسمية الداعمة سياسيا وماديا ومعنويا للنضال الفلسطيني، ولا يعني اختراق إسرائيل للجبهة العربية. ذهاب السعودية صوب إسرائيل يختلف عن حالات التطبيع الأخرى في أنه تطبيع لا يكتفي بالذهاب إلى إسرائيل فقط بل يقدم تصفية للقضية الفلسطينية. تطبيع السعودية يمر على أنقاض القضية الفلسطينية.
وقطعا تختلف مواقع الدول العربية باختلاف مصالحها، لكن ليست هناك مصلحة عربية إطلاقا في التغزل الإسرائيلي بواحدة من أكبر الدول العربية. بمعنى آخر، قد تذهب دولة عربية ما إلى التطبيع وفق رؤيتها ومصالحها، والغالب على التطبيع أنه اقتصادي وذو طابع رسمي، ولم يحدث أن أقدمت إسرائيل على توصيف تطبيعها مع الدول العربية باستثناء ما يحدث مع السعودية التي تغزل بها تسفي برئيل في صحيفة هآرتس، وقد كتب قائلا: "يا سعودية نحبك". ولا يبدو أن السعودية تفكر في التوقف عن الاستدارة صوب إسرائيل، وهي استدارة أحد أركانها ترويض الفلسطينيين وإخراجهم من دائرة الصراع إلى دائرة التطويع تمهيدا للتطبيع، وهذه سابقة في تاريخ التطبيع العربي الإسرائيلي.
لا نهدف في هذا الموضع التعرض للتطبيع السعودي مع إسرائيل ولا إجراء قراءة لتبعاته وتداعياته ولا تتبع مساراته، ولكن السؤال هل بإمكان الفلسطينيين الحيلولة دون ذلك؟ ما هو المطلوب وكيف يمكن منع الاستدارة السعودية التي باتت تشترط أن يكون الفلسطينيون جزءا من ذهابها صوب إسرائيل، وخاصة أن الحديث لا يدور عن تطبيع دولة عربية مع إسرائيل ولكنه يتعلق بإجبار الفلسطينيين على القبول بتسوية وبحل فوقي مفروض وفق رؤية لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني، وفي توقيت هو الأسوأ بالنسبة لتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية. وكأن أي تحولات أو صراعات في الخليج يجب أن يحصد نتائجها الفلسطينيون عبر إجبارهم على الموافقة على التخلي عن مزيد من حقوقهم. ففي مطلع أزمة التسعينيات بين العراق والكويت انتهت الأزمة بإجبار الفلسطينيين على الدخول إلى أوسلو، والآن عل وقع الأزمة الحاصلة في السعودية تتشكل حالة أخرى ضاغطة تطلب من الفلسطينيين اجتراح الذهاب صوب أوسلو أخرى ولكن بحقوق أقل.
تدرك السعودية أن فاعلية الفصائل الفلسطينية في القدرة على الحيلولة دون إكمال استدارتها صوب إسرائيل ضئيلة، لعدة أسباب داخلية وخارجية، وتدرك أنه في أفضل الأحوال لن تقدم الفصائل على أكثر من إصدار بيان شجب وإدانة وعقد لقاء أو مؤتمر، والأمر لا يتعدى ذلك، وقد مررت السعودية بالونات اختبار لقياس الموقف وردة الفعل الفلسطينية، ومر الأمر كما كان متوقعا ومرتقبا ولم يتعد حدود الإدانة والشجب والاستنكار.
استدارة السعودية صوب إسرائيل لن تكون مجرد تطبيع ولن تتوقف تبعاتها عند حد معين، سيتدحرج الأمر حتى تتلاشى القضية الفلسطينية بكافة مكوناتها. واحد من استحقاقات التطبيع بين السعودية وإسرائيل إنهاء الحالة الفلسطينية القائمة على الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي والتحكم في مسار العلاقات الإقليمية للفصائل الفلسطينية، والاشتراط أن يكون الدعم المالي السعودي محكوم وفق ما تراه وتريده السعودية، وهذه أخطر عملية ابتزاز تتعرض لها الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنها ليست الأولى على المستوى العربي، عرفات من قبل تعرض للابتزاز المالي ليوافق على الذهاب لأوسلو، وذهب حتى تلاشى حضور التيار الوطني من مشهد الاشتباك ومقاومة الاحتلال، والآن يراد ابتزاز التيار الإسلامي في الحركة الوطنية الفلسطينية ليخرج هو الآخر من دائرة مقاومة الاحتلال.
هذه المعطيات كلها تفترض وتتطلب أن يكون الموقف الفلسطيني بحجم الجريمة وبحجم نتائجها الكارثية، وعدم الاكتفاء بالشجب والبيانات واللغة الوديعة، الأمر لا يتعلق بعلاقات خارجية لدولة ما، لكن واحدا من مساراته هو إجهاض الحالة الفلسطينية. ذهاب السعودية صوب إسرائيل لا يساوي ولا يتساوى ولا يتقاطع مع إشادة مسؤول من بلد هامشي مع إسرائيل مثلا، وبالتالي مطلوب أن يختلف التعاطي الفلسطيني، وأن يرتقي الخطاب الفلسطيني لحجم نتائج ذهاب السعودية صوب إسرائيل، وخاصة أن ذراع السعودية في فلسطين عموما وتجاه الفصائل الفلسطينية لا يشكل عقبة. السعودية اختارت مبكرا الانسحاب من المشهد الفصائلي الفلسطيني وبالتالي لا وصاية لها على الفصائل الفلسطينية، وهو ما يوفر أريحية في طرح الفصائل لفضح نتائج اختراق إسرائيل للجبهة السعودية، وخاصة أن لهذه الجبهة خصوصية دينية تحول وتمنع التفرد في صناعة القرار السعودي، بمعنى تطبيع السعودية مع إسرائيل لا يعني السعودية وحدها، لكنه يمس كافة المسلمين، فنظرا للخصوصية الدينية التي تحظى بها السعودية، ستروج إسرائيل للأمر وتوظفه بأنه تطبيع إسلامي معها وليس سعوديا فقط. هذه الخصوصية قد تكون فرصة للفصائل الفلسطينية لاستدعاء البعد الديني لرفض ذهاب السعودية صوب إسرائيل التي تستبيح المقدسات وتهود القدس وتخطط لهدم المسجد الأقصى، ولا سيما أن واحدة من الشرعيات التي يقوم عليها النظام السياسي السعودي هي الشرعية الدينية، وعليه يجب تغليب البعد الديني في الخطاب الفلسطيني وتحريم وتجريم السعي السعودي للتطبيع مع إسرائيل.
بعد أربعة عقود، بات التطبيع العربي مع إسرائيل الآن يمر عبر البوابة الفلسطينية، ولا أحد يعترض. بعض الفلسطينيين يباركون الأمر ولا يرفضونه، والرافضون يكتفون ببيانات الإدانة والشجب وعلى استحياء، بل بات بعض الفلسطينيين يباركون الزيارات ويرعونها مثلما حدث عندما قام أمين عام منظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، وهو بالمناسبة وزير لوزارة الحج والثقافة والإعلام في السعودية سابقا، بزيارة مدينة القدس المحتلة ودعا المسلمين لزيارة المدينة. الأمر هنا لا يتعلق بزيارة مسؤول ما أو وزير عربي ما، ولكنه أمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي يمر على القدس عبر البوابة الإسرائيلية. وتكرر الأمر ذاته مع زيارة أنور عشقي، ضابط الاستخبارات السعودي السابق، لتل أبيب ولقائه بالمسؤولين هناك.
تطبيع السعودية مع إسرائيل لا يعني إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي فقط، ولا يعني انتهاء الحاضنة العربية الرسمية الداعمة سياسيا وماديا ومعنويا للنضال الفلسطيني، ولا يعني اختراق إسرائيل للجبهة العربية. ذهاب السعودية صوب إسرائيل يختلف عن حالات التطبيع الأخرى في أنه تطبيع لا يكتفي بالذهاب إلى إسرائيل فقط بل يقدم تصفية للقضية الفلسطينية. تطبيع السعودية يمر على أنقاض القضية الفلسطينية.
وقطعا تختلف مواقع الدول العربية باختلاف مصالحها، لكن ليست هناك مصلحة عربية إطلاقا في التغزل الإسرائيلي بواحدة من أكبر الدول العربية. بمعنى آخر، قد تذهب دولة عربية ما إلى التطبيع وفق رؤيتها ومصالحها، والغالب على التطبيع أنه اقتصادي وذو طابع رسمي، ولم يحدث أن أقدمت إسرائيل على توصيف تطبيعها مع الدول العربية باستثناء ما يحدث مع السعودية التي تغزل بها تسفي برئيل في صحيفة هآرتس، وقد كتب قائلا: "يا سعودية نحبك". ولا يبدو أن السعودية تفكر في التوقف عن الاستدارة صوب إسرائيل، وهي استدارة أحد أركانها ترويض الفلسطينيين وإخراجهم من دائرة الصراع إلى دائرة التطويع تمهيدا للتطبيع، وهذه سابقة في تاريخ التطبيع العربي الإسرائيلي.
لا نهدف في هذا الموضع التعرض للتطبيع السعودي مع إسرائيل ولا إجراء قراءة لتبعاته وتداعياته ولا تتبع مساراته، ولكن السؤال هل بإمكان الفلسطينيين الحيلولة دون ذلك؟ ما هو المطلوب وكيف يمكن منع الاستدارة السعودية التي باتت تشترط أن يكون الفلسطينيون جزءا من ذهابها صوب إسرائيل، وخاصة أن الحديث لا يدور عن تطبيع دولة عربية مع إسرائيل ولكنه يتعلق بإجبار الفلسطينيين على القبول بتسوية وبحل فوقي مفروض وفق رؤية لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني، وفي توقيت هو الأسوأ بالنسبة لتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية. وكأن أي تحولات أو صراعات في الخليج يجب أن يحصد نتائجها الفلسطينيون عبر إجبارهم على الموافقة على التخلي عن مزيد من حقوقهم. ففي مطلع أزمة التسعينيات بين العراق والكويت انتهت الأزمة بإجبار الفلسطينيين على الدخول إلى أوسلو، والآن عل وقع الأزمة الحاصلة في السعودية تتشكل حالة أخرى ضاغطة تطلب من الفلسطينيين اجتراح الذهاب صوب أوسلو أخرى ولكن بحقوق أقل.
تدرك السعودية أن فاعلية الفصائل الفلسطينية في القدرة على الحيلولة دون إكمال استدارتها صوب إسرائيل ضئيلة، لعدة أسباب داخلية وخارجية، وتدرك أنه في أفضل الأحوال لن تقدم الفصائل على أكثر من إصدار بيان شجب وإدانة وعقد لقاء أو مؤتمر، والأمر لا يتعدى ذلك، وقد مررت السعودية بالونات اختبار لقياس الموقف وردة الفعل الفلسطينية، ومر الأمر كما كان متوقعا ومرتقبا ولم يتعد حدود الإدانة والشجب والاستنكار.
استدارة السعودية صوب إسرائيل لن تكون مجرد تطبيع ولن تتوقف تبعاتها عند حد معين، سيتدحرج الأمر حتى تتلاشى القضية الفلسطينية بكافة مكوناتها. واحد من استحقاقات التطبيع بين السعودية وإسرائيل إنهاء الحالة الفلسطينية القائمة على الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي والتحكم في مسار العلاقات الإقليمية للفصائل الفلسطينية، والاشتراط أن يكون الدعم المالي السعودي محكوم وفق ما تراه وتريده السعودية، وهذه أخطر عملية ابتزاز تتعرض لها الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنها ليست الأولى على المستوى العربي، عرفات من قبل تعرض للابتزاز المالي ليوافق على الذهاب لأوسلو، وذهب حتى تلاشى حضور التيار الوطني من مشهد الاشتباك ومقاومة الاحتلال، والآن يراد ابتزاز التيار الإسلامي في الحركة الوطنية الفلسطينية ليخرج هو الآخر من دائرة مقاومة الاحتلال.
هذه المعطيات كلها تفترض وتتطلب أن يكون الموقف الفلسطيني بحجم الجريمة وبحجم نتائجها الكارثية، وعدم الاكتفاء بالشجب والبيانات واللغة الوديعة، الأمر لا يتعلق بعلاقات خارجية لدولة ما، لكن واحدا من مساراته هو إجهاض الحالة الفلسطينية. ذهاب السعودية صوب إسرائيل لا يساوي ولا يتساوى ولا يتقاطع مع إشادة مسؤول من بلد هامشي مع إسرائيل مثلا، وبالتالي مطلوب أن يختلف التعاطي الفلسطيني، وأن يرتقي الخطاب الفلسطيني لحجم نتائج ذهاب السعودية صوب إسرائيل، وخاصة أن ذراع السعودية في فلسطين عموما وتجاه الفصائل الفلسطينية لا يشكل عقبة. السعودية اختارت مبكرا الانسحاب من المشهد الفصائلي الفلسطيني وبالتالي لا وصاية لها على الفصائل الفلسطينية، وهو ما يوفر أريحية في طرح الفصائل لفضح نتائج اختراق إسرائيل للجبهة السعودية، وخاصة أن لهذه الجبهة خصوصية دينية تحول وتمنع التفرد في صناعة القرار السعودي، بمعنى تطبيع السعودية مع إسرائيل لا يعني السعودية وحدها، لكنه يمس كافة المسلمين، فنظرا للخصوصية الدينية التي تحظى بها السعودية، ستروج إسرائيل للأمر وتوظفه بأنه تطبيع إسلامي معها وليس سعوديا فقط. هذه الخصوصية قد تكون فرصة للفصائل الفلسطينية لاستدعاء البعد الديني لرفض ذهاب السعودية صوب إسرائيل التي تستبيح المقدسات وتهود القدس وتخطط لهدم المسجد الأقصى، ولا سيما أن واحدة من الشرعيات التي يقوم عليها النظام السياسي السعودي هي الشرعية الدينية، وعليه يجب تغليب البعد الديني في الخطاب الفلسطيني وتحريم وتجريم السعي السعودي للتطبيع مع إسرائيل.